” أنا فخور بانتمائي لجماعة الإخوان المسلمين ،وسأظل أعيش جنديا مخلصا ووفيا لهذه الدعوة “
كلمات صادقة كثيرا ما يرددها الأستاذ الفاضل شحاتة هدهد – رحمه الله .. أحد أبناء الرعيل الأول للإخوان المسلمين، و الذي عايش جميع مرشدي هذه الجماعة المباركة.
ودخل في آتون المحن التي مرت بها فكان مثالا للوفاء و الإخلاص في خدمة دعوته و إخوانه فشعاره
- “لقد ربط الإمام الشهيد حسن البنا الدعوة بغاية كبرى لا يختلف عليها اثنان وهي “الله غايتنا”، وجعلها شعار الجماعة، وهذا هو الذي دفعنا إلى الوقوف موقفًا ثابتًا على طريق الدعوة دون ليونة، ولو كان ربطها بشخصه لكانت ماتت معه، أو قضت عليها الضربات المتتالية من بعده”.
ولد الأخ الفاضل الحاج شحاتة علي هدهد في 13 فبراير عام 1924م بمركز قويسنا في محافظة المنوفية . كان ذو نشأة و تربية أصيلة .
وعلى قدر من الأخلاق الطيبة الكريمة .. ظل في بلدته مقيما حتى إذا بلغ الخامسة عشر من عمره انتقل للعمل في القاهرة مع أخيه الأكبر في مطعم بشارع فاروق قديمًا (الجيش حاليًّا) بمنطقة العتبة، وكان ذلك في عام 1939م .
وبعد مدة و بمساعدة أخ آخر له كان يعمل في السكة الحديد انتقل للعمل هناك كمساعد سائق قطار لمدة عامين ، بعدها عمل كسائق قطار وكان “الوابور” وقتئذ يعمل بالبخار وليس بالديزل كالقطار الحالي.
وقد كان له شرف مشاركة الجماعة في نظامها الخاص والذي أنشأ بغرض طرد المحتل من البلاد ، وكذلك شرف المشاركة في محنتي 54 و 65 ، ليخرج من السجن أخيرا في عام 1971م .
وقد تقدم للتطوع في المشاركة في كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 1948م ، وأجرى عليه الكشف الطبي وقتها الدكتور أحمد الملط رحمه الله ونجح فيه ، ولكن شاءت إرادة الله تعالى و حكمته ألا يذهب إلى فلسطين
الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين :
كانت معرفته بجماعة الإخوان المسلمين في عام 1944م . وعن بداية هذا يقول حفظه الله :
” كنت أسكن في مكان اسمه دير الملاك بحدائق القبة ، تعرفت هناك على أخوين من المنطقة هما ” صديق عسل ، و أنور العزب “، وبعد فترة تعارف و دعوة دلوني على شعبة الإخوان المسلمين الموجودة بحدائق القبة ، فذهبت إليها لما دخلتها وجدتها عبارة عن حوش واسع يحيطه سور ويتوسطه نخلة، ورأيت بعض الإخوان الكشافة يمارسون بعض الألعاب الرياضية، وكنت وقتئذ شابا أميل للمظاهر ..
فانبهرت جدا بمظهرهم من زي و نظام و قوة ، وأخذت أتأملهم و أطيل النظر إليهم ، وكان هناك رجل يجلس على مكتب اسمه كامل الشافعي كان هو نائب شعبة الحدائق ، لازلت أذكره منذ 82 عاما بكل الخير فقد كانت مقابلته مؤثرة جدًّا في ولا أنساها حتى الآن ، و أعجبني كلامه الطيب، فقال لي: “إيه رأيك تشترك معنا؟”،
فوافقت، وكتبت استمارة انضمام للإخوان، باشتراك شهري أقل من 5 قروش ، ثم قال لي :”لازم تيجي تلعب رياضة معنا “، وفعلا انتظمت في المواعيد و أصبح كل وقت فراغي بالشعبة ، ثم وضعوني في أسرة إخوانية مع 5 إخوان، كنا نصلي الفجر ، ثم نجتمع في الشعبة لنبدأ نركض إلى ميدان السواح ذهابا ثم إيابا إلى الشعبة مرة أخرى .
بعدها نقرأ الأذكار ، ثم نفطر سويا ، ليذهب بعد ذلك كل واحد منا إلى عمله في الشعبة ، وكنا أيضا نؤدي بعض التدريبات العسكرية البسيطة “سويدي ومشية عسكرية”، وهكذا كان جوا طيبا جدا
فكل شيء مع الإخوان مختلف ، فقد كنت أصلي لكن مع الإخوان أصبحت صلاتي لها روح ، ونشأت على التربية .. لكن مع الإخوان التربية مختلفة عن تلك التي في الخارج .
وعلمت بدرس الإمام الشيخ حسن البنا ، فكنت أذهب أسبوعيا كل ثلاثاء إلى مركز الإخوان المسلمين القديم لحضور هذا الدرس .”
لقد كان كلام الإمام البنا يدخل إلى القلب مباشرة ، وكانت توجيهاته ربانية من أجل هذا كان الراءي يرى ميدان الحلمية الجديدة و ليس فيه مكان لقدم من بعد صلاة العصر، فقد كان المركز العام عبارة عن بيت من طابقين حوله سور وساحة لا تستوعب أكثر من 200 شخص.
وهكذا بدأ أستاذنا الفاضل شحاتة هدهد يعرف أشياء جديدة تزيد من يسمعها إيمانا على إيمان فهي أمور من الدين لا يختلف عليها اثنان .
يقول أ. هدهد :
- ” وقد كنت حريصا على ورد المحاسبة يوميا قبل النوم من أول الصلاة حتى إماطة الأذى عن الطريق ، فما وفقت لأدائه أضع عليه علامة ، وما لم أفعله أستغفر الله تعالى عليه ، و أنتبه له في المرة القادمة “.
كان أول اعتقال له إبان محنة 54، وحكم عليه ظلما و بهتانا بعشر سنوات في سجون ناصر .
يقول الأستاذ هدهد :
” وأذكر أنني وأنا في طريقي إلى السجن مررت بشارع المركز العام بعد أن أحرقوه ورأيت آثار الحريق على شبابيك المركز العام ما أثر في نفسي بشدة، وكان أول ما سجنت به هو سجن القلعة.
وكانت أيام سجن القلعة كلها تعذيب، من أول ما دخلنا استقبلونا بالضرب بـ”الشوم”، وبعدها تم حبسي انفراديا بالملابس الداخلية في زنزانة شكلها عجيب، ضيقة ولها بابان، باب حديد من الخارج وباب خشبي من الداخل ، وكانت مملوءة بالمياه في عز البرد بشهر ديسمبر وكان هناك رف حديد في الزنزانة خلعته ووقفت عليه، واستمر الضرب والتعليق و التعذيب طوال فترة التحقيقات وقد كنت أسمع أصوات ضرب وتعذيب الإخوان وأنا في زنزانتي.
وسألوني في التحقيق أنت في النظام الخاص ؟ فقلت لهم أيوه في النظام الخاص فرجعت إلى الزنزانة وجدتها نظيفة.
مكثنا في سجن القلعة فترة قصيرة بعدها تم ترحيلنا إلى السجن الحربي و الذي ما إن وصلنا إليه فوجئنا بحفل استقبال بالكرابيج.
وفيه كانوا يعذبون الإخوة حتى الموت وبعد أن يموت أحد الإخوان المسجونين بسبب تعذيبهم، يدفنوه في الصحراء، ثم يستدعون أهله ليخبروهم أن الأخ قد هرب ويعذبونهم ويقولون لهم “شوفوه هرب فين وهاتوه من تحت الأرض”.
بقي الأستاذ الفاضل شحاتة هدهد ما يقرب من عامين معتقلا رهن التحقيقات في السجن الحربي ، ليرحل بعد ذلك إلى سجن مصر ، ثم إلى سجن قنا وقد كان بصحبته الشيخ أحمد شريت من أسيوط والذي كان عضوًا بمكتب الإرشاد في ذلك الوقت .
ثم أعيد ترحيله إلى سجن أسيوط ، ثم إلى بني سويف وبعده طرة فالقناطر وأخيرا سجن الواحات والذي استقبل فيه الإخوان الأستاذ شحاتة استقبال الفاتحين.
كما يقول ” لقد ترك هذا الاستقبال أثرا طيبا جدا جدا في نفسي و أنا أرى قيادات الإخوان أمثال الأخ صلاح شادي والأخ مهدي عاكف يقابلوننا ونحن أفراد في آخر الصفوف بكل هذه الحفاوة .. ومسحت هذه الصورة الرائعة من الوحدة كل ما قد مر علي في السجون السابقة من العذاب و الألم .. لذا دائما أقول الصحبة الصحبة هي السند في المحن”
لقد كانت محنة شديدة على الإخوان ولكن فضل الله عليهم كان عظيما ، فقد رزقوا الصبر و الثبات واحتساب الأجر عند الله جل وعلا، ورزقوا كذلك الحب في الله .. فترى بينهم الأخوة الصادقة و الإيثار و التضحية والقصص في ذلك كثير جدا ، يقول الأستاذ شحاتة هدهد حفظه الله :
” لقد كان شعار تعامل الإخوان فيما بينهم هو الحب في الله والإيثار والتضحية.. فكثيرا ما ترى الأخ يؤثر أخاه بجلابية أو طعام أو غير ذلك ، بل لقد وصل الإخوان إلى درجة عالية من الإيثار و التضحية ، فقد تعجب جدا حين تعلم أن الأخ كان يؤثر أخاه بـ“علقة” و ويتحمل عنه الضرب ، أذكر موقفًا كان قد حدث في السجن الكبير الذي يتكون من 4 أدوار في كل دور 100 زنزانة، ومساحة الزنزانة من 3 إلى 4 أمتار يضعون فيها 8 أشخاص، وكانوا يجمعونا كلنا في وقت واحد ويتدافع الإخوان للنزول بأعداد كبيرة من مكان واحد وأثناء نزولنا يقوم الجلادون بضربنا بالكرابيج، فكان الأخ يغطي أخاه ويحميه من الضرب ليأخذ هو الضرب على ظهره بدلا منه ، ويمر أخوه دون أن يضرب فكان الأخ يؤثر أخاه على نفسه . فتأمل عظيم التضحية و الإيثار.
وأذكر أنني سئلت مرة عن الأيام البيضاء والسوداء في السجن فقلت إن الأيام كلها كانت بيضاء بصحبة الإخوان .”
ولأن الأستاذ الفاضل شحاتة هدهد كان يعمل سائق قطار في السكة الحديد، وكانت بطاقته مكتوب فيها المهنة فني آلات بخارية فقد كلفته إدارة السجن بالعمل في غلاية السجن التي كانت تستخدم في عمل الأكل ، وتعطي مياهًا ساخنةً للغسالات.
يقول الأستاذ شحاتة هدهد رحمه الله :
- “أعطاني الموظف المدني اللي في الغلاية مفاتيح دولاب العهدة وقال لي أتصرف زي ما انت عايز.وفي أحد الأيام دخلت أعمل صيانة لإحدى حلل الفول الكبيرة وكانت تسرب بخارًا، فرأيت أحد المساجين يضع جوالين من الفول في إحدى الحلل ثم وضع الماء فإذا بالفئران والصراصير طافية فوق الماء فأزاحها وأغلق الحلة وأشعل النار.
- فذهبت إلى بعض الأخوة الضباط وهم رشاد المليسي من الشرقية وكمال عبد الرازق وكانوا حلقة الاتصال مع إدارة السجن ، وأخبرتهم بما رأيت فذهبوا إلى مأمور السجن وطلبوا منه أن ننظف الفول قبل طبخه فوافق وقمنا بالمهمة ففرشنا البطاطين وأفرغنا أجولة الفول عليها ليخرج منها الفئران والصراصير.”
ثم جاءت بعد ذلك محنة التأييد لجمال عبد الناصر في عام 1958م ، وكان الأستاذ شحاتة من الذين رفضوا هذا التأييد ، وعن هذه المحنة
يقول رحمه الله تعالى :
“وكنت وقتها في سجن بني سويف ، فقالوا لنا أن من سيؤيد جمال عبد الناصر سيخرج فورا من السجن ، فرأى بعض الإخوان من الموجودين في سجن بني سويف أن يؤيدوا لكي يخرجوا من السجن.
وبقيت أنا وثلاثة من الإخوان هم الأخ محمد عمارة والأخ أحمد كامل والأخ محمد هيكل رفضنا تأييد عبد الناصر، وعقابا لنا على ذلك كانوا يخرجوننا نحن الأربعة من الزنازين مساءًا بعد التمام ويستمرون في تعذيبنا لكي نرجع عن موقفنا، فلما رأوا ما نحن عليه من إصرار في رفض هذا التأييد قاموا بإخراجنا من زنازين الإخوان ووضعونا في زنازين مع المساجين الجنائيين بحيث يكون كل واحد منا وثلاثة جنائيين في زنزانة.
- وكان معي في الزنزانة أحد المساجين اسمه جمعه سيئ الخلق ودائمًا ما يثير الأزمات مع إدارة السجن ، وفي مرة قام بأكل تعيين (غذاء) الزنزانة كلها فقام أحد المساجين وضربه فقام جمعة ليرد له الضرب فأمسكت به وناديت العساكر فقام الاثنان وضرباه وأنا مازلت ممسكا به، فجاء الضابط وسألني فحكيت له ما حدث، وبعد ساعتين استدعاني الضابط وكان على ملابسي آثار من دمائه فقال أنت اللي ضربت جمعة والمساجين (الجنائيين الذين كنت معهم في الزنزانة) شهدوا عليك وعمل لي محضرًا وطلب لي الجلد،
- وعلشان الجلد ينفذ لازم يروح مصلحة السجون ليصدق عليه، فوضعوني في زنزانة انفرادي بجانب المؤيدين وكانت من أفضل الأيام التي مرت وأنا في هذا الحبس أولا: لأن السجن أصبح يهابني بعد أن سرت الإشاعة أني ضربت الفتوة جمعة، وثانيا كان يأتيني أفضل أنواع الطعام من زنازين الإخوان المؤيدين”
وبعد ذلك جاءت المحنة الثالثة التي مر بها الأخ الفاضل شحاتة هدهد و التي يقول عنها:
- ” كان لي أخ يعمل صولا في الشرطة ، فجاء يوما لزيارتي وهو بالملابس الرسمية ، وكان لابد أن يمر على مأمور السجن قبل زيارتي ، فلما رآه المأمور قال له :” لو أخوك أيد هتاخده في أيدك وأنت خارج “.
- فجاءني أخي طالبا مني تأييد عبد الناصر ، فحاولت إقناعه بأن كلامهم غير صحيح وأن وعودهم كاذبة .. فرفض أن يقتنع بكلامي و ضغط علي قائلا لي : لن أزورك ثانية، ولن أترك لك أمانات ، وسأطلق زوجتك منك إن لم تؤيد عبد الناصر وبكى ،ثم خرج وجلست أنا الآخر وحدي أبكي..
- وإذ بي أتذكر شعار الإخوان … (الله غايتنا .. الرسول قدوتنا .. القرآن دستورنا .. و الجهاد سبيلنا .. و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا) وقلت لنفسي : ” ألم تكن في الخارج تقول الشعار كثيرا و تكرره مرارا .. تأمل إنه كلام صحيح ، إن كلامهم ووعودهم هي الكذب و لن يخرجوا أحدا.
- ولو افترضنا أنهم فعلا سيخرجوننا.. وخرجت فأي متعة سوف أجدها في الحياة ، وافترض أن سيارة جاءت ودهستني ساعتها سأكون خسرت الدنيا والآخرة .. لا يا ولد يا شحاتة انتبه “.
- وهكذا كما كان الشعار أحد أهم أسباب انتمائي لجماعة الإخوان في البداية ، كان أيضا سببا في ثباتي و لله الحمد ، وفعلا بعدها مهما انضربت أو اتعذبت ولا كأن فيه حاجة “
وحفظ الله أستاذنا الفاضل كما ثبته من قبل ، فلم ينفذ أخوه شيئا من تهديداته …
وظلت زوجته معه تؤيده وتناصره و تشد من أزره ، حتى أنه عرض عليها الطلاق أكثر من أربع مرات على أساس أنه لن يخرج من السجن غير أنها رفضت رفضًا قاطعا و شديدًا بل و له قالت : أنا في انتظارك حتى تخرج.
برغم أنهما لم يرزقا بأبناء ، لكنه الزواج الصالح و العشرة الطيبة .
وأخيرا خرج الأستاذ شحاتة هدهد من السجن في ديسمبر عام 1964م ، وكانت ظروفه خاصة المادية صعبة ، ولكن مع التكافل والإخاء بين الإخوان تصبح الأحوال طيبة بإذن الله .. وفي هذا المعني يحكي لنا الأستاذ شحاتة هدهد هذه القصةالتي حدثت معه فيقول :
- ” زارني الأخ أحمد جبريل في بيتي وأعطاني مبلغا من المال وقال لي : اذهب و اشتغل وكمان روح للترزي الفلاني و فصل لك بدله . وفعلا فعلت ما قاله لي هذا الأخ الكريم” .
وبقي الأستاذ هدهد خارج أسوار السجون شهرين فقط ليعاد اعتقاله مرة أخرى في عام 1965م على خلفية ما كان يسمونه بقضية تنظيم 65 .
ويدخل من جديد للسجن الحربي وفيه رأى من العذاب و البطش و التنكيل أضعاف أضعاف ما رأى في محنة 54 كما يقول :” تعذبت في 54 ، ولكن ما رأيته في 65 كان حرب إبادة للإخوان بكل المعنى ، كان التعذيب ليلا و نهارا ، كنا نخرج من موت لموت، وكان ممنوعا أي زيارات أو اتصالات مع أهالينا في الخارج .
أذكر أن الأخ عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد في ذلك الوقت من الإسكندرية كان يغمى عليه من شدة التعذيب . وقد استمر التعذيب والمنع حتى نكسة يونيو عام1967 وبعدها فكت القبضة علينا بعض الشيء وسمحوا لنا بإرسال جوابات إلى أهلنا.”
وذات مرة وتحت وطأة التعذيب في السجن الحربي أرغموا الأستاذ شحاتة على القول بأن الأخ أحمد جبريل ولم يكن قد قبض عليه بعد قال لهم وهم خارجون من سجن الواحات ” أعيدوا جماعة الإخوان تاني” ، ثم فوجئ الأستاذ هدهد بعد ذلك بأنهم قد اعتقلوا الأخ أحمد جبريل وواجهوه بهذا الكلام وأنكر،
يقول الأستاذ شحاتة هدهد :
- ” أخذوني واثنين آخرين معي لكي نشهد عليه بما أرغمونا على قوله ، ووقفت عند الباب المغلق وعيناي معصوبة أنتظر الدور في الدخول ، فسمعت صوت الأخ أحمد جبريل وهو يتعذب وقتها قلت لنفسي :هذا الرجل أحسن إليك وساعدك وأنت في الخارج فهل تدخل وتسيء إليه، فعزمت عزما أكيدا أني لو مت لن أقول ما أرغموني عليه ، ولن أسيئ إلى من أحسن إلي ، و سبحان الله لم أشعر إلا بيد العسكري وهو يقودني إلى زنزانتي ، و أخذوا الأخ الثاني الذي كان معي فحمدت الله على ذلك “.
وفي عام 1971م ، وبعد ست سنوات ، خرج الأستاذ شحاتة هدهد من غياهب السجن ، وما لانت له عزيمة ليواصل العمل الدعوي مع الإخوان مرة ثانية كما عاد لعمله ولكن وكما يقول ” كان الوضع قد تغير فالقطارات التي تركتها تعمل بالبخار سنة 1954 وجدتها “ديزل” سنة 1971، فقالوا لي لابد أن تأخذ دوره 3 شهور للتدريب على القطارات الجديدة (الديزل) ونجحت وعدت للعمل ثانية ثم أحلت إلى المعاش عام 1984 .”
مواقف تربوية من صحبته مع المرشدين
لقد عاصر الأستاذ شحاتة هدهد جميع مرشدي هذه الجماعة المباركة ، بدءا من الإمام البنا مرورا بالمستشار حسن الهضيبي ، ثم عمر التلمساني ، فحامد أبو النصر ، ومن بعده الأستاذ مصطفى مشهور ، ثم محمد مهدي عاكف ، و أخيرا الأستاذ الدكتور محمد بديع ..
وكانت له مع بعض منهم مواقف تربوية تعلم منها الكثير .
مع الإمام حسن البنا
يقول الأستاذ شحاتة: ” كان الإمام البنا قدوة مثالية ، فلا يمكن أن يأمر و يلزم أخا بشيء قبل أن يكون هو قد ألزم نفسه بفعل هذا الأمر ، فقد كان يعطي القدوة من نفسه وهذا الأمر كون لدي قناعة تامة وثقة بالجماعة تغلغلت في أعصابي و كياني ،و من أجل هذا أيضا كان الجميع له سامعا ومطيعا ..
ومن هنا أتت هذه القيادة النموذجية منه لجماعة الإخوان المسلمين . ذات مرة قال لي : يا أخ شحاتة أريدك في تمام الساعة 5 ، 5 و دقيقة لا ، وخمسة إلا دقيقة لا ، وعند التأخير عن الموعد لا أعذار مقبولة . وهذا الأمر علمني الانضباط التام في حياتي العملية ، فكنت موضع ثقة كل من حولي .”
إضافة إلى ما تعلمه الأستاذ هدهد من الإمام البنا من إخلاص للدعوة و الجماعة ، ومن انضباط في أموره الدينية و الدنيوية ، تعلم أيضا معنى الأخوة الصادقة و التعاون على البر و التقوى يقول أ. شحاتة :
” في عام 1946 كنت أجلس مع الإمام البنا في جلسات خاصة بعد انتهاء محاضرته، و ذات مرة و كان البيت الذي فيه المركز العام معروضًا للبيع، قال لنا الإمام البنا: “إذا كنا إخوان مسلمين بحق فلنجمع ثمن هذا البيت في أسبوع ..”، وشاء الله أن نجمع ثمن البيت في أيام معدودات قبل نهاية الأسبوع .”
مع المستشار حسن الهضيبي ” قول قليل و عمل عظيم”
يقول الأستاذ شحاتة :
” كنت من عامة الإخوان فلم أكن أعرفه ، كان معروفا لكبار الإخوان و خواصهم ، ولكن شاء الله أن نجتمع سويا في رحلة لمدة أسبوع في المنتزه بالإسكندرية مع الأستاذ محمد مهدي عاكف ، وبعدها أصبح معلوما جدا لدي ، وقد كان يتصف بقلة الكلام ولكن له من الأفعال و المواقف العظيمة الشيء الكثير ، فأنا أذكر جيدا كيف كان رحمه الله سببا في ثبات الكثير جدا من الإخوة أثناء محنة التأييد ، فقد طلب منه بعض الإخوة التأييد ليخرج كما كانوا يقولون لنا وتستمر الدعوة ، فقال لهم بكل ثبات :”أنا لو أيدت .. يبقى راحت الدعوة ” ، وتناقل الإخوان في جميع السجون كلمة المرشد هذه .. فكان ذلك سببا في تثبيت الإخوة كما قلت “
فتعلم الأستاذ شحاته من هذه الشخصية الفاضلة أن الأخ يعمل أكثر مما يتكلم فلهذا تأثير قوي جدا على بناء الإخوان، و هدم الخصوم .
مع الأستاذ عمر التلمساني و” أدب السلوك “
يصفه الأستاذ شحاتة فيقول :
” كان عالي الأدب و السلوك، كان هادئا جدا وحديثه مريح للنفس جدا ، وكان وفيا جدا .” كل هذه أمور أثرت جدا في شخصية الأستاذ هدهد .
وعن أدب السلوك يروي لنا هذه القصة الأستاذ هدهد فيقول :
” حكى لي الأخ الصحفي بدر محمد هذه القصة شخصيا فقال لي :” طلب مني الأستاذ عمر التلمساني كتابة مقال ، فكتبته ثم عرضته عليه ، فلما فرغ من قراءته قال لي بكل لطف و هدوء: ” يا بدر غير الكلمة ده .. وده .. وكمان ده .. و أحسن تغير ده كمان … وكمان ده .. وده … وهكذا ” ووعدته بفعل ما قاله لي ، ثم لما أخذت المقال لأغير ما أرادني أن أغيره فوجئت أن المقال كله مطلوب مني أغيره .. لكنه لم يرد إحراجي أو التقليل من شأني وقدري ” .
وقد رأى الأستاذ شحاتة من المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني صدق الوفاء ليس فقط لدعوته بل و لزوجته أيضا .
يخبرنا الأستاذ شحاتة بهذا الموقف فيقول :
- ” كنت قريب السكن من الأستاذ عمر ، لذلك كنت أزوره كثيرا وخاصة في مرضه الأخير ، فأتفقد حاله و ألبي له طلباته ، وفي ذات يوم كنت معه نتناول سويا الطعام ، فإذ به يمسك ببيضة مسلوقة ويقول لي : إيه رأيك مش لو أنا أو إنت سلقناها هيبقى طعمها هو هو بيضة مسلوقة ؟! فأجبته بنعم ، فقال بتأثر : لما كانت زوجتي تسلقها كان يبقى لها طعم خاص عندي .”
وتتواصل جندية الدعوة ووفاء الأخوة
” في حالة وفاتي أملي أن يكون دفني في مقابر الإخوان المسلمين الذين عشت حياتي معهم “
هذه هي وصية الأستاذ شحاته هدهد لقد عاش الرجل وحب الإخوان هواء يتنفسه ودما يجري في عروقه ، ودائما يدعو للإخوان ليلا و نهارا ويرجو من الله القبول كما يقول ذلك بنفسه .
وبادله الإخوان حبا بحب ،ووفاء بوفاء و أهدوه ثلاث عمرات إلى بيت الله الحرام ، آخرها كانت من المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف حفظه الله .
فالحب في الله حب لا ينال بحيلة ولا يشترى بمال ، ولكنه حب يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده .