شبح تركيا وجمبري مصر!..بقلم/ شرين عرفة

 

اهتمت الصحف العالمية والمجلات العسكرية بخبر انفراد تركيا بتصنيع سلاح هو الأول من نوعه، في مجال الصناعات العسكرية البحرية، ويزيد من أهميته، كونه إنتاج محلي تركي مئة بالمئة، إنه “الشبح”، نوع من الغواصات المسيّرة المسلّحة، بدون قائد (شبيهة بالطائرات بدون طيار)، يتم التحكم فيها عن بعد، وهو المجال الذي تفوقت فيها تركيا مؤخرا، وسبق أن صنعت منها نوعين من الغواصات إحداهما كانت قادرة على قطع مسافة 200-300 متر، والأخرى كيلو متر واحد، بعيدأ عن نقطة التحكم. لكن تلك المرة، فالغواصة هي طفرة بكل المقاييس، فهي على شكل سمكة “شيطان البحر” أو الشبح، وفي حجمها أيضا، مع قدرة على تفجير غواصات وسفن الأعداء، وحاملات الطائرات كذلك.

وللتعريف بهذا السلاح المذهل، قال عدنان ألبيرقلار رئيس مجلس إدارة شركة “ألبيرقلار” الدفاعية القابضة، الذي تتولى تصنيعه، بإشراف علمي من جامعة “قرة دنيز” التقنية ،أن السلاح الجديد هو عبارة عن غواصة من طراز “سيدا” (SİDA)، بدأوا في تصنيعها منذ عامين، وهي تعد الأولى والوحيدة من نوعها في العالم، والتحكم بها تحت البحر، سيكون عبر موجات صوتية شبيهة بأصوات أسماك الحوت والدلفين، وعبر نظام التموضع العالمي (GPS).

وأشار إلى أن الغواصات المذكورة صممت لتكون سفنا استطلاعية بسرعة تصل إلى 10 كيلومترات في الساعة، كما أنها ستكون صالحة للاستخدام لأغراض عسكرية. وشدد على استحالة الكشف عن “سيدا”، خلال تحرّكها أو تواجدها تحت البحر، من قبل أجهزة الرادار، بفضل قشورها الداخلية المغطاة بطلاء ممتص للموجات.

 

كما أن عينا “سيدا” ستكونان مزودتان بكاميرات تحت الماء، وستعمل بنظام 3 محركات متكاملة وستكون قادرة على التحرك دون توقف في البحر على مدى 12 ساعة، وعلى الوقوف بوضعية الاستعداد في قاع البحر لمدة 240 ساعة متواصلة. وعن قوتها العسكرية قال: إن الغواصة، تشبه نظام قنبلة متحركة، وقادرة، عبر مغناطيس كهربائي، على الالتصاق بأسفل حاملات الطائرات وتفجيرها. ولم تنس الشركة تأمين الغواصة «سيدا» في قاع البحر، وهي على شكل وحجم سمكة، حيث تشكل درعا كهرومغناطيسيا وفوق صوتي في محيطها لحماية نفسها من الحيوانات البحرية.

(2)
في فبراير من هذا العام، كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده تمضي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي فيما يتعلّق بإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية، وقال أردوغان، إن تركيا اليوم تمكّنت من تصنيع طائرات بدون طيار مسلّحة وغير مسلّحة، كما صنعت دباباتها الخاصة، وسفنها الحربية وطائراتها المروحية الهجومية، وأقمار الاتصالات وبندقية المشاة الخاصة بها، وقاذفات الصواريخ والكثير من المعدات الدفاعية الأخرى”. وأضاف: “لقد أصبحنا نصنع جميع ذخائرنا. لم يعد بإمكان أي دولة أو مؤسّسة الوقوف أمام قوة تركيا وحزمها”. وأكد أن “تركيا لن تستورد بعد الآن أي منتجات دفاعية يمكن تصميمها وإنتاجها داخلياً”.

(3)
يعرف أردوغان المدني، الذي لم يعمل بالجيش يوما ولم يكن من جنرالاته، أهمية تصنيع السلاح في عالم لا يحترم سوى القوة العسكرية، وعلى يديه باتت تركيا رقما صعبا في معادلات القوة بالعالم، بينما في المجال الاقتصادي، حققت تركيا نموا بنسبة 7.4 في المئة في 2017، لتحتل بذلك المرتبة الأولى من حيث النمو بين دول مجموعة العشرين التي تمثل 85 في المئة من الاقتصاد العالمي. كما حقق الاقتصاد التركي نموا بلغ ثلاثة أضعاف متوسط نمو الاتحاد الأوروبي، كما تخطى أكثر الاقتصادات سرعة في النمو كالصين والهند.

(4)
بينما على بقعة أخرى من كوكبنا، وتحديدا مع نهاية عام 2017 المنصرم، نقلت التليفزيونات المصرية جميعها، رسمية كانت أو خاصة، ذلك الحدث الجليل ،حيث يقف من يصفونه بالرئيس، الجنرال العسكري ابن القوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، أمام بركة ماء صناعية في محافظة كفر الشيخ، بداخلها عدد من الصيادين، ومع أهازيج وأغانٍ شعبية، يلقون بشباكهم البدائية، ويتوسلون إلى الحضور: “من يحب النبي يصلي عليه”. وعلى بعد خطوات، يأتي أحد العساكر بصندوق بلاستيكي، يجمع فيه بعضا من الأسماك الموجودة بالشبكة، ويلقي بها تحت أقدام الرئيس، تقترب الكاميرة من وجه الأخير، ليظهر مشدوها متعجبا، يقلب بيديه واحدة من تلك الأسماك، وعلى وجهة ضحكة خرقاء، وعلامات الرضا والارتياح لهذا الإنجاز غير المسبوق.

(5)
يتساءل المصريون في حيرة، ما الإنجاز في زراعة الجيش أسماكا، بركة ماء، نلقي فيها بـ بيوض السمك فتفقس سمك، ثم نستخرجه بشباك مصنوعة من خيوط، تم رصدها كأداة للصيد منذ العصر الحجري القديم، ووجدت مرسومة على حوائط الفراعنة منذ 4000 عام قبل الميلاد، أين هو الإنجاز؟! هل يكمن الإنجاز مثلا في أن دولة تعد من أكبر 50 دولة بالعالم امتلاكا للسواحل البحرية، تلجأ للاستزراع بتلك الطرق البدائية، وتستورد ذريعة أسماك وأعلاف، وتصنع لهم برك مياه، وهي لديها 11 بحيرة طبيعية، بخلاف 2500 كيلو مترا من السواحل على بحرين هما الأحمر والمتوسط، وأكثر من 1500 كيلو مترا من مياه النيل؟!

يظل الإنجاز الوحيد للرئيس العسكري هو تحقيقه أرقاماً قياسية، ستكتب لا محالة في سجلات التاريخ، حيث تمكن وحده من مضاعفة ما استدانت به مصر منذ بداية الحكم العسكري غيتي إيميجز
 

 

فتأتيهم الإجابة سريعة ومفحمة ولم يشهد لها العالم من قبل مثيل ،حين وقف أحدهم بلباسه العسكري، ليقدم نفسه كـ رائد مقاتل خط الجمبري، ويلحق به زميله رائد مقاتل قائد خط السمك البلطي، وآخر مقدم مقاتل في مصنع الثلوج، وبكلمات جادة ووجوه واجمة وقفوا يشرحون لرئيسهم أعمالهم الحيوية وتخصصاتهم الدقيقة في الجمبري منزوع الرأس، وتعبئة السمك الفيليه، في عبوات الكيلو والنصف كيلو، وبينما استلقى المشاهد العربي على ظهره من كوميديا الموقف، امتزجت ضحكات المصريين بالألم من عبثية المشهد ومأساويته.

(6)
يقتحم الجيش المصري كافة الأنشطة الاقتصادية ويسيطر تماما على أنفاس المصريين، ولديه عدد من المصانع والعديد من المنتجات، فبجانب مصانع المكرونة والسمن والصلصة وأواني الطبخ ،لديه محطات للوقود وشركات بناء ومقاولات ومخابز للكحك والبسكويت، كما يتولى بنفسه استيراد الأدوية والمعدات الطبية وحتى لبن الأطفال، بل وتجد الجيش المصري ينشئ قاعات للأفراح وصالات احتفال و”كوافيرات” يشرف فيها على نمص الحواحب وتصفيف شعر النساء، لكن ليست في أجندته خطة لصناعة الأسلحة المتطورة أو نظم الدفاع، وتحت شعار : نعمل كل شيء باستثناء وظيفتنا الأساسية، يسير الجيش المصري.

ويظل الإنجاز الوحيد للرئيس العسكري هو تحقيقه أرقاماً قياسية، ستكتب لا محالة في سجلات التاريخ، حيث تمكن وحده من مضاعفة ما استدانت به مصر منذ بداية الحكم العسكري عام 1954 وعلى مدار 60 عام، ففي الوقت الذي سجل فيه الدين الخارجي عام 2010 بنهاية عهد مبارك (34.7 مليار دولار)، بلغ في عام 2017 على يد السيسي 71.8 مليار دولار (أي أكثر من الضعف)، بل ورفع حجم الدين الخارجي 40 في المئة في عام واحد هو (2016-2017)

وفي منتصف عام 2018، ستصل ديون مصر الخارجية إلى حدود الثمانين مليار دولار، بفضل صفقات سلاح بأسعار خيالية عقدها السيسي ونظامه، بينما تعاني البلاد من نقص وتدهور حاد في كافة قطاعاتها الأساسية، حيث تخطت كلفة صفقات السلاح التي عقدها السيسي في عامين فقط حاجز العشرين مليار دولار، وأنفقت مصر على صفقات سلاح من روسيا وحدها بلغت نحو 10 مليارات دولار، ويؤكد خبراء عسكريون، أن أغلب الصفقات العسكرية التي عقدها السيسي ونظامه مع روسيا وفرنسا هي لأسلحة من أجيال قديمة، لا قيمة لها في ظل التفوق الاستراتيجي للعدو الصهيوني، والذي ينظر له نظام السيسي من الأساس على كونه صديق حميم تربطه به علاقات دافئة، لكن يبدو أن تضييع موارد البلاد ورهن مستقبلها وخنق إرادتها وإهدار سيادتها بديون تحتاج عشرات السنين لسدادها، هي المهمة الوحيدة التي يبرع فيها السيسي.