تعيش العديد من الدول في الشرق الأوسط مخاوف من تبعات توسع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وانعكاس ذلك عليها اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً.
ولا شك أنّ الكثير من دول المنطقة ذات العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا ستكون مترددةً في الانحياز إلى أحد جانبي الصراع، الذي تصاعد في أعقاب الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا، يوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022.
لكن هذا الهجوم سيؤثر على المنطقة على عدة مستوياتٍ بارزة، قبل أن تقرر تلك الدول هوية الجانب الذي ستنحاز إليه. وإليكم كيف سيؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا على دول الشرق الأوسط، من أسعار الطاقة إلى العقوبات، ومن واردات النفط إلى السياحة.
1- قطاع الطاقة
شهدت السعودية (أكبر الدول المصدرة للنفط الخام في العالم) وقطر (أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال) ارتفاعاً في الطلب على إمداداتهما من الطاقة، بالتزامن مع تصاعد التوترات في أوروبا الشرقية. وقد جاء الهجوم الروسي ليزيد ارتفاع الطلب أكثر.
وكان مسؤولو الولايات المتحدة وأوروبا يأملون أن تتمكن قطر من إعادة توجيه بعض صادراتها من الغاز إلى أوروبا لتخفيف قيود الطاقة، في حين طالب آخرون السعودية بضخم النفط الخام أسرع وزيادة قدرة الإنتاج.
لكن وزير الطاقة القطري حذّر من أنه لا يمكن لأي بلدٍ أن تُعوّض إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي كانت تصل من روسيا إلى أوروبا. في حين لم تُظهِر السعودية، عضوة تحالف أوبك+ للدول المنتجة للنفط، أي اهتمامٍ بضخ كمياتٍ أكبر من الخام.
بينما قالت كارن يونغ من مؤسسة Middle East Institute البحثية لوكالة أنباء AFP الفرنسية، إن الوضع الحالي يمثل فرصةً للبلدين -وغيرهما من الدول المنتجة للنفط- حتى تسلطا الضوء على مدى أهميتهما بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة.
2- العقوبات على روسيا
ستضطر الشركات الشرق أوسطية العاملة في أسواق الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوروبا، للالتزام بـ العقوبات التي فرضت على روسيا حتى الآن، والعقوبات الأشد المنتظرة في الطريق، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كما سيكون التأثير هائلاً عند استهداف المصارف الحكومية الروسية، إذ أنشأ مصرف Sberbank الروسي، الذي يمتلك نصف الروس حساباتٍ فيه، مقراً في أبوظبي مؤخراً. كما وقّع المصرف كذلك في عام 2020 على شراكةٍ مع شركة “مبادلة للاستثمار”، الذراع الاستثمارية لحكومة أبوظبي.
في حين قال رئيس فرع بنك Sberbank في الشرق الأوسط لصحيفة The National الإماراتية وقتها، إنّ العديد من الشركات التابعة للمصرف بدأت الاستثمار في المنطقة بالفعل.
وفي الوقت ذاته أعرب مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من أنّ العقوبات الأمريكية التي تستهدف روسيا قد تضر بمصالح إسرائيل الأمنية في سوريا، حيث يُنسّق الإسرائيليون عملياتهم مع موسكو هناك. ولم تقف روسيا في طريقهم حتى الآن، لكن الأوضاع قد تتغير بعد أن انحازت إسرائيل إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة في إدانة الهجوم الروسي.
3- أزمة القمح
تأتي غالبية إمدادات القمح العالمية من روسيا وأوكرانيا، ولهذا فمن المرجح أن يضرب ارتفاع الأسعار مختلف دول الشرق الأوسط في حال تعطيل الإمدادات، كما يقول تقرير لمجلة foreign policy الأمريكية.
ومن المرجح أن تتأثر مصر بشدةٍ أكثر من غيرها باعتبارها أكبر مستوردٍ للقمح في العالم. إذ استوردت أكثر الدول العربية سكاناً -نحو 120 مليون نسمة- حوالي 12.5 مليون طن من القمح في السنة المالية 2020-2021، وقد حصلت على 85% من هذه الواردات من روسيا وأوكرانيا.
حيث قال هشام أبو الدهب، عضو غرفة صناعة الحبوب بالغرفة التجارية المصرية، لموقع Middle East Eye البريطاني: “ستتأثر مصر بشدة في حال اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ يأتي غالبية القمح الذي نستورده من هذين البلدين تحديداً”.
كما تُعتبر الجزائر، وتونس، وليبيا من أكبر مستوردي القمح في العالم أيضاً، وبالتالي فمن المتوقع أن تتأثر تلك الدول كذلك.
4- البحر الأسود والمضائق
ستكون للحرب تداعياتها على البحر الأسود أيضاً، لأنها قد تؤثر بشكلٍ فوري على السفن التي سيُسمح لها بالتنقل بين البحرين الأسود والمتوسط.
وتتمتع تركيا بسيطرةٍ كاملة على مضيقي البوسفور والدردنيل بموجب اتفاقية 1936، حيث يتعيّن على السفن المرور بهما من أجل التنقل بين البحرين. كما تمنح الاتفاقية لتركيا سلطة إغلاق المضيقين في وجه كافة السفن الحربية الأجنبية في زمن الحرب.
وقد طلبت كييف من تركيا إغلاق المضايق في وجه السفن الروسية بعد ساعاتٍ من إعلان روسيا هجومها على أوكرانيا يوم الخميس. بينما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا ستفعل كل ما هو مطلوب منها باعتبارها عضواً في الناتو إذا بدأت روسيا الهجوم، لكنه لم يوضح ما إذا كان ذلك يشمل إغلاق المضايق في وجه السفن الحربية.
5- قطاع السياحة
من المحتمل أن يُؤدي تصاعد الحرب لخفض عائدات السياحة، وإلغاء الرحلات الجوية إلى بعض الوجهات السياحية المفضلة للسائحين الروس في الشرق الأوسط.
إذ كانت المنتجعات الشاطئية التركية والمصرية وغيرها قد بدأت للتو في استقبال المصيفين الروس. حيث وصلت 44 طائرة محملة بالسائحين الروس إلى مدينة أنطاليا الساحلية في يونيو/حزيران الماضي، بعد أيامٍ من رفع موسكو لقيود السفر المرتبطة بكوفيد-19.
كما بدأت منتجعات البحر الأحمر المصرية كذلك في استقبال السائحين مرةً أخرى العام الماضي، بعد استئناف الرحلات إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة. ويُذكر أن روسيا كانت ترسل في الماضي سياحاً إلى مصر أكثر من أي بلدٍ آخر. حيث زار مصر أكثر من ثلاثة ملايين سائح في عام 2014، محققين عائدات تقدر بـ2.5 مليار دولار لمصر، أي أكثر من ثلث عائدات السياحة السنوية للبلاد.
وتكسب دبي هي الأخرى أموالاً طائلةً من السياح الروس، حيث زارها نحو 374 ألف سائح على الأقل من روسيا في عام 2021.
ومن المتوقع أن يُدِرّ السياح الروس على الخليج دخلاً يُقدّر بنحو 1.2 مليار دولار بحلول عام 2023، وفقاً للبيانات المنشورة قبيل ملتقى سوق السفر العربي عام 2020.
6- أزمة الطلاب العرب في أوكرانيا
تستضيف أوكرانيا آلاف الطلاب من مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان العديد منهم ينتظر إجلاءه حين بدأ الهجوم الروسي يوم الخميس.
ويمتلك المغرب ثاني أكبر جالية طلابٍ أجانب في أوكرانيا، حيث تقدر بثمانية آلاف طالب وفقاً لوزارة التعليم الأوكرانية.
في حين تمتلك مصر 3500 طالب هناك، إلى جانب أعدادٍ كبيرة من الطلاب اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات الأوكرانية.
وقد نظّمت عائلات الطلاب العالقين في أوكرانيا احتجاجاتٍ بمصر والمغرب ولبنان قبيل تصعيد النزاع، حيث طالبوا حكوماتهم بإعادة أقاربهم إلى أرض الوطن.
7- المزيد من الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط
النتيجة المريرة لحرب أوسع في أوكرانيا هي أن روسيا والولايات المتحدة ستواجهان بعضهما البعض الآن كأعداء في أوروبا، ومع ذلك سيكونون أعداء لا يستطيعون تحمل الأعمال العدائية عند عتبة معينة، كما تصف ذلك مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
لذلك، يمكن أن تمتد المواجهة الأمريكية الروسية في أسوأ الأحوال لتشمل الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط أو إفريقيا، إذا قررت الولايات المتحدة إعادة تأسيس وجودها بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان.
وتُعَدُّ ليبيا دولةً أخرى من الدول التي ستشعر على الأرجح بتداعيات الحرب المندلعة في بين روسيا وأوكرانيا. إذ تدعم غالبية دول الغرب حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، في حين تدعم روسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر في شرق البلاد.
وقد أُلغِيَت الانتخابات التي كان من المقرر انعقادها في ليبيا، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، على خلفية عدة نزاعات، ما ترك عملية صنع السلام الدولية في حالةٍ من الفوضى، وألقى بظلال الشك على مصير الحكومة المؤقتة في البلاد. وبالتالي لن يكون التعاون من أجل فرض الاستقرار داخل ليبيا أولوية بالقدر نفسه، في ظل خلاف روسيا مع الغرب حول أوكرانيا حالياً.