رفع تذكرة المترو في مصر .. انعكاسات تقود نحو الثورة الشعبية

خرجت صحف الجمعة 11 مايو 2018م، لتبرز توجيهات الجنرال عبدالفتاح السيسي، خلال اجتماعه صباح الخميس مع رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، بضرورة بذل أقصى الجهود لمراعاة الفئات الأكثر احتياجاً والتخفيف من أعبائهم؛ لكن الجنرال وفي مساء ذات اليوم خرج بقرار مفاجئ برفع سعر تذكرة المترو من جنيهين اثنين إلى 7 جنيهات مرة واحدة!
الزيادة الجديدة بلغت 350%، وهي الثانية بعد الزيادة التي تقررت في مارس 20177 برفع سعر التذكرة من جنيه واحد إلى جنيهين اثنين. وأشار بيان للوزارة إلى أن سعر التذكرة الواحدة لمسافة تسع محطات سيبلغ 3 جنيهات و5 جنيهات لمسافة 16 محطة، و7 جنيهات لأكثر من 16 محطة.
ومرت تذكرة المترو بمراحل عديدة منذ بداية تشغيل المرفق بالقاهرة الكبرى عام 19877، وبدأ سعرها بـ 10 قروش مع افتتاح أول مرحلة بالخط الأول للمترو من حلوان حتى رمسيس. ومع افتتاح المرحلة الثانية عام 1989 تم تقسيمه إلى ثلاث مراحل، على أن تكون كل مرحلة بسعر مختلف للتذكرة، وتم تحديد سعر المرحلة الأولى من محطة إلى 9 محطات بـ10 قروش للتذكرة، وسعر المرحلة الثانية من 9 محطات إلى 18 محطة بسعر 15 قرش للتذكرة، والمرحلة الثالثة من 18 محطة فأكثر بسعر 25 قرش للتذكرة. ومع اكتمال الخط الثانى للمترو (شبرا -الجيزة) عام 2002 تم رفع قيمة التذكرة، وأصبحت المرحلة الأولى بـ 25 قرش والثانية بـ 50 قرش والثالثة بـ 75 قرش. وفى عام 2006 تم إلغاء نظام المراحل فى سعر التذكرة، وتم تحديد سعر موحد للتذكرة قيمته جنيه واحد.
واستقبل الشعب هذه الزيادات الأخيرة مساء الخميس الماضي، بحالة من الغليان والغضب الذي ترجمه الآلاف إلى مظاهرات واحتجاجات وهتافات صارخة طالت بالسباب زعيم الانقلاب، في معظم إن لم يكن كل محطات المترو في خطوطه الثلاثة.
وشهدت محطات مترو الأنفاق يوم السبت اشتباكات بين المواطنين، وأفراد الشرطة الذين حاولوا تفريقهم، إذ تجمع المئات في محطة مترو حلوان، مرددين هتافات رافضة لزيادة سعر تذكرة المترو الجديدة، بينما تجاوز آخرون البوابات الإلكترونية دون تذاكر في صورة تعكس الرفض للقرار. هذه المشاهد تكررت في كثير من المحطات الأمر الذي أسفر عن اعتقال 21 مواطنا بتهمة التظاهر والاحتجاج على قرارات الحكومة.
والمتأمل لتوجهات الجنرال منذ أن سطا على الحكم بانقلابه الدموي، فإنه يصر على تفكيك المجتمع وتقسيمه سياسيا واقتصاديا وطبقيا (انتو شعب واحنا شعب)، وقد جيء به لحماية شبكة المصالح والمافيا التي تدير الدولة بالفعل منذ سنين طويلة بعد أن تهددت بفعل ثورة يناير والحكم الديمقراطي، لذلك يعمل الجنرال وأركان الحكم على تعزيز نفوذ هذه الطبقة الحاكمة من كبار الجنرالات في الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء والسلك الدبلوماسي ورجال الأعمال ومن ينضم لهذه الطبقة من الأعيان والساسة. هذه الطبقة تستحوذ على كل المزايا والعطايا؛ وهي فوق الدستور والقانون ولا تسئل عما تفعل، أما الطبقة الأخرى من الشعب فهم يسئولون بل يسحقون فمرتباهم تآكلت ومعيشتهم ضنك، والغلاء يحاصرهم ومعاشهم فتات، حتى لو صدر حكم قضائي بحقهم فالزيادة تكون للوزراء والجنرالات أما المواطنون وأصحاب المعاشات فالشعار المرفوع: (مش قادر أديك)!

(45%) زيادة مرتقبة في الوقود
وفي سياق موجات الغلاء المتتابعة، يتوقع محللون اقتصاديون وبنوك استثمار أن تتراوح نسبة الزيادة القادمة فى أسعار الوقود محليا بين 30 إلى 45% فى ظل الزيادات المستمرة فى أسعار النفط عالميا؛ الأمر الذي يتسق مع تصريحات سابقة لوزير المالية بحكومة الانقلاب عمرو الجارحي، الذي أكد أن الحكومة ماضية في خطة تحرير أسعار الوقود خلال العامين المقبلين تنتهي منتصف 2019م.
وحددت الحكومة سعر برميل البترول فى الموازنة الجديدة عند 677 دولارا للبرميل، بينما الأسعار تدور حاليا حول 76 دولارا للبرميل بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى تأثير سلبى على التضخم الشهرى فى يوليو وأغسطس تتراوح بين 2 إلى 3.5%، أما التضخم السنوى فسيتراوح بين 14 إلى 15% خلال نفس الشهرين.
وكانت حكومة الانقلاب قد رفعت أسعار الوقود خلال نهاية يونيو الماضى 20177، حيث وصل سعر لتر بنزين 92 إلى 5 جنيهات بدلًا من 3.50 جنيه، ولتر بنزين 80 إلى 3.65 جنيه بدلًا من 2.35 جنيه، ولتر السولار إلى 3.65 جنيه بدلًا من 2.35 جنيه، وارتفع سعر متر الغاز للسيارات من 160 قرشًا إلى 2 جنيه. كما ارتفع سعر بنزين 95 إلى 6.6 جنيه للتر بدلا من 6.25 جنيه، وارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز إلى 30 جنيهًا بدلا من 15 جنيها، وأسطوانة البوتاجاز للقطاع التجارى من 30 إلى 60 جنيها.
وخفضت الحكومة مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 26% فى موازنة العام المقبل إلى نحو 89 مليار جنيه، مقارنة بالمبلغ المتوقع للعام الحالى الذي يصل إلى 120 مليارا.

سحق الفقراء
ارتفاع الأسعار يمضي بصورة طبيعية في كل بلاد العالم، وتتوازي فيه زيادة الأسعار مع زيادة الأجور والمرتبات حتى لا يؤدي ذلك إلى موجات تضخم تثير التوتر والاهتزاز في الوضع الاقتصادي، يحدث ذلك مرارا وتكرارا في كل دور العالم، كما حدث في مصر سابقا، لكن الارتفاعات التى شهدتها السنوات القليلة الماضية منذ انقلاب 3 يوليو 2013م تمتاز بأمور ثلاثة:
أولا الإيقاع السريع والمتوالى. فما يكاد الناس يفيقون من «موجة غلاء» حتى تدهمهم موجة جديدة أشد وأعتى من سابقتها، تدفع الملايين نحو مزيد من الفقر والحرمان.
ثانيا: ارتفاع الأسعار يحدث فى ظل ثبات فى مرتبات ودخول النسبة الغالبة من أبناء الشعب، ليس ذلك وفقط، فهذا الدخل ثابت كرقم، لكنه متآكل ومتراجع ومنكمش على مستوى القيمة الشرائية، لأن قيمة الجنيه أصبحت لا شىء بعد تعويمه أمام الدولار، ورغم الوعود المتكررة من الحكومة بأن التعويم سيؤدى إلى خفض قيمة الدولار أمام الجنيه، فإن الذى حدث هو العكس، إذ ارتفع سعر الدولار داخل البنوك بصورة فاقت سعره داخل السوق السوداء، بمجرد اتخاذ قرار التعويم. ومع تآكل المرتبات لعموم الشعب، فإن الحكومة تقرر زيادة مرتبات الوزراء والمحافظين وكبار الجنرالات والسلك الدبلوماسي والقضاة دون باقي الشعب وفئاته المختلفة.
ثالثا: ضربات الغلاء، خلافاً لأزمان سابقة، أصبحت موجهة إلى منظومة الاحتياجات الأساسية للمواطن، حيث طال ارتفاع الأسعار السلع الغذائية الأساسية، وأسعار الأدوية، وأسعار المستلزمات الأساسية التى يحتاجها كل بيت، كما طالت الخدمات الأساسية أيضا كالمياه والكهرباء وخدمات الاتصالات والإنترنت وتعريفة الركوب وكل خدمات استخراج الوثائق والأوراق الرسمية من الجهات الحكومية.

نحو خصخصة المترو
وساقت الحكومة مبررات واهية لقرار زيادة أسعار تذكرة المترو؛ وهي هي نفس المبررات التي ساقتها عندما قررت رفع سعر التذكرة في المرة الأولى من جنيه واحد إلى جنيهين اثنين؛ فالذريعة هي الخسائر التي يتعرض لها مرفق المترو وأن الزيادة تصب في مصلحة المواطن وتحسين الخدمة وتطوير المرفق وافتتاح خطوط جديدة.
لكن تصريحات المسئولين الرسمية تكشف أن هذه الخسائر تختلف باختلاف الظرف والحالة؛ فقد بلغت خسائر مترو الانفاق إلى ما بين 20 و25 مليون جنيه في الشهر الواحد كما قال أحمد عبدالهادي، المتحدث باسم شركة مترو الأنفاق يوم 12 يناير 2017؛ وتم زيادة التذكرة إلى جنيهين بعد ذلك في مارس 2017م.
فإذا علمنا أن من يستقلون المترو يوميا ما بين 3 إلى 44 ملايين مواطن، فإن الزيادة التي تمت في مارس 2017 تعني زيادة إيرادات المرفق إلى “100” مليون جنيه شهريا ، و(1,2) مليار جنيه سنويا؛ الأمر الذي يعني أن الزيادة الأولى حققت أرباح للمترو تصل إلى مليار جنيه سنويا؛ فلماذا هذه الزيادة الجنونية والمبالغ فيه للغاية هذه المرة؟!
وزير النقل ادعى أن المرفق مدين ب6800 مليون جنيه، ما برر به القرار؛ ولو صح ذلك، لكان زيادة جنيه واحد فقط كفيلة بتوفير كل هذه الديون وزيادة؛ فلماذا إلى سبعة جنيهات للتذكرة؟!
الأمر مثير للريبة والشكوك، ويبدو أن الجنرال يمهد لخصخصة مرفق “المترو” لشركات أجنبية، حتى تقبل بعين راضية على شراء المرفق وهي واثقة من تحقيق مكاسب هائلة للغاية من جيوب المصريين، الذين باعهم الجنرال العسكري لأي مستثمر أجنبي استجلابا لشرعية مفقودة بعد أن تأسست شرعيته على انقلاب فاشي.
يؤكد هذه التوجهات مشروع قانون “المترو” المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 113 لسنة 1983 بإنشاء الهيئة القومية للأنفاق، فلسفة مشروع القانون فى أربع نقاط، أهمها السماح للهيئة بإنشاء مشروعات خطوط مترو الأنفاق ووسائط النقل السككى بالجر الكهربائى وتملك أصول تلك الخطوط والوسائط، والسماح للهيئة بتأسيس شركات مساهمة بمفردها أو بالاشتراك مع شركاء آخرين لإدارة وتشغيل وصيانة مشروعات خطوط مترو الأنفاق ووسائط النقل السككى بالبحر الكهربائى. ما يتيح خصخصة المترو ودخول شركاء أجانب في إدارة المرفق.

الطريق إلى التحرير
الغليان والغضب الذي بدا على المواطنين في محطات المترو بعد رفع أسعار التذاكر، يؤكد أن نار الثورة تحت الرماد، وأن تباهي الجنرال بصبر الشعب وتحمله فاتورة القرارات الاقتصادية المؤلمة، مجرد مزاعم وأوهام، فلا الشعب صابر ولا يضحي؛ إنما هو القهر والإكراه يفرض على الناس الصمت بأدوات التخويف والترهيب والقوة الغاشمة إذا لزم الأمر. ولعل ذلك يفسر الانتشار المكثف لعناصر الشرطة العسكرية والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية في جميع محطات المترو بدءا من يوم السبت؛ خوفا من اندلاع احتجاجات عارمة لا يمكن السيطرة عليها.
وأمام حالة الخوف الدائم لدى الجنرال من ثورة شعبية عارمة تطيح به وبنظامه الدموي إلى مزابل التاريخ، يتعجل أركان النظام الانتقال إلى العاصمة الإدارية؛ فرارا من هذا المصير المرتقب وأملا في حماية رأس النظام من السيناريو المرتقب حال انفجار ثورة شعبية بشكل مفاجئ.
فقد «أثبتت حركة الاحتجاج العفوي أن تأثير الجوع والمعاناة يقترب من تأثير التخويف، وكلما ضاقت الفجوة بين التأثيرين والوصول إلى درجة التعادل كلما اقترب المصريون من لحظة الانفجار الكبير وتصفية الحساب مع مجمل السياسات التي أوصلت مصر إلى حالة الانهيار التي يعيشها المجتمع المصري ويلمسها كل مواطن بنفسه».
وفي سياق التحليل السياسي لموجة الغضب التي اشتعلت فجأة بعد قرار زيادة أسعار تذكرة المترو ، يحذر بعض الموالين للنظام السلطوي من التمادي افي الضغط على الشعب، واللعب على صبر الناس كثيرا؛ معبرين عن خوفهم من «لحظة يصبح فيها العشم فى صبر الناس وتحملهم مجرد وهم». فالناس لا تصبر إلى ما لا نهاية، ولا تتحمل ما لا طاقة لها به. ويمكن أن يصل الناس إلى لحظة يأس ساحقة، تستوى فيها الأشياء فى أعينهم، ويرون فيها أن طولها زى عرضها.
يؤكد هؤلاء أن هذا الشعب تحمل ما لا يحتمله شعب، بلغ به الإرهاق مبلغه جراء الضغوط المعيشية التى أمسكت بخناقه بسبب ارتفاع الأسعار طيلة السنوات الماضية. وليس من الحكمة فى شىء أن ترهق حصاناً مرهقاً. تخطئ السلطة الحاكمة إذا ظنت أن من يدعونها إلى المزيد من الضغط على هذا الشعب هم الأنصح لها، تخطئ إذا تصورت أن الوزراء ومرتزقة الإعلام الذين يجلدون الشعب بألسنة حداد مسمومة يفيدونها فى شىء.. فالبلد كلها في ظرف صعب!.».
بحسب هؤلاء، فإن ما جرى من بوادر غضب على رفع التذاكر بصورة مبالغ فيها للغاية، وما ترتب على ذلك من انتشار مكثف لأجهزة الأمن يكشف عن أزمة حقيقية في طريقة إدارة شئون البلاد، خاصة أنه لا يبدو هناك رؤية متكاملة لاتخاذ القرار ، أضف إلى ذلك معضلة الانقسام الوطني المتنامية منذ 30 يونيو 2013 ، والتي تجعل أي مراقب للبلد يراها بلدين بالفعل ، وشعبين ، وهذا مدمر لأي قدرة على النهوض أو التنمية أو حتى تطبيع الأمن والاستقرار في البلاد .
«السيسي أمامه سنوات صعبة للغاية ، وشديدة الخطورة ، خاصة في ظل الضغط الاقتصادي وجمود مسارات التنمية أو ضعفها ، وهو ما يدفعه باستمرار واستعجال إلى الحل السهل وهو رفع الأسعار ، غير أن رفعها له انعكاسات خطيرة سياسية وشعبية وأمنية ، وتوالي الضغوط يقرب المجتمع من الانفجار، وليس من الحكمة أن تعمل السلطة ، أي سلطة ، بأسلوب اختبار مدى صبر الناس ، لأنها مغامرة ليست دائما مأمونة العواقب».

الخلاصة
الزيادة التي طالت تذكرة المترو من جنيهين إلى 7 جنيهات مرة واحدة، مبالغ فيها للغاية؛ يستهدف بها الجنرال تمهيد الأجواء لخصخصة المرفق لصالح شركات أجنبية عابرة للقارات وربما تكون طريقا لتعزيز بزنس المؤسسة العسكرية عبر شركاء أجانب.
الاحتجاجات التي اشتعلت بعد قرار الزيادة كشفت عن نار الثورة تحت رماد القمع والترهيب بكل أدوات التخويف والبطش، وتباهي النظام بصبر الشعب على القرارات الاقتصادية وهم كبير؛ فالناس تصمت خوفا وقهرا لا صبرا وتحملا.
عندما يتساوي تأثير الجوع والفقر مع تأثير التخويف والترهيب فإن المعادلة تميل نحو اندلاع ثورة شعبية يخشاها النظام ويحذر منها موالون للعسكر؛ فالرهان على قدرة الشعب على التحمل غير مأمون العواقب؛ وربما يفضي إلى الانفجار الكبير. لكنه انفجار أعتى من يناير 2011، فحجم البطش والقمع يفضيان إلى انتقام مماثل؛ فلكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.