رسالة فضيلة نائب المرشد العام الاستاذ ابراهيم منير
إلى المرشح الرئاسي الأسبق الدكتور ايمن نور
العزيز الفاضل الدكتور أيمن نور
رسالة حب وتقدير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت رسالتكم التي وجهتموها إلى جماعة الإخوان المسلمين على صفحات (عربي 21) بتاريخ 31 يناير 2019م تطالبون فيها بإعادة النظر في مبادرة (رفقاء الثورة) والتي تم إعلانها يوم الأحد 27 يناير 2019م لإقامة هيئة تتشارك فيها كل القوى السياسية المعارضة للانقلاب دون استثناء أحد وبتمثيل متساوٍ مهمتها (الحوار والتحضير لإيجاد مشروع يلتف حوله الجميع وتوحيد نداءات المعارضة ومن يمثلها لتتكلم بصوت واحد مع كل القوى والهيئات في الخارج).
وقبل الدخول في الموضوع أذكركم بالأمور التالية:
1- ما حدث في لقاء سابق مرّ من أكثر من عامين طرحت فيه الجماعة إيجاد تجمع واحد يمثل المصريين في الخارج للعمل على إيجاد صف واحد يبدأ بجلسة يرأسها أكبر الأعضاء سنا، وقلت فيها جادا خوفا من أن لا يكون هناك من هو أكبر مني سنا أنني استثني نفسي من هذا الشرط.
2- في أكثر من لقاء بعدها كنا نطرح ضرورة إيجاد صف واحد للمعارضة يلتقي على أهداف ثورة 25 يناير 2011م.
3- شهدت مؤخرا جزءا من لقاء معكم والأخ الفاضل الدكتور طارق الزمر ذكر فيه (إن لم تخني الذاكرة) قوله أن جماعة الإخوان المسلمين تتقدم ثلاث خطوات ثم تعود لتتراجع خطوة أخرى، مع التذكير بأن الجماعة كانت تؤكد دوما أنها مع كل دعوة لتوحيد الصفوف.
وكنت قد انتويت أن أوجه رسالتي هذه إليك مباشرة لتوضيح السبب المباشر لإعلاننا والذي لا يتجاوز الثلاث نقاط الأولى في هذه الرسالة ولكني وجدت أن من المفيد أن تكون على نفس صفحات (عربي 21) لإعادة شرح وتبيان موقف الجماعة من العمل الخارجي المشترك في ذكرى ثورة 25 يناير 2011م، والتي اعتبرها شخصيا هي الثورة الشعبية الثانية بعد ثورة سنة 1919م صاحبة دستور عام 1923م، الذي ركز على حريات الفرد وكرامته، وغابت هي عن ذاكرة الجميع داخل مصر وخارجها، ولن أطيل وأرجو أن يتسع صدركم (وهو ما أعلمه عنكم) لسماع الأمور التالية التي أسوقها وباختصار شديد قدر استطاعتي:
1- ليس مقبولا أن تمر ذكرى 25 يناير بعد ثمان سنوات والمعارضون للانقلاب العسكري في الخارج لم يقوموا بتوحيد صفوفهم على مسيرة ومبادئ واضحة أبرزها وللتذكرة ما قاله السيناتور الأمريكي الراحل جون ماكين في حديثه عن الانقلاب العسكري والتسميات الزائفة له (إذا كانت تصيح كالبطة وتمشي كالبطة فهي بطة) وهو للأسف الشديد ما زال نقطة خلاف لم يعلن بعض من نرجو منه الخير موقفه من صيحات البطة.
2- ما وصلني يوم 25 يناير من نداء باسمكم الكريم بعنوان (رسالة إلى الشرفاء .. أنقذوا مصر من الضياع)، تناول ثورة 25 يناير بالتقدير والاحترام وفي محاولة لإيقاد حماس الناس لاستكمالها، ثم جاء ذكر الجيش فيها بعبارة ملتبسة هي (نحن في حاجة إلى جيش وقيادة يقومان بمهامها الكبرى في حماية الدستور والحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية كرامة المواطنين وحماية الحدود والتوقف عن التدخل في شؤون الحياة المدنية والاقتصادية …) مع الطلب من كافة الزملاء التوقيع على البيان وإظهار الاسم والصفة، ثم تأتي المفاجأة كما علمت بإعلان بعض الأسماء الموقعة على البيان أثناء الاحتفالية التي قامت في مدينة اسطنبول بمناسبة الذكرى.
واسمح لي أن أقول أنني ظننت أن في الأمر خطأ حتى تأكدت من بعض الإخوة أنهم قد وصلتهم نفس الرسالة بنفس التعبير، وأنه لم يحدث أي إبداء لرأي مخالف ممن وصلتهم هذه الرسالة ليزيح الالتباس ويوضح الحقيقة التي تقول أنه لا يوجد في الدساتير الحديثة التي نعرفها مثل هذا النص الذي لو صدر على وثيقة تمثل معارضة الانقلاب العسكري لأصبحت وثيقة تاريخية لا يتحملها هذا الجيل فقط وإنما الأجيال القادمة، وما أعلمه أن حماية الدستور وكرامة الناس ليست من مهام الجيش وإنما هي من كل مؤسسات الدولة في حدود اختصاص كل منها دون تغول إحداها على الأخرى، وإعادة تكليف أي من جيوش بلادنا وجيش مصر بهذه الأمور الدستورية هو هدم لأحد أهداف ثورة 25 يناير وخصوصا أن قيادات جيوشنا التي تصل إلى مراكزها لا يعلم أحد معايير هذا الوصول والتي ليس من بينها الكفاءة والمهنية على الإطلاق.
وليس هذا نفيا لتكليف القوات المسلحة بالمشاركة في إنقاذ الدولة في حالات الكوارث وغيرها من النكبات مساهمة مع باقي أجهزة الدولة والذي يأتي طبقا لقوانين واضحة تبيح هذا التدخل متناسبة مع الأحداث فقط وتنتفي بانتفاء مسببات الأحداث وتأتي من رئاسة الدولة مشاركة مع ممثلي الشعب في البرلمانات المنتخبة انتخابا حرا.
3- ليس من اليسير أن أقول أننا في جماعة الإخوان المسلمين قد اعتدنا طوال تاريخنا أن نقوم بواجباتنا الثقيلة والمرهقة في العمل الوطني التي تصل إلى القتل والتعذيب والنفي ومصادرة الأموال كما يراه العالم كله الآن لما يحدث في مصر، ليقوم معها مواطنون آخرون لا نشك في إخلاصهم بعمل سياسي موازٍ يتجاهلون فيها من يتحمل العبء الأكبر ثم يتكرر الأمر هذه المرة ليقول رمز سياسي نعتز به مثل الدكتور أيمن نور عن مبادرة الجماعة (أن إطلاق دعوة الإخوان جاء استباقا لدعوات أخرى كان مقررا أن تجري فيها حوارا ونقاشا مع أطراف مختلفة من الداخل والخارج، وكان متوقع منها أن تنتج مشروعا مشتركا يحقق أكبر قدر ممكن من القبول والتوافق مع الجميع).
وسؤالي لكم بكل احترام، وهل وصلت للجماعة دعوات لمثل هذا التجمع قبل إعلان بيانها؟ ثم هل جاء هذا البيان لتشكيل هيئة لبحث هذا الأمر قبل معرفتنا بعزمكم على القيام بمثلها مخالفا لما كنتم تدعون إليه الآخرين؟
ولن أخفي أمرا آخرا الآن وهو أننا تلقينا رسالة من أحد إخواننا من داخل الصف تكاد تحترق من الغضب يقول لنا فيها أننا بمبادرتنا قد أفشلنا مبادرة كان يسعى إليها بعض الرموز الوطنية لحلحلة الأمور!، والتي تجري كلها من خلف ظهر الجماعة، وعموما هو أمر داخلي، للجماعة فيه شأنها.
4- الحقيقة (دكتورنا العزيز الفاضل) أنني قد وقفت حائرا أمام فقرة تقول فيها عن المظلة التي تريدونها للمعارضة في الخارج بقولكم (.. المظلة الواسعة يجب أن تتجاوز كل القبعات الأيديولوجية والحزبية، والمزايدات السياسية، والحسابات الضيقة، ولا ينفرد طرف بعينه لا بالدعوة أو بالفيتو على أي شيء)، وللأسف أيضا وللصراحة فإن الأمر يعني أمورا كثيرة، وأطالبكم بتفسيره أو التراجع عنه كما حملتموني هذا الأمر لمكانكم من العمل السياسي المصري سابقا وحاضرا ومستقبلا إن شاء الله، فهل المقصود به رسالة بأن على الإخوان باعتبارهم يحملون أيديولوجية معلنة وليست خفية ومعهم أمثالهم من كرام الناس وعليهم أن يتنحوا جانبا، وأيضا هل يشمل هذا الشرط من يحمل أفكارا وأيديولوجيات يقولون عنها ليبرالية أو علمانية، أم أن الآخرين فقط هم المسموح لهم بالمرور رغم أن هذه الأيديولوجيات لم تعصم الكثيرين من أصحابها من تأييد الانقلاب العسكري لأنه الوحيد القادر على إلغاء إرادات الشعوب التي لا تتوافق مع توجهاته.
5- وللتذكير فقط فإننا في جماعة الإخوان المسلمين لا نغفل على الإطلاق في عملنا السياسي أننا دعوة إلى الله من خصائصها أن نبدأ في دعوة مواطنينا لما نرى فيه الخير، ومنه مناشدة من وقف مع الانقلاب أن عليه العودة إلى صحيح العمل، ولم نيأس ولن نيأس من استمرار هذه الدعوة رغم ما يسببه لنا من أذى فيه إساءة الظن في هذه الدعوة، وكأننا قد فرطنا في أماناتنا، ولا أنكر أن هذه الإساءة قد تأتي من داخل صفنا بسبب ما تمر به الجماعة طوال سنواتها، ومع ذلك أطلقنا مبادرتنا وقلنا أننا سنتأخر خطوة في سبيل جمع الصف وفي سبيل تحمل المسؤولية بمساواة كاملة، ودون قطع الطريق على أي مبادرات يقوم بها شركاء العمل ثم نفاجأ أنها مبادرات قائمة فعلا من خلف ظهر الجماعة، ولم تعصمنا من الاتهامات.
ويعز علينا أن نقول إن الاستناد إلى دعوة بعض الأفراد في مثل هذه المبادرات دون علم الجماعة غير صحيح، ولأمانة العمل فقد يضطرنا الأمر إلى الإعلان أن الجماعة غير ممثلة في مثلها.
6- دكتورنا الكريم إننا في مبادرتنا لم نتجاوز ما اتفق عليه الآباء والأجداد في دستور عام 1923م من حريات للأفراد وحقوقهم وما نادت به ثورة 25 يناير من أهداف، ولم نشر إلى أي أيديولوجيات، ولا ندري لماذا يختلف معنا البعض على هذه المبادئ الآن؟!
7- أننا في جماعة الإخوان المسلمين لا ننحاز إلى أي فريق ونقف مع الجميع على مسافة واحدة، ولو توافق فكر أي فريق آخر من فرقاء العمل مع بعض أفكارنا السياسية أو اختلف معها فهذا حق الجميع وستبقى مواقفنا مع الجميع متساوية على حد سواء.
8- دكتورنا الفاضل الكريم .. أقول ومع تمنياتنا بزيادة الخير والأمان والإقامة الهادئة لمن وجدوها خارج الوطن أن مقاييس عملهم ونشاطهم لا يجب أن تجهل أن هناك عشرات الآلاف من إخواننا وأخواتنا في جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم خلف قضبان الانقلاب العسكري، وأضعافهم خارج هذه القضبان لا ينعمون بالأمن ولا الإقامة الهادئة وقد صُودرت أموالهم وحوصرت أمنياتهم في رؤية ذويهم في المعتقلات والسجون والتي قد تمر سنوات دون أن يعرفوا أخبارا عن من تم اختطافهم، وأحوال من هم داخل الزنازين، وما يجري على أرض سيناء وغيرها من البلايا.. هي مجرد تذكرة بالأمانات التي لا تكفيها الكلمات.