فقد رغيف الخبز البلدي في مصر الكثير من وزنه في الثمانية سنوات الاخيرة ، وخسر 40 جراما على دفعتين، أي نحو 30 بالمئة من وزنه، حيث كان وزنه 130 جراما، ثم 110 جرامات، وأخيرا 90 جراما فقط، في حين يصل الوزن الفعل نحو 75 جراما.
ويرى الكثير من المصريين أن خسارة رغيف الخبز ما بين 30 إلى 40 بالمئة من وزنه يعكس حال الملايين من المصريين ما بين عامي 2014 و2021، حيث انتكست أحوالهم المعيشية تماما، مثل رغيف العيش الذي كسب تعاطفا محليا واسعا.
في نهاية عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وصلت أزمة رغيف الخبز إلى وضع قاس ومزر؛ بسبب افتقاره للجودة شكلا ومضمونا، وصعوبة الحصول عليه، إلا بعد الوقوف في طوابير طويلة ومذلة منذ ساعات الفجر الأولى.
العيش.. شعار ثورة يناير
ومع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، أصبح رغيف الخبز أول وأحد مفردات شعار الثورة المصرية، التي رددها ملايين المصريين طوال 18 يوما في ميدان التحرير، وما تبعها من مظاهرات واحتجاجات “عيش (خبز)، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية”.
لكن ما أهمية “رغيف العيش” لنحو مئة مليون مصري؟
يزود الخبز البلدي المدعم المستفيدين بحوالي 70 في المئة من احتياجاتهم الغذائية يوميا، و52 في المئة من السعرات الحرارية التي يحتاجونها، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتنتج المخابز البلدية، وعددها 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية، يوميا ما بين 250 إلى 270 مليون رغيف خبز مدعم، يصرف لـ72 مليون مواطن من خلال بطاقة التموين.
الخبز بين الدعم والتلاعب
يبلغ سعر رغيف الخبز المدعم 5 قروش فقط للمستهلك، وتتحمل الدولة باقي التكلفة، التي قدرتها عند 67 قرشا، حسب تقييمها، ولكل مستفيد 5 أرغفة يوميا، بمعدل 150 شهريا.
من أجل تشجيع المستهلكين على التقليل من استهلاك الخبز، تصرف الحكومة المصرية دعما نقديا يبلغ 10 قروش مقابل كل رغيف لا يستخدمه، ما شجع الفقراء على تقليص حصتهم للحصول على بضعة جنيهات نهاية كل شهر.
وزعم رئيس سلطة الانقلاب في أكثر من مناسبة أن سعر رغيف العيش لن يمس، في محاولة لطمأنة المواطنين، كما جرت العادة في أكثر مرة، ولكن لا يتم الالتزام بما يقطعه من وعود بعدم زيادة الأسعار كما في الدولار سابقا.
لكن ما هو الوزن القياسي لرغيف الخبز، وفق دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كان 130 غراما في عام 2014، وتم تخفيضه في 2017 إلى 110 غرامات، وأخيرا في 2020 وصل الوزن إلى 90 جراما.
ما هو حجم الدعم؟ خفضت الحكومة المصرية الدعم التمويني في الموازنة العامة الحالية 2020-2021 بمقدار 4.5 مليارات جنيه (283 مليون دولار)، حيث أصبح 84.5 مليار جنيه (5.3 مليار دولار) في العام المالي بدلا من 89 مليار جنيه (5.6 مليار دولار) في العام المالي السابق.
رغيف الخبز هو أكثر سلعة مغبونة على مدار عقود، وأكثر سلعة تعرضت للتلاعب؛ نظرا لحجم إنتاجها الضخم، وحجم العمالة بها، ما أدى إلى بناء شبكة عنكبوتية من الفساد والمحسوبية، والتلاعب بالدقيق والوزن والمكونات، وآليات الصرف، وغيرها.
وزن الدولة من وزن الرغيف
أجمل الكاتب الصحفي، أنور الهواري، ما جرى في عنوان لمنشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “وزن الدولة من وزن الرغيف”، اختزل في معناه الكثير من الكلام، ولخص الفرق بين الدولة وشبه الدولة، وفق مراقبين.
رحلة رغيف الخبز من مرسي إلى السيسي
“عربي21” استعرضت مع مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور عبدالتواب بركات، في عهد الوزير الدكتور باسم عودة، رحلة رغيف “العيش” من عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، ورئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
يقول بركات إن “رغيف العيش هو أهم سلعة غذائية للمواطن المصري؛ بسبب الحالة الاقتصادية التي يعيشها منذ ستينيات القرن الماضي، واعتماده على الخبز كغذاء أساسي، لذلك هو أكثر استهلاكا للخبز في العالم؛ إذ يستهلك أكثر من 200 كيلوجرام من القمح كخبز مقابل 75 كيلو عالميا”.
باسم عودة يبيع العيش للمواطنين بنفسه
مضيفا: “في عهد مبارك، واجه المواطن صعوبات في الحصول على الخبز من حيث الجودة والكمية، ورأينا كيف أن المواطن تهان كرامته في طوابير الخبز، ويفقد حياته أحيانا نتيجة الازدحام والمشاجرات، وكان الوزير الحالي الدكتور علي مصيلحي هو وزير التموين في عهد مبارك حتى قامت ثورة يناير”.
واستدرك: “بعد ثورة 2011، حدث تحسن في جودة رغيف الخبز بشكل نسبي، ولكن ظل الفساد في منظومة الخبز المليارية مستمرا حتى منتصف 2012، لما جاء الدكتور محمد مرسي استمر التحسن في جودة رغيف الخبز، وحلت مشكلة الطوابير في أول 100 يوم، ولكن ظلت المنظومة قاصرة، واستمر تسرب القمح بالمخابز إلى السوق السوداء؛ نتيجة انخفاض سعر الدقيق، وتهريبه، وعجز الوزير عن تطبيق منظومة الخبز الجديدة”.
وتابع: “في يناير 2013، جاء الدكتور باسم عودة وزيرا للتموين في حكومة الدكتور هشام قنديل، وكان من ضمن أولوياته تطبيق منظومة الخبز الجديدة، والارتقاء بجودته، وتوفيره، نجح في أن يطبق المنظومة في أسابيع قليلة، رغم ما لاقاه من إضرابات ومعارضات من المخابز، ونجح في تحرير سعر القمح للمطاحن والدقيق للمخابز، والتأكيد على وزن الرغيف 130 جراما، برطوبة 35 بالمئة، وجودة عالية منقطعة النظير، وبات على مائدة كل المصريين، للفقير والغني”.
قرار مهم لباسم عودة جنب المصريين السرطان
وأكد مستشار وزير التموين الأسبق، أنه “رغم مدة وزارته القصيرة (6 شهور)، تم توفير 2 مليون طن قمح، نتيجة توقف الفساد في المنظومة”، مشيرا إلى أن “من أهم القرارات وقف إضافة دقيق الذرة الساري منذ منتصف التسعينات، وكان قرارا خاطئا يضر بصحة المصريين؛ لأنه يحتوي على سموم فطرية تسبب السرطان وتضر الكبد، وأخذ قرارا بوقف هذه الإضافة، رغم معارضة أصحاب المصالح من أصحاب المخابز والمطاحن، وكان له تأثير كبير على جودة رغيف الخبز المدعم”.
وزير التموين يجني الحصاد يدا بيد مع المزارعين
ويرى أن من أكثر القرارات التي أشعرت المواطنين بالاهتمام بهم، والارتقاء بأوضاعهم، أن حصة الأسر من الخبز كانت تصلهم حتى باب المنزل، دون عناء الذهاب إلى المخبز والوقوف للحصول على الخبز، من خلال توفير خدمة التوصيل مقابل 5 جنيهات شهريا فقط، وكان يحصل المواطن على الكمية التي يريدها، لا خمسة أرغفة كما هو الحال الآن.
وبشأن نجاح المنظومة، قال: “قبل الانقلاب بشهرين، طبق الوزير باسم عودة المنظومة على مستوى الجمهورية، وبعد الانقلاب تم إلغاء المنظومة الجديدة، وتم تخفيض وزن رغيف الخبز، ولم يحصل المواطن على الرغيف بالجودة العالية، وعادت طوابير الخبز، ورأينا فساد أول وزير تموين بعد الانقلاب، الوزير خالد حنفي، الذي أعاد منظومة سلفه باسم عودة، ولكن استمر الفساد، وتورط في عمليات فساد، وتم إقالة الوزير لاحقا”.
المنظومة في عهد الانقلاب
واستطرد بركات: “في عهد الوزير الحالي ووزير مبارك السابق أيضا تم تطبيق التأكيد على المنظومة الجديدة، واستمر الفساد والتكلفة العالية لدعم رغيف الخبز في الموازنة العامة حتى مارس 2017، في خطوة لتقليل دعم الخبز، ألغى الوزير الحالي في نوفمبر 2018 الكروت الذهبية التي كانت تكون لدى أصحاب المخابز لصرف الخبز للمغتربين والوافدين الذين فقدوا بطاقاتهم”.
واختتم حديثه بالقول: “في عهد الانقلاب أيضا، تم تحديد 5 أرغفة فقط لكل مواطن، على عكس ما كان معمولا به في عهد الدكتور مرسي، كان المواطن يأخذ ما يريد، بل كان هناك اتجاه في عهد الوزير الحالي لتقليص حصة الفرد إلى ثلاثة، ولكن تراجعت الدولة، بعد أن وجدت رفضا شعبيا، وأخيرا قلل وزن رغيف الخبز إلى 90 جراما بدلا من 110 جرامات، وهو تخفيض الدعم بشكل ملتو، فأصبح المواطن يحصل على 4 أرغفة بدلا من خمسة، وفق الوزن الحقيقي لحصته.