رجال حملوا رسالة الإسلام … بقلم/ م. أحمد شوشة

الرسالة التي تركها البروفيسور الدكتور محمد سامي شوشة والذي توفاه الله بفيروس الكورونا وهو يؤدي عمله في خطوط المواجهة المتقدمة ضد المرض في أحد مستشفيات لندن بعد أن آثر غيره بجهاز التنفس الصناعي، تحتاج إلى وقفات حول دور المسلم في صناعة القدوة، سواء في بلاد المسلمين أو في غيرها.

والحقيقة أن الدرس الذي قدمه الراحل وانتهت بها حياته كانت له بدايات أدت إليه؛ ففي مقتبل حياته تمتع بالجدية المتناهية، فتفوق في دارسته وحصل على أعلى الشهادات العلمية، ثم عمل بجد حتى أصبح علمًا في تخصصه، وانطلق يخدم بهذا العلم البشرية دون تمييز، وبعطاء دائم ومتجدد حتى آخر لحظات حياته.

ولكن كانت عظمة مثل هذا الرجل – وأمثاله – أنه عندما استوعب العلم القائم على العقل والمشاهدة والتجربة استيعابًا كبيرًا، شهد له به الجميع، لم يجد ما يمنعه عن التزامه بعقيدته وإسلامه وأدائه لفروض دينه، من صلاة وصيام وأخلاق إسلامية نشأ وتربى عليها، بل أدرك أن هذا الالتزام كان سببًا فيما وصل إليه من علم وتواضع ومساعدة الآخرين وتقديم النصح والإرشاد لطلابه ورعاية أسرته والمحافظة عليها وإداء حقوق صلة الرحم وما إلى ذلك من أخلاق الإسلام العظيم.

وهكذا تمثلت في مثل هؤلاء الرجال العلماء حقيقة المعرفة التي أساسها العقل والبحث، وضابطها أخلاق الوحي المنزل من السماء، فاكتملت المنظومة التي رفعته ليكون شخصًا مدهشًا بين زملائه، يبهرهم علمه وتواضعه وحسن عشرته واحترامه لغيره في آن واحد.

هذه هي المعادلة التي يبحث عنها الغرب الذي فصل الدين عن الدنيا فأصبحت الحياة جحيما بسبب المادية المفرطة، وكذلك هي نفسها المعادلة التي يبحث عنها الشرق عندما تخلى عن العقل والبحث واستغرق في مظاهر دينية فارغة من حقيقة الدين نفسه، وترك عقله لخرافات سوقها له الظالمين، فأصبح حياته مزيجًا من التخلف والفقر والمرض وعبودية للظالمين.

نماذج متكررة:

ولعلنا ونحن نقف على حياة الراحل نجد له أمثالاً كثيرةً صنعها الإسلام على عينه، لرجال جمعوا بين الزهد في الدنيا والعمل لدين الله والتماس العلم بكل قوة، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، ونذكر من أمثلتهم:

د. عصام حشيش.. أستاذ مادة الموجات بقسم الإلكترونيات والاتصالات بهندسة القاهرة.

د. الرئيس الدكتور محمد مرسي.. الذي حصل على درجة الماجستير في الهندسة جامعة القاهرة، ثم درجة الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا 1982م، ظل بالجامعة لفترة حتى حصل على درجة أستاذ مساعد في جامعة نورث ردج في الولايات المتحدة في كاليفورنيا بين عامي 1982 -1985، وعاد إلى وطنه، فعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم هندسة المواد بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، وكان حافظًا للقرآن الكريم.

د. محمود أحمد أبوزيد.. أستاذ جراحة الأوعية الدموية كلية طب جامعة القاهرة، وهو حافظ للقرآن الكريم.

د. محمود العريني.. أستاذ كرسي أراضي بجامعة الأزهر، وأشرف على مشروع القمح بمدينة اليرموك بالسعودية.

د. محمد سامي بديع.. أستاذ ورئيس قسم الباثولوجيا ووكيل كلية طب بيطري، ومن حفظة القرآن الكريم.

د. فادي البطش (1983 – 21 أبريل 2018)، هو عالم فلسطيني من مدينة جباليا في قطاع غزة. حاصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية ويُحاضر في جامعة كوالالمبور، ولديه براءة اختراع في زيادة كفاءة شبكات الطاقة الكهربائية، كما اخترع جهاز تحسين نقل الطاقة الكهربائية، ويُعد من أول المبادرين في تأسيس التجمع الدولي للمهندسين الفلسطينيين في ماليزيا، ويعد من حفاظ القرآن الكريم، وحاصلاً على السند المتصل عن رسول لله، وكان له حلقات تحفيظ القرآن الكريم في مساجد ماليزيا.

د. محمد طه وهدان.. أستاذ مساعد بقسم البساتين جامعة قناة السويس، ومن حفظة القرآن الكريم.

د. رشاد بيومي.. أستاذ الجيولوجيا جامعة القاهرة.

د. محمود عزت.. أستاذ الطب بجامعة الزقازيق، وله عدة أبحاث عن الأمراض الوبائية، وهو حافظ للقرآن الكريم.

السيد محمد نصير، الشهير بسيد نصير، رباع مصري، وهو أول مصري وعربي يفوز بميدالية ذهبية في الدورات الأوليمبية في 31 أغسطس عام 1928.

أحمد عبد العزيز وعبدالمنعم عبدالرؤف ومعروف الحضري.. قادة مجموعة المتطوعين في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م.

الشيوخ محمد محمود الصواف ومصطفي السباعي في العراق وسوريا الحبيبتين.

عبدالرحمن نا تشونغ: العالم المجدد في الصين

الكاتب الشاعر الأديب علي أحمد باكثير

المفكر علي عزت بيجوفيتش رئيس دولة البوسنة والهرسك وقائد مقاومتها.

وغير هؤلاء كثير في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه.

كلمة إلى الشباب

وإن كان من رسالة توجه إلى شباب اليوم فهي النظر في أسرار الحياة؛ حيث خلقنا الله لنكون خلفاء في الأرض، نعمرها ونستمتع بها.. قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ف

ِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف: 32).

يقول الشيخ أبوبكر الجزائري في كتابه “أيسر التفاسير” حول قوله تعالى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) بالأصالة؛ لأن المؤمنين علماء، فيحسنون العمل والإنتاج والصناعة، والكفار تَبَعٌ لهم في ذلك؛ لجهلهم وكسلهم وعدم بصيرتهم.. (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة، لا يشاركهم فيها الكفار، ولأنهم في دار الشقاء النار، والعياذ بالله تعالي.

وإذا قيل: العكس هو الصحيح، فإن أمم الكفر وأوربا وأمريكا هي التي تقدمت صناعيًّا وتمتعت بما يتمتع به المؤمنون؟

فالجواب: أن المؤمنين صُرِفُوا عن العلم والعمل، وأُقْعدوا عن الإنتاج والاختراع بإفساد أعدائهم لعقولهم وعقائدهم، فعوَّقوهم عن العمل؛ مكرًا بهم وخداعًا لهم.

والدليل أن المؤمنين لما كانوا كاملين في إيمانهم؛ وكانوا أرقى الأمم، وأكملها حضارة وطهارة وقوة وإنتاجًا، مع أن الآية تقول: (… لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، فإذا حلَّ الجهل محل العلم، فلا إنتاج ولا اختراع ولا حضارة.

رسائل إلى الجيل الجديد:

– احرص على حسن الإيمان بالله وطاعته، والالتزام بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبأخلاق الإسلام وتعاليمه.

– كن مؤمنًا بقدرتك على العطاء، ولا تتوهَّم ضعفًا، فالله عزَّ وجلَّ خلَقَك في أحسن تقويم.

– حافظ على حماستك التي هي من صفات الشباب ولا تدع لأصحاب السوء عليك سبيلاً.

– الحياة بجد واجتهاد ورغبة في الوصول إلى المعالي في كل مجالات حياتك.

– العلم هو بداية الهداية، والعلم الشرعي هو ما تقيم به دينك ودنياك، بما في ذلك تخصصك وثقافتك التي تواكب بها عصرك، فكن حريصًا على ذلك، فتخصصك فريضة في عنقك.

– أدِّ فرائض دينك وسنن نبيك وتخلَّق بخلق الإسلام.

– استمر في التعلم والالتزام بإسلامك مع القيام بوجبات العمل.

– اجتهد في العمل حتى تكون قويًّا في مجال تخصصك.

– كن لغيرك قبل نفسك، وأعطِ للآخرين حقوقهم، ولا تنتظر من أحد حقوقًا.. تكن عزيزًا كريمًا.

– كن قوي الجسم والبنيان، جميل الهيئة والمظهر، من غير إسراف ولا تبذير.

– تزوج ذات الدين، الحسناء، ذات المال والنسب، فالمحظور أن لا تكون ذات دين.

– أنجب الأولاد، واسعد بهم، وربِّهم تربية متوازنة، تراعي حاجاتهم الروحية والعلمية والجسدية.

– تمتع بما أعطاك الله وروِّح عن نفسك وزوجتك وأولادك، فذلك من مسئولياتك اتجاههم.

– كن ناصرًا لدينك مؤيدًا للحق آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.

– كن أخًا ربانيًّا إنسانًا جميلاً محسنًا كريمًا من غير إفراط ولا تفريط تدين لك الدنيا وتصير لك الآخرة.

هذا هو بعض ما يطلبه منك دينك، بل هذا هو دينك، وإنما الزهد هو طاعة الله ورسوله، وأن تصير حياتك كلها وفق دينك فتتبع ما أمر الله ورسوله به وتنتهي عما نَهى الله ورسوله عنه؛ تكن أزهد الناس وأعبدهم لله عز وجل.