دلالات أزمة محسوب في إيطاليا.. القضاء المصري لا يعتد به

دلالات أزمة محسوب في إيطاليا.. القضاء المصري لا يعتد به

كتب ـ محمد آدم:

جاء احتجاز السلطات الايطالية وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية السابق “محمد محسوب” من داخل الفندق المقيم فيه بطلب من سلطة الانقلاب المصرية لتسليمه، ثم إفراج القضاء الإيطالي عنه ليشير إلى دلالات مهمة، أبرزها عدم اعتداد العالم بأحكام القضاء المصري لسقوطه في وحل الأحكام السياسية لا العدلية، ومن ثم عدم الاعتداد بقراراته.
هي بالتالي صفعة جديدة تلقاها السيسي بإطلاق إيطاليا سراح محمد محسوب ورفض تسليمه إلى مصر؛ لأنها تعني إقرارا علنيا أن السيسي ومن معه حولوا مصر إلى لادولة، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها وبقضائها المنبطح المسيس.
أما لماذا تم إفراج القاضي الإيطالي عنه من أول جلسة وعدم طلبه حتى مذكرة الإنتربول المتعلقة بالحكم القضائي المصري؛ فهي قصة محرجة للقضاء المصري وسلطة الانقلاب؛ لأنها تؤكد أن القاضي لم يفكر مجرد تفكير في طلب مذكرة الإنتربول التي بها الحكم القضائي المصري؛ لأنه يدرك مسبقا أن الحكم على وزير شئون قانونية وعميد كلية الحقوق في مصر بتهمة النصب هي تهمة سياسية ملفقة، بحسب ما قال “محسوب”.
ولكن لماذا جرى توقيفه بهذا الشكل من الفندق لا المطار والذي لم يكن ليوحي بسرعة إطلاق سراحه؟
سؤال يبدو أن الإجابة عليه تتلخص في احتمالات إبلاغ أمن السفارة المصرية للسلطات الإيطالية لاعتقاله بدعوى أنه مطلوب في قضية نصب ومحكوم عليه بالسجن 3 سنوات.
واللافت أن الإنتربول ألغي قرابة 40 مذكرة بعثت بها نيابة الانقلاب في مصر عبر الإنتربول المصري لاعتقال نشطاء وسياسيين مصريين هاربين من جحيم الانقلاب لقناعة الإنتربول أنها اتهامات سياسية ولا قضاء حقيقيا في مصر بدليل أحكام الإعدام بالجملة، بيد أنه لم يتم إلغاء مذكرة “محسوب”؛ لأنها تتعلق باتهامه بتهمة جنح في أبريل 2015، بدعوى النصب على مستثمر سعودي في مبلغ 200 ألف دولار، وحبسه 3 سنوات غيابيا، وكفالة 10 آلاف جنيه.
وقال الباحث القانوني في مجال حقوق الإنسان والمتخصص في الشأن المصري “أحمد مفرح” إنه كان من المستبعد تسليم إيطاليا محسوب للقاهرة لسببين: الاول: أن الملف الآن في يد القضاء، والثاني: أن الحكومة الإيطالية لديها ملف شائك ما زال مفتوحا، وهو ملف ريجيني وتسليم المعرض المصري سيفاقم الموقف المتأزم مع المجتمع المدني الايطالي.
* الخارجية تحاول غسل ماء وجهها
وقد حاول المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد أبو زيد، تبرير الانتكاسة المصرية برفض القضاء الإيطالي الاعتداد بأحكام القضاء المصري، بزعم أن “السلطات الإيطالية تدرس حاليا الوضع القانوني (للوزير محسوب) في ظل تمتعه بجنسية أجنبية، بجانب الجنسية المصرية”، ولكن الخارجية حذفت البيان من على صفحتها الرسمية لاحقا!.
وزعم المتحدث الرسمي أن السفارة المصرية في روما تلقت اتصالا لاحقا من الخارجية الإيطالية، يفيد بأن المتهم أفرج عنه لكونه يحمل الجنسية الإيطالية منذ 2016؛ نظرا لزواجه من سيدة إيطالية، وأن السلطات الإيطالية أكدت أنها “سوف تنظر فيما نسب إليه من اتهامات من قبل الجهات القضائية المصرية”.
ولكن محامية الوزير محسوب قالت في تصريحات تلفزيونية أن: ما تردد عن أن الإفراج عن محسوب بسبب جنسيته الإيطالية غير صحيح تمامًا”، كما قال التلفزيون الحكومي الإيطالي: إن “طلب التسليم وفق مذكرة الانتربول لم يكن من الممكن تطبيقه على الوزير المصري السابق محمد محسوب، ولذا قررت المحكمة إطلاق سراحه”.
وتؤكد القاعدة القانونية الدولية أنه “يحظر تسليم أشخاص إلى بلدانهم أو الى بلدان أخرى قد يتعرضون فيها إلى التعذيب أو المحاكمة غير العادلة أو المعاملة اللاإنسانية” لهذا رفض القاضي الايطالي احتجازه وأطلقه خاصة وهو يدرك ما جري لمواطنه ريجيني في مصر.
* الانتقام من محسوب
ويضمر السيسي انتقاما من نوع خاص للدكتور محمد محسوب لأن الاخير عندما استقال من حكومة د. قنديل بعهد الرئيس محمد مرسي، تصور السيسي ان بإمكانه توظيفه (محسوب) لصالح مخططه الانقلابي وطلبه، في اجتماع سري بالمخابرات الحربية، ولكن محسوب خرج من الاجتماع إلى الاتحادية لإبلاغ د. مرسي بما شعر به من شروع في تأمر السيسي ضده، وعندما تم الانقلاب لم يغفرها السيسي لمحسوب أبدا.
وسبق أن احتجزت دول اوروبية معارضين مصريين بطلب من سلطة الانقلاب، إلا أن القضاء الأوروبي أطلق سراحهم، ولكنه سلم اخرين، حيث اعتقلت ألمانيا صحفي الجزيرة أحمد منصور في ألمانيا بناء على طلب مصري، وكذا المعارض أحد نشطاء ثورة 25 يناير “عبد الرحمن عز” في ألمانيا، إلا انه جري الافراج عنهم.
بالمقابل سلمت إسبانيا في يونية 2018 داعية مصري يدعى علاء محمد سعيد، ويعمل إمامًا لمسجدين بمدينة لوجرونيو، بدعوي انتماؤه لجماعة الاخوان المسلمين، وهو ما وصفه المحامي “نزار غراب” بأنه “مهزلة تعري دول الاتحاد الأوروبي واستهداف لحقوق الإنسان في مقتل، بعد تسليم إسبانيا وألمانيا لمواطنين مصريين ثم اعتقال إيطاليا للوزير محسوب و”تضحيتها بدم الإيطالي ريجيني من أجل مصالح وصفقات مع مصر”، بحسب تغريده على حسابه على تويتر.
* هل كانت هناك صفقة؟
أثارت عملية الاعتقال التي لم تتم في المطار نتيجة عملية اشتباه، ولكنها تمت من داخل الفندق الذي يقيم فيه د. محسوب في إيطاليا تساؤلات عما إذا كانت عملية الاعتقال تمت بناء عل تنسيق كامل مع سلطة الانقلاب والحكومة الإيطالية بغرض ما.
وأثيرت تساؤلات اخري حول ما هي طبيعة الصفقة التي سيتم إبرامها بين الحكومة الإيطالية وسلطة الانقلاب؟ وهل تدخل قضية ريجيني وتبادل المتهمين بها في هذه الصفقة؟
وتشير ملابسات اعتقال د. محسوب لمراقبة جهات امنية له وتتبعه منذ وصوله ايطاليا ربما هي المخابرات المصرية التي تحول دورها بعد تولي مدير مكتب السيسي لها (عباس كامل) إلى مراقبة وتتبع المعارضين في الخارج بدلا من حماية امن مصر وتتبع الجواسيس.
فقد جاء اعتقاله في الفندق ليؤكد وجود وشاية من جهة ما الي الامن الايطالي، وجاء اعلان الخارجية المصرية (المحذوف من على صفحتها على فيس بوك) أنها تلقت بلاغات من السلطات الايطالية باعتقاله لتشير بدورها الى أن هناك تنسيق بين الطرفين، ما يطرح تساؤلات حول صحة وجود صفقة أمنية أم لا؟
بيد أن القرار العاجل للقضاء الإيطالي بإطلاق سراح الوزير محسوب حسم أمورا كثيرة لم يكن المجتمع القانوني والحقوقي والمدني في إيطاليا يقبلها في ضوء الغضب الشعبي على ما يجري في مصر من قتل وتعذيب راح ضحيته مواطن إيطالي وأكاذيب السلطات المصرية المختلفة التي وصلت لحد قتل 5 اشخاص والادعاء انهم قتلة ريجيني قبل يتم كشف الملعوب ونفي ايطاليا صحة الرواية المصرية.
ويبقى التأكيد أن اعتقال واطلاق سراح محسوب أفاد كثيرا القوى المعارضة في الخارج لأنه سلط الاضواء علي فساد أحكام القضاء المصري وعدم اعتداد العالم به، ورسخ قاعدة عدم اخذ الإنتربول او القضاء الأوروبي بفبركات القضاء المصري وعدم الاعتداد بها.