كتب / أحمد فايد
إن معرفة أحداث التاريخ . من الأمور التي تشغل بال الكثيرين.ولما لا وقد صدقت مقولة من قال (التاريخ يعيد نفسه) والى غير ذلك من معرفة اخطاء من سبقونا والوقوف عليها وأخذ الحذر والحيطة والبدء من حيث انتهوا . ومعرفة العواقب خيرا كانت أو شرا ،فمن الإنصاف (مراجعة التاريخ ) قراءة وفهما وعملاً فالتاريخ كالماء .ونحن كالرجل الظمآن في صحراء جدباء واسعة. ومنها هذا المنطلق كتبت هذا المقال بعنوان (حديث الزمان عن احداث دمياط في شعبان) وشهر شعبان هو الشهر الثامن من السنة القمرية أو التقويم الهجري .. وكانت تسمية هذا الشهر كباقي الشهور في عصر ما قبل الإسلام وسمي هذا الشهر بشعبان لتشعب القبائل العربية وافتراقها للحرب بعد قعودها عنها في شهر رجب حيث كانت محرمة عليهم
وشهر شعبان من الأشهر التي لها مكانةٌ عظيمةٌ في الإسلام، حيث تُرفع فيه الأعمال لله عز وجل .وكان النبي سيدنا محمد (صلى الله علية وسلم) يصوم أكثر شهر شعبان، ونسلط الضوء في هذا المقال عن أهم الأحداث و المواقف التي كانت على أرض دمياط فكم من معركة وكم من حملةوقعت على أرضها وكم من عظماء وابطال وطأت أقدامهم أرضها الطيبة.وكم شهيد ارتوت أرضها بدمائهم .يشهد التاريخ أن دمياط كانت محفلآ مهيبا عبر العصور . والأحداث في دمياط كثيرة ومتنوعة.لكن سنتحدث هنا عن الأحداث التي وقعت في هذا الشهر المبارك ( شهر شعبان) فدمياط هي إحدى محافظات جمهورية مصر العربية. تقع المحافظة في الجزء الشمالي الشرقي من الدولة، يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص، وعاصمتها هي مدينة دمياط. ويرجع سبب التسميه إلى العصر الفرعوني.وعرفت مدينة دمياط في النصوص المصرية القديمة باسم دمطيو بمعنى “سكان الميناء”
ويسأل سائل ويقول لماذا حظيت دمياط بكل هذه الأحداث ؟ أقول لأنها تتمتع بموقع متميز على ضفاف البحر المتوسط. وايضا تطل على نهر النيل.الى غير ذلك من سهولة التحصن فيها . ووصول الإمدادات لها بكل سرعة فكانت أعين الطامعين من جهة وأعين المحافظين لا تنفك عنها ألبتة.وقبل أن نشرع في الأحداث أترك المجال للرحالة المشهور ابن بطوطة يصف دمياط. فقد زارها الرحالة المشهور ابن بطوطة في سنة ٧٢٥ / ١٣٢٥ ووصفها وصفًا رائعًا، فقال إنها: «مدينة فسيحة الأقطار، متنوِّعةالثمار، عجيبة الترتيب، آخذة من كل حسن بنصيب.»
وقد زار ابن بطوطة معالم المدينة المشهورة في ذلك الحين، ووصفها في رحلته، فمما زاره البرزخ، قال: «وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل، تُسمى البرزخ (وهي رأس البر الحالية)، بها مسجد وزاوية، لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل، وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبِّدين الأخيار، قطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكرًا.» وزار ابن بطوطة ضريح شطا، قال: وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا، وهو ظاهر البركة، يقصده أهل الديار المصرية، وله أيام في السنة معلومة لذلك.
وكانت البساتين تحيط بدمياط، وخاصة في قرية المنية التي لا تزال تُعرف بهذا الاسم حتى الآن، وقد زارها ابن بطوطة ووصفها بقوله: «وبخارجها أيضًا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية، فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان، قصدت زاويته وبتُّ عنده.»
وذكر ابن بطوطة أيضًا أن والي دمياط وقت مقامه بها كان يسمى المحسني،كما ذكر أنه كان من ذوي الإحسان والفضل، وأنه بنى بدمياط مدرسة على شاطئ النيل، وقد أقام ابن بطوطة بهذه المدرسة طيلة الأيام التي قضاها بدمياط، وقد غادر ابن بطوطة دمياط إلى فارسكور دون أن يعلم الوالي برحيله، فأرسل وراءه فارسًا من رجاله قدَّم له هبة.فدمياط صاحبة المكان الرائع الاستراتيجي.وصاحبة المكانة القوية.التي جسدها أبناؤها البواسل عبر العصور.ولم يبخلوا طرفة عين .عن البذل والتضحية والفداء من أجل بلادهم العظيمة دمياط.
وهيا بنا ندخل رويداً رويداً في الأحداث.
( أول هذه الأحداث هي استشهاد بطل دمياط شطا) بعد أن أعلن سلامه تقدَّم شطا لمساعدة العرب — ومعه ألفان من الجند — فأعلن إسلامه، واشترك في قتال أهل تنيس فأبلى بلاءً حسنًا إلى أن استشهد في ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة ٢١ﻫ (١٩ يوليو ٦٤٢) فقُبر حيث هو الآن خارج دمياط .
(وثاني الأحداث المهمة سقوط بلدنا الحبيب دمياط. في أيدي الصليبيين) وتحديدا يوم ٢٧ من شعبان ٦١٦ه ٥ من نوفمبر ١٢١٩م سقوط مدينة دمياط في أيدي الصليبيين بعد مقاومة باسلة أثناء الحملة الصليبية الخامسة بقيادة حنا دي برين .لكن المصريين بقيادة السلطان الكامل نجحوا في اجلائهم. وقد نزح الصليبيون عن دمياط بعد أن قضوا فيها وعلى شاطئيها الغربي والشرقي ثلاث سنين، وأربعة أشهر، وتسعة عشر يومًا.
وتبارى شعراء العصر — كالعادة — في تمجيد هذا النصر والإشادة به، وكان أجمل ما قيل في هذه المناسبة قصيدة الشاعر الكبير شرف الدين بن عنين التي قال فيها:
سَلوا صهوات الخيل يوم الوغى عنَّا إذا جهِلتْ آياتنا والقَنا اللُّدنا
غداة الْتقَينا دون دمياطَ جحفلًا من الرُّوم لا يُحصَى يقينًا ولا ظنًّا
وأطمَعهم فينا غرورٌ فأرقَلوا إلينا سِراعًا بالجهاد وأرقلنا
فما برحتْ سُمر الرماح تَنُوشهم بأطرافها حتى استجاروا بنا مِنَّا
بدا الموت من زُرق الأسنة أحمرا فألقَوا بأيديهم إلينا، فأحسنَّا
وما برح الإحسان منا سجيةً نُورِّثها من صيد آبائنا الابنا
وقد عَرفتْ أسيافُنا ورقابُهم مواقعَها منا، فإن عاوَدوا عدنا
(وثالث الأحداث كان مفاجأة وهوتخريب مدينة دمياط)
وتتابعت الحوادث وعرش مصر مثار نزاع عنيف بين الأيوبيين والمماليك، فخشي المماليك أن ينتهز الفرنج فرصة هذا النزاع فينقضُّوا على دمياط ثانية، فاتفقوا على تخريبها، وأرسلوا إليها فرقة من الحجَّارين والفَعَلة، «فوقع الهدم في أسوارها يوم الاثنين الثامن عشر من شعبان سنة ٦٤٨ حتى خُرِّبت كلها ومُحيت آثارها ولم يبقَ منها سوى الجامع.» وهكذا كانت حملة لويس شؤمًا على دمياط؛ ففي أوائلها غادرها أهلوها جميعًا، وفي أعقابها — وبعد نحو ستة أشهر من خروج الفرنسيين — هُدمت المدينة جميعها بأسوارها وقلاعها ومنازلها وقصورها، ولم يبقَ منها — كما يذكر المؤرخون — سوى جامعها وهو الجامع المُهدَّم القديم الذي يعرف حتى الآن في دمياط باسم جامع أبي المعاطي القديم أو جامع الفتح.
(أما رابعها ووهوالاخير وكان جميلاً كماء الغدير. هو زيارةالبطل المجاهد صلاح الدين الايوبي دمياط) ففي الثاني والعشرين من شعبان سنة ٥٧٢ (فبراير ١١٧٧م) — وقد استقلَّ صلاح الدين بمصر — خرج من القاهرة فقصد إلى دمياط لزيارتها، وكان في صحبته ولداه: الأفضل علي، والعزيز عثمان، وكاتبه العماد الأصفهاني، فمكث بالمدينة يومين ثم رحل منها إلى الإسكندرية، وقد حدد العماد الأصفهاني الغرض من هذه الزيارة بقوله: «ورأى (أي صلاح الدين) في الحضور بالثغر المذكور ومشاهدته الاحتياط.» كما ذكر أن سفن الأسطول بدمياط كانت قد خرجت للغزو وعادت بسبيٍ كثير، قال: «وكان له سبيٌ كثير جلبه الأسطول.» وفي نهاية المقال الذي ذكرنا فيه عدة أحداث على مرور الزمان من صعوبات وانكسار.ثم بشريات وانتصار.
ونؤكد للعالم كله مشرقه ومغربه أن هذه البلد العظيم دمياط بقيت وستبقى لها من المواقف المشرفة التي تجعل كل من يعيش فيها مفتخرا رافع الرأس.