كتب: على حسن
واصلت ثورة الفيديوهات مطاردة العسكر وتضييق الخناق على سلطة الانقلاب الدموي والكشف عن المزيد من فضائح الفساد، مطالبة عبدالفتاح السيسي بالرحيل.
فيديوهات فضائح العسكر بدأها رجل الأعمال محمد علي الذي كان يعمل في مشروعات مع القوات المسلحة طوال 15 عامًا، ثم ظهر مستثمر بورسعيدي يكشف عن فساد محافظ بورسعيد الانقلابي اللواء عادل الغضبان، وسار في الطريق نفسه مسعد أبوفجر، عضو لجنة الخمسين؛ التي وضعت دستور السيسي عام 2014، ثم ضابط شرطة سابق يدعى أحمد سطوحي سرحان، ثم القس مرقس عزيز خليل.
ثورة الفيديوهات يتابعها ويؤيدها ملايين المصريين يوميًّا، ويتفق الجميع على كلمة واحدة: “ارحل يا سيسي”.
الخبراء اعتبروا الفيديوهات ثورة جديدة شبيهة بثورة 25 يناير 2011 التي نجحت في إنهاء حكم المخلوع حسني مبارك، مؤكدين أنها ستنجح في “كسح” السيسي من الحكم.
محمد علي
كان رجل الأعمال محمد علي قد نشر مقاطع فيديو تظهر فساد “السيسي” وإهداره المال العام في بناء قصور واستراحات رئاسية، في الوقت الذي يطالب فيه الشعب المصري بالصبر على الفقر والجوع.
وكشف “علي” عن أسرار لوقائع فساد السيسي، مؤكدًا أنه قام ببناء عدة قصور لـ”السيسي” ومعاونيه، دون حاجة إليها.
وحصدت فيديوهات “علي” – عبر “فيسبوك” و”تويتر” – ملايين المشاهدات، وسط اهتمام إعلامي وتداول واسع عبر مواقع التواصل لوقائع الفساد التي ذكرها، متضمنةً أسماء جنرالات كبار في الجيش.
كما نشر عشرات الصور، في مناسبات مختلفة، تجمعه بقيادات في الجيش، أثناء تنفيذه مشروعات تابعة للمؤسسة العسكرية، منها صور تجمعه برئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة السابق وزير النقل الانقلابي الحالي اللواء “كامل الوزير”، وقيادات من الهيئة والمخابرات العامة.
وكانت أبرز الصور المنشورة صور تفقد قيادات في الجيش فندق “تريومف ليكشري”، والذي قال عنه “علي”: إنه تكلف نحو 2 مليار جنيه.
وأظهرت الصور اللواء “الوزير” واللواء “شريف صلاح الدين” مدير الفندق، وصديق “عبدالفتاح السيسي”، والذي قال عنه “علي”: إن الفندق بني مجاملة له، وأمام فيلته الخاصة، قبل أن يتم تعيينه مديرًا له.
وقال “علي”: إن مشروع الفندق تم إنشاؤه رغم عدم حاجة المنطقة إليه، ووجود حالة من الركود السياحي، وضعف نسب التشغيل الفندقي.
وأضاف: “مفيش دراسة للمشروع، والجيش شغال إسناد مباشر، ودي أول طريق الفساد، ولازم تقف مع مصر، دون أخذ حقوق الشركة”.
مستثمر بورسعيدي
وعلى غرار فيديوهات محمد علي، نشر مستثمر بورسعيدي مقطع فيديو تحدث فيه عن فساد محافظ بورسعيد الانقلابي اللواء “عادل الغضبان”، وإهداره المال العام، متهمًا إياه بتقاضي الرشوة.
وتحدث المستثمر محمد إبراهيم عن تأجير قرية سياحية ببورسعيد بثمن بخس لمستثمر قال إنه مدعوم من المخابرات، وتابع: “مستر حسام حسن أجرها بـ16مليون، وأنا عرضت أدفع 20 مليونا”.
وتساءل “إبراهيم”: “لماذا لم تعرض القرية في المزاد ويتم إسنادها للمحسوبين أو المدعومين من الجيش؟”.
ووجه اتهامات بالفساد لـ”الغضبان” قائلاً: “بالأمر المباشر من تحت الترابيزة، عادل الغضبان قبيض “مرتشي”، مأجرها بـ16مليون وواخد 16 مليون من تحت الترابيزة”.
وتابع: “جاي علينا وعاوز يشيل 118 بني آدم علشان خاطر سيادة المستثمر، ما هم فيهم مستثمرين يقدروا يبنوا بدل القرية 20”.
وكشف المستثمر عن 3 أحكام قضائية يرفض “الغضبان” تنفيذها متسائلاً: “عاوز أعرف مين بينفذ القانون في مصر الغضبان ولا السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية ولا السلطة القضائية”.
وخاطب “الغضبان” قائلاً: “أنت طمعان في البر وطمعان في البحر وطمعان في البشر والحجر وكله”.
وتابع: “انتوا بعتوا الدنيا كلها بالبني أدمين بعتوا الأرض والعرض وبعتوا الدنيا كلها”.
ووجه “إبراهيم” خطابه لـ”السيسي”: “كنت بدفع 200 جنيه بقيت بدفع 24 ألف جنيه، دافع مديونيه من 4 أيام بـ80 ألف جنيه بتوع أيه ولا أعرف هو كدا لازم تدفع وخلاص”.
وقال: “الناس اللى بيدعوا لك يا سيسى بكره هيدعوا عليه وهيدعوا عليك وعلى اللي جابك، واحنا اللي جبناك، حسبنا الله ونعم الوكيل في اللي مقوي قلب الغضبان علينا”.
وتساءل: “من يحمي اللواء عادل الغضبان في مصر؟ لو السيسي اللي بيحميه نروح نولع في نفسنا ونولع في بيوتنا ونولع في فلوسنا أو نشوف لنا دولة تانية نقعد فيها”.
وشدد “إبراهيم” على أنه لن يستجيب لطلبات “الغضبان” ولن يبيع المكان الذي ورثه منذ 43 عاما، قائلا: “هموت أنا وعيالي في مكاني مش همشي”.
ضابط شرطة
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشخص يقول إنه ضابط شرطة سابق، ولا يزال يعيش في مصر، ويتهم فيه “عبدالفتاح السيسي” بالفساد والتشجيع عليه، داعيًا إلى ثورة ضده، كما اتهم وزير النقل الانقلابي ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة “كامل الوزير” بغسل الأموال.
الشخص، الذي يدعى “أحمد سطوحي سرحان”، ظهر في مقطع فيديو، عبر صفحته بـ”فيسبوك”، مؤكدًا أنه ضابط شرطة سابق استقال من الخدمة من مباحث الجيزة في 2001، وأنه لا يزال في مصر ولم يخرج منها، وأنه “يحمل روحه على كفه”، ويعرف “سرحان” نفسه، عبر صفحته، بأنه محام بالنقض، والرئيس التنفيذي للمؤسسة المصرية للقانون.
وطالب “سرحان” بإطلاق سراح المحامي “محمد يونس”، الذي تم اعتقاله منذ أيام، بعد إعلانه أنه يعتزم التقدم ببلاغات للتحقيق في الاتهامات التي كشف عنها رجل الأعمال “محمد علي” ضد “السيسي” وقيادات بالجيش.
وقال “سرحان”: “قررنا نغيير مصر وسيكون لدينا قضاء مستقل، ودولة العدل والعلم والإيمان”.
واتهم السيسي بتشجيع الفساد، بعد اعترافه ببناء قصور رئاسية، وقال إنه يعاني من “شيزوفرينيا”، يحاول تقمص شخصية رئيس الدولة ورئيس عصابة مافيا، في آن واحد.
وأضاف “سرحان”، منفعلاً: إن “السيسي أهان الجيش المصري”، وهاجم مدير جهاز الاستخبارات العامة “عباس كامل”.
وأضاف: “المصريين كتير وزي ما انتصرنا في أكتوبر 1973 هنعبر في يناير في الموجة الثورية الثالثة”.
مسعد أبوفجر
وانضم الناشط السيناوي مسعد أبو فجر، المقرب من أجهزة سيادية أمنية، لثورة “الفيديوهات” واتهم أبو فجر “محمود” نجل السيسي بالتعاون مع تجار المخدرات في سيناء، وحصوله على نسب من تهريب البضائع للمحاصرين في قطاع غزة.
وذكر الناشط السيناوي، في مقطع مرئي، أن الحرب في سيناء ليست حقيقية، وأن “عدد الإرهابيين لا يتجاوز بحسب أقصى التقديرات ألفين، وهم معروفون لدى أهالي سيناء”.
وأكد أنه اجتمع ومشايخ قبائل سيناء عام 2014 برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء “محمد فريد التهامي” في مقر المخابرات، واقترح المشايخ على “التهامي” التدخل “للقضاء على الدواعش”، لكنه رفض هذا التدخل وفضل الحديث عن المؤامرات التي تستهدف مصر.
واعتبر “أبوفجر” أن ما يجري في سيناء يثير شكوكًا بشأن الهدف الحقيقي من الحرب المزعومة على الإرهاب، وما إذا كانت تستهدف التأسيس لمصالح معقدة في ظل الحديث عن صفقة القرن، وفتح معركة مستمرة لتخويف الشعب المصري وإقناعهم بأن الإرهاب قريب منهم.
وتابع أن “ترحيل أهل سيناء هدفه تكرار سيناريو أهل النوبة وإفراغها من أهلها بغرض بيع سيناء ضمن صفقة القرن، وجدد تأكيده أن هذا السيناريو لن ينجح أبدا”.
وأشار “أبوفجر” إلى عمليات تهريب مخدرات تمر من سيناء إلى غزة، وتعود لحسابات “محمود”، نجل “السيسي” وأعوانه، مؤكدًا أن “أهل سيناء باتوا يقتنعون بأن السيسي يحارب السيناويين ولا يحارب الإرهاب” .
وبعد 24 ساعة من فيديو أبو فجر، نشر الإعلامي وليد الهواري في قناته على “يوتيوب” تسجيلا لأحد أفراد القوات المسلحة، تحدث فيه عن استغلال الجنود في أعمال السخرة لصالح قيادات الجيش، وأكد صاحب التسجيل، الذي عرف نفسه بأنه “رجل المدفعية”، أنه ما زال في الخدمة، وأن ما قاله محمد علي عن فساد القيادات أقل من الموجود على أرض الواقع.
قس قبطي
كما شنّ القس “مرقص عزيز خليل”، هجوما لاذعا على “عبدالفتاح السيسي”، ووصفه بأنه أسوأ رئيس جمهورية في تاريخ البلاد.
واتهم خليل – في مقطع فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل – “السيسي” بالخيانة، وخداع المصريين.
وخاطب السيسي قائلاً: “في يوم من الأيام انتخبناك ()، وقلنا عملنا الصح، لكن الأمور وصلت لشيء سيئ”.
وأضاف “خليل”: “السيسي أسوأ رئيس جمهورية، اتخدعنا فيه، دخل بالخداع وصدقناه ووقفنا معاه في 30 يونيو 2013″، في إشارة إلى المظاهرات التي مهدت للانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب الرئيس الشهيد “محمد مرسي” في يوليو 2013.
وأعرب عن أسفه لأن يجلس على كرسي حكم مصر إنسان بهذا المستوى، منتقدا قراراته وسياساته.
وتابع “خليل” ساخرا: “عايز قرار واحد أصدره محترم، كلامه كله بينزل الأرض”.
عقيدة العسكر
وحول تواصل الفيديوهات أكد مجدي الأسيوطي، خبير عسكري واستراتيجي، أن قيام الجيش بإزاحة السيسي بسبب الفيديوهات “ربما يكون حديثا سابقا لأوانه، ولكنه في الوقت نفسه أصبح حديثا موجودا داخل صفوف القيادات المتوسطة والرتب الصغيرة، وكذلك بين بعض القيادات العسكرية الكبيرة التي لم تتلوث يدها بالفساد، والتي أصبحت تتحدث عن خطورة ما يحدث، ليس على السيسي ونظامه، ولكن على المؤسسة العسكرية التي انكسرت هيبتها لدى الشعب، عندما تخلت عن السلاح وتورطت في بيع الجمبري”.
وأشار إلى أن السواد الأعظم من ضباط الجيش وصفّ الضباط والمتطوعين والمجندين هم الذين يدفعون ضريبة الشقاء، مثل غيرهم من عموم المصريين، بينما قلة معينة هي التي تحصل على كل المكاسب.
واضاف الأسيوطي: “السيسي نظم مؤتمر الشباب، ليس للرد على الممثل الذي فضحه، ولا لمخاطبة الشعب المصري، وإنما نظمه لمخاطبة قيادات القوات المسلحة، عندما طالبهم بألا يصدقوا ما يقال عنه، أو على حد تعبيره (إن ابنكم صادق ونزيه وليس حرامي أو فاسد)”.
واوضح أن الجيش المصري لديه عقيدة مختلفة عن غيره من الجيوش، وهي عدم الانقلاب على قادته، وللأسف هذا ما حدث مع مبارك الذي تم تبرئته من كل القضايا التي كان متهما فيها؛ لأنه عسكري، بينما تم التنكيل بالرئيس الشهيد محمد مرسي، وقتله في محبسه؛ لأنه مدني، رغم أن الأول متورط في الفساد، والثاني كان يريد محاربة هذا الفساد.
سبوبة الأعمال
وأكد الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي أن الارتباك الذي تسببه هذه الفيديوهات ضد الفساد في الجيش سوف يشجع غير المستفيدين على التململ والتحرك ضد القادة الذين يسيطرون على “سبوبة” الأعمال، في إطار الصراع والتنافس بين من يمتلكون الحظوة والسلطة والمال داخل المؤسسة، وبين من لا يملكون سوى الحرب في سيناء، ولأن قمة النظام لن تستطيع إرضاء الجميع، فإن انفراط عقد المؤسسة العسكرية، التي يعتبرها النظام حصنه الحصين، أمر متوقع، ومن هنا يأتي انزعاج السيسي وقلقه الشديد”.
واعتبر الشرقاوي أن الفيديوهات “أصبحت سلاحا مبتكرا في المعركة الإعلامية، وخطورتها أنها سوف تصل لعموم ضباط وأفراد القوات”.
واشار إلى أن أكثر ما يخشاه النظام هو تأثير سلاح الفيديوهات على عموم الجيش، حيث يمكن أن تشجع بعض القيادات للتفكير في إزاحة السيسي، وإن تطلب الأمر الانقلاب عليه، ولعل هذا ما كان ظاهرا على تعبيرات وجه وزير الدفاع الانقلابي محمد زكي، خلال حديث السيسي بمؤتمر الشباب، وهي التعبيرات التي تعكس أزمة الثقة بين السيسي وعموم الجيش”.
وشدد الشرقاوي على أن الفيديوهات “سوف يكون لها تأثير سلبي على تماسك المؤسسة العسكرية”، مؤكدًا أن قوة هذا التأثير، وتوقع المسارات التي يمكن أن تسير فيه، “لا يمكن لأحد أن يتكهن بها في الوقت الراهن”.
أصنام وأوهام
ووصف عز الكومي، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق فيديوهات محمد علي بأنها أشبه بتسونامي “زلزل عرش العسكر، وأجهز على أصنام الوطنية والشرف والبطولة التي صنعها مؤيدوهم، ولكنها كانت في الحقيقة مجرد أوهام”.
وتوقع الكومي أن تُحدث هذه الفضائح شرخا في صفوف القوات المسلحة وليس بين قياداتها؛ “لأن السيسي ورط هذه القيادات معه في الفساد المالي والإداري، بل والأخلاقي، وقام بتحصينهم بعدد من القوانين التي وضعتهم فوق المساءلة القانونية والدستورية، ولذلك فإنهم سوف يحاربون مع السيسي، ويدافعون عن فساده؛ حتى لا يتم التضحية بهم إذا ما خرج السيسي من المشهد بأي شكل كان”.