cc

ثقوب جديدة في سفينة الانقلاب

بقلم: حازم عبد الرحمن

تحاول منظومة الانقلاب المتحكمة في مصر الآن تصوير أنها تعيش حالة من الأمان والاستقرار, وأنه لا سبيل إلى إسقاطها, والحقيقة أن العكس هو الصحيح؛ فهي تعاني القلق والرعب من قادم الأيام, التي لا تحمل للعسكر أي أمال في المزيد من مص دماء الشعب؛ فالحكم العسكري يتراجع في العالم كله, وبدأ ينحسر في المنطقة العربية, وقد سقط البشير في السودان بعد انقلاب عسكري دام ثلاثين عاما, وخرج الشعب يطالب بحكم مدني, وتسير الجزائر منذ شهور في طريق إنهاء حكم العسكر.

وفي مصر تؤكد كل التوقعات أن سقوط الحكم العسكري مسألة وقت, مهما بدا عليه من القوة والسيطرة؛ فالأنظمة المستبدة تظل قوية قبل أن تأتي لحظة سقوطها المروع, والأمثلة كثيرة من سقوط شاه إيران برغم “السافاك” جهازه الأمني الرهيب, وشاوشيسكو في رومانيا, والقذافي في ليبيا..إلخ.

وتتعدد عوامل سقوط أنظمة الاستبداد لكن يبقى الأهم من بينها غضبة الشعوب الكفيلة بخلع الطغاة من كراسي الحكم, ولن يكون حكم العسكر في مصر استثناء من ذلك؛ فالسقوط المدوي قادم في الطريق؛ برغم كل إجراءات الوقاية والاحتياطات التي استباحت حياة المواطنين ومقدرات الوطن, في سبيل بقاء عصابة العسكر ورئيسها العميل الصهيوني.

وتحدث الثورات عندما تفشل الأنظمة في تحقيق أحلام الشعوب, وفي مصر يتوفر هذا السبب الآن؛ بالإضافة إلى الفساد الكبير الذي طال كل قطاعات الدولة وحسب  منظمة الشفافية الدولية فإن الاقتصاد العسكري يمثل60% من الاقتصاد العام بجانب الفساد وهدر الأموال العامة والتسلط السياسي والإداري, وقد مثلت تسريبات جديدة من داخل نظام العسكر  تأكيدا لذلك حيث توحش الفساد داخل القوات المسلحة التي هيمنت على الاقتصاد القومي, وابتلعت أرزاق المواطنين, وأصبحت تتاجر في قوت الشعب ودوائه, مع التفريط في السيادة والثروات, والتنازل عن التراب الوطني؛ ما يمثل جريمة خيانة عظمى.

*وثيقة تبرير التنازل عن تيران وصنافير

كشف تسريب خطير من داخل القوات المسلحة أن النظام العسكري يروج بين الجيش تبريرا لبيعه جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بعد الفضيحة التي جرت برفض القضاء قرار قائد الانقلاب وعصابته بالتنازل عن الجزيرتين المصريتين واعترف السيسي أنه طلب ملف الجزيرتين في يونيو 2015 فور وصوله المزيف إلى الرئاسة؛ فقد كان يسدد فواتير لمن جاءوا به ومن دعموه في انقلابه المشئوم, وهناك الكثير من الأدلة على الخيانة العظمى بالتنازل عن حقوق مصر، ليس في تيران وصنافير فقط, وإنما في مياه النيل وثروات مصر من البترول والغاز في البحر المتوسط.

وقد كشفت الوثائق العسكرية المسربة عن محاولة احتواء التذمر داخل الجيش بسبب التفريط في الجزيرتين وتبرير ذلك، لإقناع أفراد المؤسسة العسكرية بصحة موقف السيسي وعصابته من التنازل عن تلك الجزر الإستراتيجية لصالح السعودية, وقد شملت الوثائق تحذيرا من عرضها على المدنيين أو اطلاعهم عليها؛ ما يعكس رعبا ومخاوف كبيرة لدى رءوس الانقلاب من وصول اتهامهم بالخيانة إلى الجيش, حيث يعتبرونه الظهر الذي يتكئون عليه في قمع الشعب, ونهب ثرواته, ويعتبر هذا التسريب ثقبا جديدا في سفينة الانقلاب.

*شهادة المقاول على فساد السيسي والجنرالات

يكرر عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب أنه شريف وصادق وأمين بطريقة لافتة, تؤكد أنه يقول ذلك دفعا لاتهامات تطاله هو وجنرالاته, وتتردد بين المواطنين, وترصدها الأجهزة الأمنية, وتنقلها إليه مع غيرها مما يتداوله الناس عن تصاعد غير مسبوق لمنحنى الفساد والفشل والقمع الذي تستنكره المنظمات الحقوقية الدولية, وهو ما تحاول الأذرع الإعلامية للانقلاب التغطية عليه باستضافة لواءات سابقين من الجيش والشرطة ليتحدثوا عن النجاحات الاقتصادية للعسكر, وحياة الرفاهية التي تنتظر الشعب المصري على أياديهم , بينما حاق الضنك بكل فئات الشعب عدا عصابة العسكر والدائرة المستفيدة منهم.

ومن هذه الدائرة المقاول محمد علي, صاحب إحدى شركات المقاولات التي تنفذ مشاريع تابعة للجيش المصري، ليكشف عن وقائع فساد كبرى داخل القوات المسلحة، ومعلومات تنشر للمرة الأولى عن أسماء ضباط كبار متورطين في تبديد وإهدار مليارات الجنيهات، وتواطؤ البنوك في تمويل مشروعات “فاشلة” بضمان “أختام الجيش”، إلى جانب تحكم زوجة رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي في إدارة القصور والاستراحات الرئاسية. ونشر المقاول مقطع فيديو عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، من مقر إقامته في مدينة برشلونة الإسبانية، كال فيه الاتهامات إلى جنرالات السيسي، ودورهم في سرقة أموال شركات المقاولات التي تتعامل مع الجيش، وهم وزير النقل الحالي بحكومة الانقلاب اللواء كامل الوزير (الرئيس السابق للهيئة الهندسية للقوات المسلحة)، واللواء عصام الخولي مدير إدارة المشروعات، واللواء محمد البحيري، والعميد ياسر حمزة، والمقدم محمد طلعت.

وقال: “هؤلاء أهل الظلم والاستعباد هؤلاء من حطموا أحلامي وجعلوني أتغرب وأترك بلدي خوفاً من بطشهم على أولادي وعليا، وتلفيق لي اتهامات باطلة، الزج بي في السجن”، متهما السيسي بإهدار المليارات في مشروعات فاشلة، والإدعاء بأن مصر فقيرة أوي، مشيرا إلى أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، فاشل بنسبة 100 بالمئة، وأن إيرادات مشروع حفر تفريعة قناة السيسي لم تغط حتى تكاليف حفل افتتاحها”.

وأكد أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تقوم بإنشاء مشاريع بدون دراسات جدوي، وتقرر إسناد تنفيذها إلى شركات بالأمر المباشر، وتجبر البنوك على تمويل هذه المشروعات، ثم تجبر المقاول على البدء بتنفيذ هذه المشاريع دون إعطائه أي مستحقات أو دفعات مالية بزعم أنها خدمة لمصر ويجب أن يقف بجانب بلده, وهو ما تردد كثيرا في وسائل الإعلام خارج البلاد, لكنه يأتي هذه المرة من داخل شركاء منظومة الفساد العسكرية نفسها, التي تنفذ طلبات انتصار زوجة السيسي، التي أمرت ببناء استراحة رئاسية جديدة بلغت تكلفة إنشائها فقط 250 مليون جنيه، غير ثمن الأرض وتكلفة التأسيس والديكورات، ثم طلبت تعديلات بلغت تكلفتها 60 مليون جنيه”.

ويعترف المقاول في مقاطع الفيديو المتعددة بأنه كان يتعامل مع منظومة فساد كاملة لكنه في النهاية تم اغتصاب حقوقه فخرج ينشر غسيل العسكر على الملأ, ويقول عنهم أنهم أهل الظلم والاستعباد وهم من حطموا احلامه وجعلوه يتغرب ويترك بلده خوفاً من بطشهم.

وهذه الشهادة تكشف كثيرا مما يدور داخل منظومة الحكم العسكري, منها:

ـ أن هناك داعمين للمقاول, وهناك قيادات عسكرية قلقة مما يفعله السيسي في البلد من تخريب يؤدي في النهاية إلى الانهيار الكامل.

ـ  تفسير أسباب إصرار السيسي على جمع كل السلطات في يده وسحق جميع الأصوات المعارضة له.

ـ تأكيد توسع أنشطة الجيش في الاقتصاد خارج الرقابة المستقلة، وخطورة ذلك على اقتصاد الدولة.

ـ كشف زيف مطالبات السيسي الدائمة للشعب بالصبر والتحمل على القرارات المتعاقبة برفع الدعم عن الماء والكهرباء والمحروقات بحجة أن الدولة “فقيرة أوي”.

ـ أن النشاط الاقتصادي للجيش يتم عبر مؤسسات تدار مباشرة من قبل القوات المسلحة، ولا تخضع ميزانياتها لرقابة من أي جهة مدنية، وتتجلى الخطورة في سيطرتها على 60% من اقتصاد الدولة.

ـ أن فكرة الهروب قائمة لدى العسكر, كما جاء في الشهادة حول بناء خمسة قصور في الهايكستببها خمسة انفاق للهروب.

ـ دخول زوجة السيسي على خط نهب أموال الشعب.

ـ أن شهادة المقاول أربكت العسكر ولم يصدر عنهم رد مقنع؛ فلجئوا إلى إجبار والده على الظهور مع المخبر أحمد موسى ليتبرأ الأب من نجله.

ـ إضافة فضائح للجنرالات بالأسماء الصريحة.

ـ أن محاولات الانتقام من رافضي الانقلاب في الخارج مستمرة بدليل ما كشفه محمد علي عن محاولة استدراجه إلى السفارة لحل مشكلته.

وهذه الشهادة مع تسريب وثيقة غسيل أدمغة ضباط الجيش من الثقوب الخطيرة في سفينة الانقلاب التي تزداد ثقوبها مع الأيام, وليس من الصواب التقليل من شأنها بأي حال, ويرتبط ذلك بحالة الطوارئ التي تعيشها أجهزة الأمن وممارستها القتل والتعذيب, وهي أعباء نفسية فوق طاقة البشر, وهؤلاء يخشون يوما, قد يكون قريبا لحسابهم على ما اقترفت أيديهم بحق الشعب؛ لذلك يركبهم القلق والأرق, ولا يشعرون بالأمان, وربما يتمنون التخلص من قائد الانقلاب, ويبقى على رافضي حكم العسكر توحيد الصفوف؛ فسفينة الانقلاب توشك على الغرق.