أثار اجتماع عقده كبار قادة الجيش المصري، ورؤساء أفرعه المختلفة، واستمر قرابة أربع ساعات، قبل أيام، لبحث كيفية تدعيم دور الجيش في جمع القمامة من الشوارع، خلافا بين الإعلاميين الموالين لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الخميس؛ إذ ثمن بعضهم هذا الدور، فيما أعلن بعضهم الآخر رفضه الشديد له؛ حفاظا على هيبة الجيش.
الجيش يساند مبادرة “حلوة يا بلدي”
وكان الإعلامي المقرب من السيسي، رئيس مجلس إدارة دار “أخبار اليوم”، ورئيس تحرير صحيفة “الأخبار”، تزعم حملة قادتها “أخبار اليوم”، لنظافة وتجميل القاهرة والمحافظات، تحت عنوان: “حلوة يا بلدي”، مؤكدا اهتمام السيسي بها، وثناءه على النتائج التي حققتها.
من جهته، أصدر وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول صدقي صبحي، توجيهاته لأجهزة القوات المسلحة للمشاركة في المبادرة، من أجل إظهار صورة مصر الحضارية، بحسب صحيفة “أخبار اليوم”.
قادة الجيش يجتمعون لجمع القمامة
من جهتهم، عقد كبار القيادات العسكرية اجتماعا رفيع المستوى، لبحث مشكلة جمع القمامة، ضم كلا من اللواءات: محمد أمين، رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، ويحيى الحميلي قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، ومحمد عبداللاه قائد الجيش الثالث، ومحمد الزملوط قائد المنطقة الشمالية، وأيمن عامر قائد المنطقة المركزية، ووحيد خفاجي قائد المنطقة الغربية، وناصر عاصي قائد الجيش الثاني، وعاطف طاهر نائب رئيس هيئة الشئون المالية، وهشام حمدان رئيس شركة كوين سرفيس، المملوكة للقوات المسلحة.
ومن جانب الحكومة، ضم الاجتماع كلا من الدكاترة: أحمد زكي بدر وزير التنمية المحلية، وخالد فهمي وزير البيئة، ورجب عبدالعظيم وكيل وزارة الري؛ نظرا لسفر الوزير إلى الخارج.
واستمر الاجتماع العسكري رفيع المستوى، بحسب “أخبار اليوم”، أربع ساعات كاملة، وشارك في المناقشات رئيس مجلس إدارتها ياسر رزق، إذ دارت مناقشات مستفيضة حول مبادرة “حلوة يا بلدي”، وكيفية إسهام القوات المسلحة فيها على المدى القصير والمتوسط.
القوات المسلحة تجمع القمامة
وتقرر أن تبدأ القوات المسلحة من خلال الجيشين الثاني والثالث والمناطق العسكرية إسهامها في الحملة، اعتبارا من الاثنين 15 آب/ أغسطس الحالي، حتى 10 أيلول/ سبتمبر المقبل، على أن يعقد اجتماع في ختام هذه الفترة؛ لتقويم النتائج.
وقال اللواء محمد أمين إن القمامة أصبحت مشكلة أمن قومي يجب إيجاد حلول حقيقية لها، مطالبا باستمرار الحملة، ومؤكدا استعداد القوات المسلحة لدعم القرى والمراكز والمدن التي تشكل فيها القمامة أزمة كبرى، بحسب قوله.
ياسر رزق يتزعم المبادرة
من جهته، وجه ياسر رزق الشكر إلى وزير الدفاع على استجابته السريعة وتفهمه لأهمية مشاركة القوات المسلحة في المبادرة، موجها الشكر والتحية أيضا لقادة الجيوش والمناطق العسكرية، لحرصهم على المشاركة في المبادرة، وفق “أخبار اليوم”.
وأضاف رزق (المعروف بمسؤوليته عن تسريب السيسي الأول قبل ترشحه للرئاسة) أن الاستعانة بالقوات المسلحة ورجالها في هذا التوقيت تأتي لأن أزمة النظافة كبيرة جدا، ولأن الجيش يعدّ خلاصة شعب مصر، وفق تعبيره.
ومن جهته، تحدث اللواء محمد عبد اللاه قائد الجيش الثالث الميداني، فأشار إلى أنه قام بالفعل بإطلاق حملات للنظافة بشوارع السويس، بمعاونة الجهاز التنفيذي، كمساهمة مجتمعية من الجيش الثالث، بعد أن وجد أن القمامة بدأت في احتلالها.
وطالب اللواء ناصر العاصي قائد الجيش الثاني الميداني بتحديد مسؤول عن كل طريق لمحاسبته عن أعمال النظافة والإشغالات، فيما قال اللواء وحيد عزت خفاجي قائد المنطقة الغربية العسكرية إن إطلاق مثل تلك المبادرات يعدّ ضرورة قومية.
أما اللواء وحيد عزت خفاجي، قائد المنطقة الغربية العسكرية، فرأى أن هناك حاجة إلى تكاتف جميع جهات الدولة لمواجهة تلك الأزمة الخطيرة.
وهنا تدخل اللواء محمد الزملوط، قائد المنطقة الشمالية العسكرية، في الحوار، وقال إن الاجتماع مع أكبر قيادات القوات المسلحة والمسؤولين في الدولة هو أكبر دليل على خطورة أزمة النظافة التي تعاني منها.
وتقدم اللواء أيمن عامر، قائد المنطقة المركزية العسكرية، باقتراحات لمواجهة أزمة النظافة في معظم المحافظات، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من شباب التجنيد خلال فترات محددة، وإعادة إحياء قانون الخدمة العامة.
وقال اللواء يحيى الحميلي قائد المنطقة الجنوبية العسكرية إن القوات المسلحة ستتدخل وستسهم، ولكن في البداية لابد من إعادة عمال النظافة إلى أعمالهم.
وقال اللواء هشام حمدان، مدير شركة كوين سيرفس لخدمات النظافة التابعة للقوات المسلحة: لدينا 30 ألف عامل، ويزداد عددهم 10 آلاف عامل كل عام، وتعمل الشركة على جمع القمامة، ولديها فروع في جميع المحافظات.
من جانبه، تساءل ياسر رزق: هل يمكن تحويل شركة كوين سرفيس التابعة للقوات المسلحة إلى شركة قابضة كبيرة وتطبق طرق ومنظومة العمل فيها، وبدلا من التعاقد مع شركات خاصة تكون هي المسؤولة عن التعاون مع الشباب لمنح فرص عمل في إدارة القمامة؟
وفي ختام اللقاء، قال رزق إن الهدف من الحملة ليس أن تستمر أسبوعا أو شهرا، ولكن الاستدامة وتطويرها لن يكون إلا بمشاركة القوات المسلحة.
مقام الجيش
لكن إشراك الجيش في جمع القمامة، وفق الكاتب الصحفي، سليمان جودة، في مقاله بصحيفة “المصري اليوم”، الخميس، تحت العنوان السابق، استدعى رفضه وصدمته.
وفي البداية، قال جودة: “أغار جدا على جيش بلدي، وأعتقد أن بيادة أي جندي فيه أشرف من أي متطاول عليه، ويملؤني فخر بلا حدود في كل لحظة أتأمل فيها تاريخه، وعقيدته الوطنية”.
وأضاف جودة: “أظن أن الصديق ياسر رزق يشاركني ما سبق، ولكني في الوقت نفسه لا أشاركه أبدا الرأي في أن يشارك الجيش، من خلال أفراد فيه، في حملة النظافة التي تتبناها مؤسسة “أخبار اليوم”.
وتابع: “لا أشاركه ذلك على الإطلاق، وأرفض، من منطلق الغيرة على الجيش، وعلى مكانته، أن يشارك في أعمال النظافة، بامتداد المحافظات، وأن ينهمك جنود وضباط فيه في رفع أكوام القمامة من أماكنها”.
واستطرد قائلا: “أرفض ذلك تماما، ليس لأن الشخص الذي يرفع القمامة أقل شأنا من غيره، فلكل مواطن مهمته التي عليه أن يؤديها في بلده، ولكن الجيش له مهمة أخرى، على حدود بلدي، وفي داخله، في أوقات الطوارئ، والأزمات الكبرى”، حسبما قال.
وأضاف جودة: “لقد وجدت صعوبة بالغة في ابتلاع مشهد الضباط والجنود وهم ينظفون الشوارع والميادين مما فيها.. وجدت صعوبة -ولا أزال- لأن مقام جيش بلدي أعظم، وأكبر، وأعلى”، وفق قوله.
وتابع: “أرجو ألا يرد أحد، ويقول إن البلد يعاني أزمة في قضية النظافة، وإن الجيش جاهز دائما لإنجاز ما يراه في مصلحة وطنه.. لا.. لا يمكن التسليم بهذا المنطق تحت أي ظرف، وإلا كان علينا أولا أن نصرف المحافظين، ورؤساء الأحياء، ورؤساء هيئات النظافة من مكاتبهم، ما دام العجز هو عنوان أداء كل واحد فيهم هكذا”، على حد قوله.
وشدد على أن إشراك الجيش في أعمال النظافة مسألة لا تليق، وفضلا عن عدم لياقتها، فإنها تغطية على عجز المحافظين، ورؤساء الأحياء، ورؤساء وعمال هيئات النظافة.
وقال: “هؤلاء كلهم تقع عليهم مسؤولية نظافة البلد، وليس على الجيش بأي حال، وإذا كانوا لا يستطيعون، فليس أقل من محاسبتهم أولا، ثم تسريحهم والمجيء بغيرهم ممن يستطيعون ثانيا”.
وأردف: “هذا أقل ما يمكن عمله مع مسؤولين فاشلين يروحون ويجيئون من مكاتبهم، كل يوم، بينما القمامة أكوام على يمينهم ويسارهم، وكأنها لا تعنيهم بالمرة، أو كأنها أكوام في بلد آخر.
وأضاف: “إذا كان الرئيس استدعى الجيش لإنجاز مشروعات كبيرة، فهي في النهاية مشروعات كبيرة، وأتصور أن الرئيس لا يلجأ إلى الجيش في مثل هذه المشروعات أو غيرها إلا مضطرا، ولو أنه وجد أحدا في الأجهزة المدنية يسعفه ما كان قد لجأ إلى الجيش في شيء، ولكان تركه يؤدي مهمته الأكبر على الحدود، وضد الإرهاب العابر للحدود”.
واختتم مقاله بالقول: “قد كنت -ولا أزال- أطالب الرئيس بأن يرغم الأجهزة المدنية في الدولة على العمل، وأن يضع أمامها ما يريد إنجازه، ثم يطلبه في حيز زمني محدد، فإذا عجزت حاسبها وكشفها أمام المواطنين، حتى لا نحمل الجيش فوق طاقته، وحتى لا نسحبه أو نستدرجه إلى غير ساحته، أو إلى خارج ميدانه.. أعمال النظافة ليست من بين مهام الجيوش”، على حد تأكيده.