تجديد الخطاب الديني.. بين خبث النية وانحطاط الغاية

الكاتب: شريف زايد

في خطاب غير مسبوق، وجه السيسي كلامه بشكل مباشر للحاضرين من القيادات الدينية وعلماء الأزهر في مصر، في احتفالية جامعة الأزهر بمناسبة المولد النبوي الشريف في بداية السنة الميلادية الحاليّة طالبًا منهم مراجعة الفكر الإسلامي من منطلق “فكر مستنير حقيقي” يهدف إلى صياغة “خطاب ديني صحيح” يتناغم مع العصر. وبصوت حازم عاد السيسي وأكد خلال حديث خارج عن النص بأنه من غير المعقول أن يدفع الفكر الإسلامي المستند إلى نصوص قد قُدست منذ مئات السنين، بالأمة الإسلامية بالكامل نحو موقع تكون فيه “مصدرًا للقلق والخطر والقتل والتدمير” في العالم كله.

بعد استخلاصه بأن “الخروج” على هذا الفكر أصبح صعبًا جدًا، وجه السيسي كلامه إلى علماء الأزهر “نحن بحاجة إلى ثورة دينية، كل العالم ينتظر منكم هذا، لأن الأمة تُمزّق وتُدمّر وتضيع ونحن من يضيعها”، متوعدًا إياهم بمحاججتهم أمام الله يوم القيامة! لتنطلق بعد تلك الكلمات الدعوة لتجديد الخطاب الديني من هنا وهناك، يشارك فيها كل من هب ودب، بل يشارك فيها ويقودها كل لئيم حاقد على الإسلام وعقيدته وأحكامه، فإذا بالأئمة الأربعة عند أحدهم “سفلة مجرمون”، فلم يعد يكفي القول “هم رجال ونحن رجال” عند أمثال هؤلاء الحثالات، وإذا بالبعض يدعو لمليونية لخلع الحجاب، فلم يعد يكفي القول بأن الحجاب عادة وليس حكمًا شرعيًا.

لقد وصلت حالة العداء للإسلام وثوابته إلى مدى غير مسبوق من قبل جماعة من المرتزقة تسلطوا على آذان الناس وأسماعهم من قبل النظام الذي أفسح المجال لهم ليخرجوا علينا كل يوم في برامج هابطة ليبثوا حقدهم على الإسلام بصورة مباشرة بعد أن ظلوا لوقت طويل يقومون بالأمر ذاته ولكن من خلال التندر والهجوم على الحركات الإسلامية والعلماء. وبنظرة بسيطة لمانشيتات صحيفة “المقال” لإبراهيم عيسى، والتي دأبت على إهانة صحابة الرسول (saws)، يدرك المرء لماذا تم إصدار مثل هذه الصحيفة المبتذلة، فهل يمكن تسمية هذا الإسفاف تجديدًا للدين، أم هو تجديف في الدين؟.

فالذي يبدو للمراقب المنصف أن شعار “الحرب على الإرهاب” لم يعد مجرد شعار، بل بات خطًا مرسومًا وبدقة يسير عليه عملاء أمريكا في بلادنا، لقد أرادت أمريكا من خلال هذا الشعار إرهاب أبناء الأمة الإسلامية، الذين باتوا يتوجهون بقلوبهم نحو مشروع عظيم للأمة طالما كان هو الحصن الحصين والسد المنيع الذي حمى الأمة لقرون وأبعد عنها عادية الأعداء، وتحطمت على أبوابه أطماع الطامعين، إنه مشروع الخلافة العظيم، خلافة النبوة الوعد الموعود والبشرى العظيمة من رسول الله (saws) لهذه الأمة الكريمة.

لقد تلقف العملاء التعليمات من سيدتهم أمريكا وقاموا ينفذونها بدقة ظنًا منهم أنهم سينجحون في تحقيق ما تريده أمريكا وفي إرضائها وتطييب خاطرها، ونسوا أن ما يقومون به اليوم قام به أسلافهم في العمالة بالأمس، لقد نسي هؤلاء أن المناهج التي يسهرون على تغييرها والحذف منها، هي من صنع الكافر المستعمر الذي ظن كما ظنوا أنها يمكن أن تُبعد الأمة عن دينها، وأنها يمكن أن تكون سببًا في فقد الأمة لثقتها في دينها. وأنه وإن كان الغرب قد نجح في تخريج عدد كبير من أبناء الأمة من تلك المدارس وبتلك المناهج الدراسية التي سهر على وضعها، وقد انضبعوا بالغرب وثقافته، وقام بإسناد مقاليد الحكم ومفاصل الحياة الفكرية والثقافية والتعليمية في بلاد المسلمين إلى هؤلاء، إلا أنه أيضًا لم يستطع أن يحول بين الأمة وبين إسلامها النقي الصافي، فخرج من هذه المدارس والجامعات أيضًا من رفض الغرب وبضاعته المزجاة وأخذ الإسلام عقيدة عقلية ينبثق منها نظام، وحمل الدعوة للإسلام وجعل غايته إعادة الأمة لسابق عزها ومجدها خير أمة أخرجت للناس.

كما وفات أيضًا العملاء الجدد، أن ما ينادون به اليوم من دعوى تجديد الخطاب الديني، قام به أيضًا أسلافهم في العمالة من قبل ولم تنفعهم طويلًا، وأنه وإن كان ما يزال لمن سُمّوا آنذاك برجال الإصلاح الديني بعض المؤيدين والمبهورين بما صنعوا، وبعض المخدوعين فيهم، إلا أن الكثير من أبناء الأمة قد أدرك واقع هؤلاء ورفض ما قدموه من فكر انهزامي بني على فكرة التوفيق بين الحضارة الغربية والإسلام. لقد حاول المجددون القدامى كالأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهم تفريغ الإسلام من محتواه وتدجينه كي يتعايش مع الغرب الكافر ويرضى أبناؤه بالعيش أذلاء تحت سطوة الكافر المستعمر، ينهب خيراتهم ويقتل أبناءهم، فهل نجح في ذلك لوقت طويل أم أن الأمة ما لبثت أن لفظت هؤلاء وما أنتجوه من فكر منحط، لا هو يشبه الإسلام ولا الإسلام يشبهه.

وبرغم أن الذين قاموا بذلك كانوا من الذكاء والفطنة وسعة العلم والاطلاع، حتى كانت تسبق أسماءهم ألقابٌ برّاقة رنانة كالإمام والمجدد وعميد الأدب العربي ورئيس مجمع اللغة العربية وغيرها من الألقاب، إلا أنهم فشلوا في إبعاد الأمة إبعادًا تامًا عن عقيدتها وتاريخها وحضارتها فإذا بالأمة تعود سريعًا لتتمسك بدينها باعتباره المبدأ الصحيح الذي فيه وحده نجاتها وفوزها في الدنيا والآخرة.

فما بالنا اليوم ومن يقوم على التجديد الديني هذا رجال أقل شأنًا وأضحل علمًا وأقل ذكاءً ممن قاموا بجولته الأولى تحت إشراف الكافر المستعمر، فمما لا شك فيه أن فشلهم سيكون حتميًا وسريعًا، فمن خيبتهم أن يتولى القيام على هذا الأمر أمثال إسلام بحيري وإبراهيم عيسى وسيد القمني وغيرهم ممن لفظتهم الأمة وأدركت واقعهم، ونياتهم الخبيثة وغايتهم المنحطة.

إنه وإن كان التجديد مطلبًا شرعيًا إلا أن له رجاله الذين ينبغي أن يتولوا القيام به على وجهه، وله أصوله وقواعده، فلا يقوم به إلا مسلم عالم عدل يعمل على إعادة الدين إلى حالته الصافية النقية التي كانت عليه أيام النبي (saws) وصحابته رضوان الله عليهم فهمًا وتطبيقًا، علمًا وعملًا، أي يعمل على إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، وهو ليس بابًا مفتوحًا لكل من هبّ ودبّ، ولا القصد منه الإتيان بدين جديد يتوافق ويتلاءم ويتماشى مع العصر كما يراد من إطلاق تلك الدعوة مرة ثانية هذه الأيام، دين جديد لا سياسة فيه، ولا قتال ولا جهاد، دين كهنوتي مُنْزَوٍ في الزاوية والمسجد لا أثر له في الحياة، مفصول عنها، لا حياة فيه.

وما كان للدين الخاتم أن يكون هكذا، فهو دين حي حيوي قائم بذاته، له منظومته العقدية والفكرية الفريدة، تكفل رب العالمين بحفظ كتابه المبين، القرآن الكريم، من أن تطاله أيدي التبديل والتحريف والعبث، قال رسوله الكريم (saws) «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وهذا التجديد إذا تعلق بالنص يكون بإعادة العمل به على مستوى الفرد والجماعة والدولة، وإذا تعلق بالفهم يكون بضبط العقل وعدم إطلاق العنان له في التعامل مع النص بحيث تكون السيادة له على النص كما يريد المحرفون الجدد، بل لا بد من كبح جماح العقل بحمله على الانضباط بضوابط الفهم الشرعي. أما ما يقوم به هؤلاء برعاية أعداء الأمة وتحت إشرافهم فهو التلفيق والتحريف بعينه وهو مردود عليهم وعلى من يقف خلفهم ومكر أولئك هو يبور.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

منقول