في مثل هذا اليوم منذ 1969م، يحيي المصريون ذكرى هذا اليوم الذي استشهد فيه الفريق عبدالمنعم رياض وسط قواته وجنوده خلال حرب الاستنزاف التي أعقبت الهزيمة المريرة في 5 يونيو 1967م. ويعتبر الفريق أول عبد المنعم رياض واحدًا من أشهر العسكريين العرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
في 22 أكتوبر1919 ولد الفريق محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله في قرية سبرباي، إحدى ضواحي مدينة طنطا محافظة الغربية شمال القاهرة، وكان والده قائم مقام (العقيد) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية حيث تخرج على يديه الكثيرون من قادة المؤسسة العسكرية.
درس في كتّاب القرية وتدرج في التعليم حتى وصل إلى كلية الطب بناءً على رغبة أسرته، لكنه بعد عامين من الدراسة فضّل الالتحاق بالكلية الحربية حيث أنهى دراسته عام 1938، واهتم بالتحصيل العلمي في العلوم العسكرية والمدنية، حيث نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944، وأتم دراسته معلما للمدفعية المضادة للطائرات بامتياز في بريطانيا عامي 1945 و1946.
تدرج في الحياة العسكرية واشترك في العديد من الحروب، ففي عام 1941 عيّن بعد تخرجه في سلاح المدفعية، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية، وقد اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي. وخلال عامي 1947 و1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين خلال حرب تحرير فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي أظهرها آنذاك.
في 9 أبريل 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفياتي لإتمام دورة تكتيكية تثقيفية في الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز، ولقب هناك بالجنرال الذهبي، وبعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960. وفي عام 1964 عيّن رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقّي عام 1966 إلى رتبة فريق، وفى مايو1967 وبعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن أصبح قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان.
وكان أحد الأعمدة الرئيسية التي تم الاعتماد عليها في إعادة بناء وتنظيم القوات المسلحة المصرية وحرب الاستنزاف بعد الهزيمة المريرة في 67.
بين شهيد وسماسرة
وبعكس جنرالات كامب ديفيد مثل السيسي والعصار الذين سخروا مصر وجيشها من أجل مصالحهم الشخصية والتحالف مع العدو الصهيوني الذي احتل بلادنا وقتل مئات الآلاف من شبابنا، كان الشهيد عبدالمنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب على إسرائيل، ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصرا عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان لا مجرد استراتيجية عسكرية. وكان يرى أن القادة يُصنعون بالعلم والتجربة والفرصة والثقة، وكان يحث على بناء القادة وصنعهم بحيث يمتلكون القدرة على إصدار القرار في “الوقت المناسب”، وكان يجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية.
وفي 11 يونيو 1967 اختير الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها.
حقق انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف، مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بور فؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968. وفي عام 1968 عُيِّن أمينا عاما مساعدا لجامعة الدول العربية، وكان آخر ما أسند إليه من مهام إدارة معارك المدفعية ضد القوات الإسرائيلية المتمركزة في الضفة الشرقية لقناة السويس خلال حرب الاستنزاف.
شهادة رياض
وبعكس جنرالات العسكر الذين لا يعنيهم سوى السلطة والحكم والامتيازات السياسية والاقتصادية، كان رياض مثالا للقائد العظيم الذي يشارك جنوده الثبات والصمود في مواقع الجهاد والحروب، فقد كان رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل، وأنه لا مجال لاستعادة الأرض أو فرض السلام إلا بالانتصار العسكري، لذلك أشرف على خطة تدمير خط بارليف الإسرائيلي، العقبة الرئيسية أمام عبور القوات المصرية قناة السويس، حيث استنتج صعوبة مُجاراة إسرائيل في سلاحها الجوي.
وحدد رياض يوم السبت 8 مارس 1969 موعدا لبدء تنفيذ خطة تدمير خط بارليف، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لمدة أربع ساعات متواصلة، لتكبّد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة، في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل أكتوبر1973.
لم يكن رياض يؤمن بحتمية الحرب فقط، بل كان يؤمن أن النصر متحقق إذا “وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية، فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه”، بحسب ما كان يردده دائما.
في صبيحة اليوم التالي لبدء المعارك الأحد 9 مارس 1969 قرر رياض أن يتوجّه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة، وأن يزور أكثر المواقع قربا من خط المواجهة، حيث لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، وفجأة انهالت القذائف الإسرائيلية على الموقع وانفجرت إحدى طلقات المدفعية قرب رياض الذي استشهد بعد دقائق عن عمر يناهز الخمسين عاما.
وقد نعاه الشاعر السوري نزار قباني موضحا الفارق بين الجنرال الشهيد وسماسرة العسكر:
لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..
لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
لو مدمنو الكلامِ في بلادنا
قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..
واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ
يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ
الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..
أنتَ بها بدأتْ..
يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ
جميعهم قد هُزموا.. ووحدكَ انتصرتْ