هو المرشد الثالث بعد الإمام المؤسس حسن البنا والإمام حسن الهضيبي.
وبعدهما جاء الأستاذ عمر التلمساني مرشداً عاماً للإخوان المسلمين. والأستاذ عمر.. هادئ الطبع، لين الكلمة، رقيق المشاعر، إذا قرأت كتبه وجدت عجباً، كيف ينفذ هذا الرجل بالكلمات الهادئة فتصنع بك أكثر من الخطب الحماسية.. كأنها الإعصار الصامت الذي لا تحسّ له أثراً إلا في نفسك وقلبك.
ولد الأستاذ عمر في عزبة التلمساني بناحية نوى من أعمال مركز شبين القناطر محافظة القليوبية بمصر فى 4 نوفمبر 1904م.
ونشأ في بيت واسع الثراء، فجده لأبيه من بلدة تلمسان غرب الجزائر، فقد هاجر أحد أجداده إلى القاهرة عام 1830م، وكان جده ووالده يعملان في تجارة الأقمشة والأحجار الكريمة.. ثم أنهيا تجارتهما واتجها إلى الزراعة، واستقرا في قرية نوى التابعة لمركز شبين القناكر بالقليوبية.
نشأ الأستاذ عمر في أسرة كريمة تتمسك بالدين والفضائل، وكان جده سلفي النزعة، طبع كثيراً من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نفقته الخاصة.
تلقى دراسته الابتدائية في الجمعية الخيرية، ثم التحق بالمرحلة الثانوية بالمدرسة الإلهامية بالحلمية، وكانت أسرته قد انتقلت إلى القاهرة بعد وفاة جده.
وفي هذه الفترة المبكرة من حياته قرأ كتب الأدب الشعبي من أمثال: سيرة عنترة بن شداد، وسف بن ذي يزن، وطالع كل ما كتبه المنفلوطي، وإلى جانب ذلك حفظ القرآن الكريم، وقرأ كثيرا من أمهات الكتب العربية مثل: تفسير القرطبي والزمخشري وابن كثير وطبقات ابن سعد ونهج البلاغة والعقد الفريد لابن عبد ربه وصحيح البخاري ومسلم، كما طالع العديد من كتب الأدب العالمي.
ولعل هذه الثقافة المتنوعة هي التي طبعت شخصية التلمساني، ووسعت أفقه ونظرته في الحياة، وأرهفت حسه ومشاعره، وأنضجت خبراته ومعارفه.
وفي سن الثامنة عشرة تزوج الأستاذ عمر التلمساني، وهو لا يزال طالباً في الثانوية العامة، وظل وفياً لزوجته حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م.
وفاته
توفي الأستاذ عمر التلمساني في 22 مايو 1986 عن عمر يناهز 82 عاماً.
صلّي عليه بجامع عمر مكرم بالقاهرة.. وكان تشييعه في موكب شارك فيه أكثر من نصف مليون نسمة.. وحضر الجنازة رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس مجلس الشعب، وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية.. وممثل عن الكنيسة القطبية.
وعلق صوت أمريكا على ذلك فقال: إن هذه الجنازة أظهرت قوة وفعالية التيار الإسلامي في مصر خاصة وإن أغلبية من حضروا كانوا من الشباب.
ومنذ لحظة انضمام التلمساني إلى دعوة الإخوان المسلمين أصبح ملازماً للأستاذ البنا يتعلم منه مبادئ الدعوة، ويرافقه في سفراته إلى مختلف أنحاء القطر المصري، كما كان الأستاذ التلمساني في قلب كل المحن التي ألمت بالجماعة، وكان شاهداً على حركة الجماعة في مدها وجزرها.
وبعد وفاة الأستاذ حسن الهضيبي ونائبه الدكتور خميس حميدة، تولى الأستاذ عمر التلمساني في نوفمبر 1973م إرشاد الجماعة باعتباره أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سناً، ولم يكن للجماعة وضع قانوني منذ أن عُصف بها وبفروعها، وأصبح التلمساني هو مرجع الجماعة، حيث لم يكن للجماعة تنظيم يخشاه الأمن في مصر، وكان الأمن في مصر يتعامل معه على هذا الأساس.
و عن الثورة المصرية وعن جمال عبدالناصر.. وما اقترفته يداه بحق الإخوان المسلمين.. يقول: كانت القضية الكبرى بيننا وبينه عندما رفضنا تأييد معاهدة الجلاء التي وقعها مع الإنكليز.. كانت المعاهدة تمسّ بأمن مصر، ولا يمكن أن نوافق على ذلك.
كان عبدالناصر يعتقد أنه لن يستطيع أن يحكم مصر على طريقته، إلا إذا قضى على الإخوان المسلمين.. فلفق لهم مسرحية المنشية.. و عن الاغتيالات عموماً.. قال: لو قبلت الاغتيال لحكمت على نفسي، إذ أن معنى هذا أن من حق كل إنسان يختلف معي في الرأي أن يقتلني.
الاغتيال لا يصنع التغيير، فالتغيير الحقيقي يجب أن يكون بالتوعية السليمة لا بالعنف.. ولا حرج أو ضرر إذا استغرق التغيير زمناً.. فإن حياة ألأمم ليست سنوات معدودة .
ويتحدث الأستاذ عمر عن مرحلة السادات التي بدأت بعد موت جمال عبد الناصر الذي حكم مصر 18 عاماً، فيقول: لقد تنفس الكثير من أصحاب الرأي والفكر والعقيدة الصعداء، وخاصة من كان داخل السجون السوداء لهذا العهد، لانتهاء العصر الذي حوربت فيه الكلمة والعرض والشرف والعقل، وسحق فيه كل معارض ينبس ببنت شقة، وجرى ذلك كله تحت شعارات زائفة ترضي أذواق الحكام في دول متخلفة منها حماية مكاسب الثورة، والقضاء على أعداء الثورة.
لقد بدأ هذا العهد بمصر والسودان كيان واحد، وانتهى بمصر فاقدة السيادة على ثلث أرضها بعد أن سلمت سيناء لقمة سائغة لدولة إسرائيل.. المزروعة قسراً في المنطقة العربية كجسر للصهيونية العالمية.. ولمطامع الغرب في احتواء المنطقة العربية والإسلامية.. لقد صغّروا من حجم هذه الهزيمة النكراء فقالوا عنها نكسة.. مجرد نكسة.
وبعد 17 عاماً قضاها شيخنا التلمساني في السجن خرج مع من خرج من الإخوان بعد إعلان السادات إغلاق المعتقلات والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
لم ينس الإخوان بالطبع أن أنور السادات كان أحد قضاة محكمة الشعب التي حكمت بالسجن والإعدام على قادة الإخوان في نهاية عام 1954م.
ويتابع الأستاذ عمر فيقول: إن الخلاف الحقيقي الذي حدث بين الإخوان والسادات يتعلق بزيارته للقدس واعترافه بإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
ولقد حدد ذهاب أنور السادات في مبادرته للقدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفد ومعاهدة الاستسلام لإسرائيل، حدد العلاقة بينه وبين الإخوان الذي يرفضون الاستسلام للعدو على حساب شعب فلسطين.
ويتابع الأستاذ عمر فيتحدث عن الرسالة التي بعث بها ريتشارد ميتشل إلى رئيس هيئة الخدمة السرية بالمخابرات المركزية الأمريكية جاء فيها أن القوى الحقيقية التي يمكن أن تقف ضد اتفاقية السلام المزمع عقدها بين إسرائيل ومصر هي التجمعات الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان المسلمين، وبناء على ذلك ينصح بتوجيه ضربة قوية لهذه الجماعة.
قبل توقيع الاتفاقية ويوم تحدث السادات في خطاب عام ولمز في حديثه الإخوان.. قال له الأستاذ عمر أشكوك إلى الله.. وعندما طلب منه السادات أن يسحب شكواه.. قال له: لقد شكوت إلى عادل بيده الحكم وإليه المصير.