المرجعية الشعبية في تجارب الإخوان السياسية

الكاتب الصحفي عادل الأنصاري
الجماعة رفضت في عهدي السادات ومبارك التقدم بأحزاب سياسية وفقا لمرجعية غير شعبية.
– رفض أو قبول الأحزاب لا يتم إلا من خلال مرجعية شعبية ولا يحق لحاكم أن يمنح هذا الحق أو يمنعه عن تيار شعبي
– الأحزاب السياسية أداة في يد الشعب يختار منها بإرادته ويرفض منها بإرادته ولا تكون أداة في يد الحاكم يقدم منها ما يراه مناسبا ويؤخر منها من يراه معاندا
– الانتخابات أولا كانت أحد تجليات المرجعية الشعبية ليتشكل الدستور بإرادة شعبية خالصة
– وثيقة السلمي كانت مصادمة للمرجعية الشعبية لأنها سعت لفرض بنود فوق الدستور وتتخطى إرادة الشعب
الرئيس مرسي اشترط في الانتخابات المبكرة أن تكون تابعة لانتخابات برلمانية خوفا من انفراد العسكر بالحكم بعد حدوث فراغ من كل المؤسسات الشعبية المنتخبة

عادل الأنصاري :
لماذا أقدمت جماعة الإخوان المسلمين على تأسيس حزب سياسي يعبر عن رؤيتها ويتبنى مشروعها الحضاري والسياسي بعيد ثورة يناير 2011 م بينما رفضت فكرة تأسيس حزب سياسي في غير مرة عبر تاريخها الطويل؟

فما هو المتغير الذي حدث عقب الثورة ودفع الجماعة لتبني -بل الحماس لتأسيس- حزب “الحرية والعدالة” بينما رفضت الانخراط في أكثر من مشروع في عهدي السادات ومبارك حتى وإن كان على سبيل المحاولة.
ولعل علامات استفهام لها اعتبارها يمكن أن ترد على أذهان الكثيرين حول الأسباب التي دفعت الجماعة لرفض هذه التجارب في السابق حتى أن أحدها تسبب في حدوث انشقاق كبير في الجماعة نتيجة إصرار مكتب إرشاد الجماعة على رفض الانخراط والاستمرار في تجربة حزب الوسط التي تشجع لها نفر من قيادات الجماعة خاصة في قسم المهنيين.
إلا أن قراءة متأنية لفكر الجماعة السياسي عبر تاريخها الطويل يسهل على المطالع والمتسائل التعرف على الأسباب التي كانت وراء الرفض الحاسم لتأسيس حزب قبل الثورة، والانخراط العاجل للجماعة في تأسيس حزبها الأول “الحرية والعدالة “ بعيد ثورة يناير.
ومن خلال هذه القراءة المتأنية لنا أن نقف عند مفهوم “المرجعية الشعبية” عند جماعة الإخوان كمحدد رئيس لتفسير ظاهرة الرفض المطلق لفكرة تأسيس الحزب في مرحلة مبكرة وعلى مدار عقود من الزمن، في مقابل الإسراع في تأسيس حزب سياسي بعيد ثورة يناير.
وبقراءة التاريخ السياسي للجماعة نجد إصرارا لدى الجماعة على التعاطي مع ضرورة ووجوب مرجعية الشعب في منح تيار سياسي حق الحكم وحق المنافسة عليه أو حجب هذا الحق عنه.
ونطرح هنا عددا من المواقف السياسية خلال تاريخ الجماعة للتأكيد على فكرة المرجعية الشعبية والتعامل معها على أنها فكرة جوهرية في الفكر السياسي للجماعة لا تحيد عنه ولا تقبل غيره ومن ذلك:
– رفضت الجماعة في عهدي السادات ومبارك التقدم بأحزاب سياسية وفقا لمرجعية غير شعبية حيث كان الحصول على الترخيص يتم من خلال لجنة الأحزاب المعينة من الحاكم، وكانت الجماعة تصر على أن يكون تأسيس الحزب بالإخطار لا بالترخيص من جهة غير شعبية وذلك لعدة اعتبارات:
أن الأنظمة الحاكمة لم تأتِ من خلال مرجعية شعبية أو من خلال انتخابات حقيقية، ومن ثم لا يحق لها أن تمنع تيارا شعبيا من تأسيس حزب أو تمنحه هذا الحق.
الموافقة أو رفض الترخيص لأي تيار سياسي أو شعبي لا تتم إلا من خلال الرجوع إلى الشعب ولا يحق لحاكم أن يفتئت على حق الشعب في منح تيار شعبي حزبا سياسيا أو منعه هذا الحق.
المنافسة السياسية التي ستترتب على تأسيس حزب سياسي لن تكون منافسة حقيقية دون الرجوع للشعب من خلال انتخابات صادقة وحقيقية تضمن تعبير الشعب عن إرادته دون تزييف أو تزوير.
أن تكون الأحزاب السياسية أداة في يد الشعب يختار منها بإرادته ويرفض منها بإرادته، يقدم منها من يطمئن له ويؤخر منها من يتوجس منه، ولا تكون الأحزاب السياسية أداة في يد الحاكم، يقدم منها ما يراه مناسبا ويؤخر منها من يراه معاندا.
هذه الاعتبارات كانت من أبرز الأسباب التي دفعت الجماعة للإحجام عن الانخراط في تجربة تأسيس حزب سياسي في مناخ سياسي تقع فيه الأحزاب في قبضة الحاكم وليس للشعب دور أو إرادة حقيقية وفاعلة في تقديم من يريد تقديمه وتأخير من يريد تأخيره.
– ووفقا لهذه الاعتبارات نفسها سعت الجماعة لتأسيس حزب سياسي بعيد ثورة يناير عندما أدركت أن الشعب امتلك إرادته وباتت مرجعية تأسيس الأحزاب بيد الشعب بضمانات ثورية ألزمت المجلس العسكري حينها الرضوخ لإرادة الشعب والاستجابة لمطالبه، ومن ثم سارعت الجماعة في ظل هذا المناخ الجديد لتأسيس حزبها السياسي الأول.
الانتخابات أولا
وقد كان لفكرة المرجعية الشعبية لجماعة الإخوان تجليات أخرى في تاريخها السياسي ظهر في الإصرار الواضح عقب ثورة يناير على ما اصطلح عليه حينها “الانتخابات أولا”؛ حيث أصرت الجماعة على أن تكون مرحلة الانتخابات البرلمانية سابقة لمرحلة صياغة دستور جديد والاستفتاء عليه.
وهو الأمر الذي يتولد من فكرة المرجعية الشعبية في تأسيس الدستور؛ حيث لا تفتئت السلطة الحاكمة حينها [المجلس العسكري] على الشعب في اختيار من يقوم بصياغة الدستور وتأسيسه ، على أن تكون المرجعية للصندوق وتكون مهمة صياغة الدستور منوطة بمن اختارهم الشعب لا من اختارهم الحاكم أو السلطة الحاكمة.
وثيقة السلمي
وقد تجلت فكرة المرجعية الشعبية أيضا في إصرار الجماعة على التصدي بقوة والدخول في أول صدام مع المجلس العسكري بسبب ما عرف حينها بوثيقة السلمي التي أصر المجلس العسكري أن يفرض في الدستور قبل صناعته وتأسيسه ما أسماه حينها “بنودا فوق دستورية” تضمن للجيش سلطة فوق سلطة الشعب وإرادة فوق إرادته.
لقد اتسمت كثير من سياسات الجماعة بعد الثورة بمرونة صنفها البعض –على غير الحقيقة– نوعا من التفاهم بين الجماعة والمجلس العسكري، إلا أن إصرار الجماعة حينها على رفض فكرة المبادئ غير الدستورية كانت كفيلة بتوتر العلاقة بين الجماعة والمجلس بصورة كبيرة.

ومع هذا فقد ظل خيار الجماعة الاستراتيجي هو الإصرار على المرجعية الشعبية، فانحازت لثوابتها السياسية على حساب تحقيق أي مكاسب سياسية كانت قاب قوسين منها أو أدنى إذا قبلت وثيقة السلمي أو رضيت بالبنود فوق الدستورية على غير رغبة الشعب ودون أن تخضع لاختياراته.

لقد كان خيار الجماعة أن يأتي تأسيس الدستور الجديد من خلال لجنة يختارها الشعب ومن خلال استفتاء على كامل البنود ليكون الشعب هو صاحب المرجعية وليس السلطة الحاكمة كما أراد العسكر حينها.
الانتخابات المبكرة
وقد كانت رؤية الرئيس محمد مرسي في الموافقة على الانتخابات المبكرة مشروطة بضمان وجود المرجعية الشعبية، وهو ما كان واضحا في خطابه الأخير عندما أكد كامل استعداده لإجراء انتخابات مبكرة ولكن عقب انتخابات برلمانية تضمن بقاء المرجعية الشعبية دون السماح لحدوث فراغ يتسلل منه العسكر إلى السلطة بعيدا عن المرجعية الشعبية.
أما السماح بعمل انتخابات رئاسية مبكرة في ظل غياب البرلمان فلا يعدو كونه تسليما مباشرا من الرئيس المنتخب شعبيا للبلاد بصورة رسمية إلى القيادة العسكرية، في ظل غياب كامل لكل ماله علاقة بمرجعية الشعب ومؤسساته المنتخبة سواء كان مؤسسة البرلمان أو مؤسسة الرئاسة لتظل المؤسسة العسكرية باقية في ظل غياب الشعب ومؤسساته المنتخبة.
كما أن إصرار الجماعة على الحديث عن شرعية الرئيس ما هي إلا فرع من الإصرار على المرجعية الشعبية لتكون بديلا عن مرجعية العسكر أو مرجعية أي سلطة سوى الشعب في اختيار الحاكم أو إعفائه.