أصوات كثيرة شُغِلت بالبحث عن الفاعل في حادث كنيسة المرقسية وذهبت في هذا الباب كل مذهب، واعتمدت في ذلك على كثير من التنبؤ والتخمين وربما الخيال.

كل هذه الأصوات أُهِدرت في لغو لا يعدو على كونه ظن لا يغني من الحق شيئاً، على الرغم من أن اليقين الوحيد في المسألة هو الحديث عن المسؤول وليس عن الفاعل والأداة؟!

حادث الكنيسة خطيئة من خطايا كثيرة لمسؤول واحد عن كل ما نعيشه في واقعنا من سوءات ونكبات، والحادث ليس الأسوأ على كل حال.

المسؤول الحقيقي هو الانقلاب العسكري وكل من استدعاه وساهم في وصوله ومكن له ومازال.

ردة الفعل الواجبة على هذا التفجير وغيره ينبغي أن تُوَجَّه مباشرة للسيسي والعسكر والإنقلاب باعتبارهم أُس الفساد وسبب الخراب.

ثلاثية الشؤم هذه تتحمل كامل المسؤولية عن كل بلاوي الوطن ووتشارك بأوفى النصيب في جزء كبير من جرائم وسوءات الإقليم.

التعاطي الطائفي مع حادث الكتدرائية يأخذ الصراع الحالي في غير اتجاهه الواجب وحقيقته الناصعة، ما نأخذه على الكنيسة في معركة الثورة والوطن ليس كونها كنيسة أو لمجرد أنها الكيان المنظم للنصارى المصريين.

هناك من استدعي سلوك الكنيسة ليبرر الشماته في ضحايا تفجيرات كنيسة المرقسية أو يهلل لوقوع الأحداث باعتبارها ثأراً لدماء مسلمة وشهداء أبرار سقطوا هنا أو هناك.

قد نقبل ذلك من العوام والسذج فهم عادة ما تأخذهم العواطف وينطلقوا من ردود أفعال عفوية ناتجة من انتماء عاطفي وتفكير سطحي،  لكن غير المقبول أن يسقط الخبراء والمحللون في تفسيرات غير منطقية للأحداث.

نعم حاربت الكنيسة المصرية ثورة ينايرة ومارست السياسة بقذارة يوم رفضت الرئيس المنتخب وسعت وشاركت في كل فعاليات محاربته وإسقاطه.

نعم سقطت الكنيسة المصرية ورموزها في دعم الاستبداد من أظافر قدميها وحتى مفرق رأسها، وتاريخها الحديث كله شاهد على ذلك.

نعم جلس رمز الكنيسة وكبيرهم البابا تواضروس كأحد أركان طغمة بيان الانقلاب في الثالث من يوليو.

كل ما سبق حقيقي، ولكن استدعوا لي مما سبق شيئاً لم يفعله شيخ الأزهر ولا ينطبق عليه؟؟.

ما الفارق إذن بين الكنيسة والمشيخة وبين البابا وبين الشيخ؟!.

عسير على نفسي أن أعقد مثل هذه المقارنه أو أن أستدعي هذا العنوان، بما كان ومازال للمشيخة والأزهر من رمزية وقداسة في قلوبنا تتجاوز من يقطنهم.

لكن لا أعتقد أحد يخالفني في أن ساكن المشيخة الحالي عضو لجنة السياسات تعدى الحدود حتى فتح الباب لي ولغيري بالتعاطي الحر معه، بعد أن مارس أحط أنواع النفاق وأسرف في مساندة الاستبداد والتواطئ على كل قيم الشرع والدين ودخل السياسة من أقذر أبوابها.

ما أقصده أن الاستنكار في الحالة الثورية التي نعيشها والغضبة للوطن الذي نحياها ليست من الكنيسة لكونها بيت النصارى، باعتبار أن خطيئة الانحياز للإنقلاب بما فيه من ظلم وبغي ومحاربة للدين والقيم والأخلاق شملت الكاهنين ــ الشيخ والبابا ــ على سواء.

سؤال أوجهه لشيخ الأزهر: ما هو دعاء ختام المجلس الذي ختمت به جلسة تلاوة بيان الإنقلاب الملعونة التي حضرتها؟!.

جلسة أخرى لم يكد يمر عليها أيام معدودات وكان شيخ الأزهر يمتطي منصتها في احتفال زور وبهتان بالمولد النبوي الشريف. وشهد الشيخ فيها حديث السيسي وهو يقول: (اللي يقدر على ربنا يقدر علينا).

أسائل الشيخ ما هي كفارة هذا اللغو الذي كنت له من المصفقين؟!.

هل يا “مولانا” تشهد للسيسي بأنه كما قال لم يخن ولم يقتل؟؟.. أم أنه عندك لا يُسأل عما يفعل بينما تجدنا نحن ــ معشر البشر ــ مسؤولون؟!.

لست بطبيعة الحال أدافع عن الكنيسة ولا أبرر سقطاتها ولا أغسل عارها بعار هذا الذي جلس على منصة الأزهر في غفلة من الزمن وغلطة من غلطات التاريخ.

فقط أؤكد أن استدعاء الطائفية في هذا الصراع سقطة يجب أن نترفع عنها وجهالة تستدعي الحاجة إلى التناصح والاعتذار، وأشدد على أن داعمي الانقلاب ومؤيدي الاستبداد وسدنة البيادة وأنصار العسكر وأزلام السيسي هم أعداء وطننا وثورتنا ومرمى سهامنا أيا كانت أيدلوجيتهم أو رصيدهم الفكري.

البعض كذلك يستدعي ضلوع الكنيسة في ميلشيات البلاك بلوك، نعم هذا ثابت وحقيقي ولا يختلف عليه اثنان، ولكن أين كان محمد أبو حامد من هذه الميلشيات؟! وأين كان من موقعة الجمل وغيرها كل من مرتضى منصور وابو العنين وفتحي سرور وووووو…والحبل عالجرار.

ليس في كلامي ما يُحمل على أنه دعوة إلى تغييب الدين ولا العاطفة الإسلامية عن الصراع، بل أؤكد أن كلاب الداخل وخنازير الخارج الذين يجتمعون عليناً إنما يتداعون لمواجهة للإسلام وحرباً عليه!!.

ولكن أؤكد واحترم كل من حرر الخلاف والصراع من خلط يضر ولا يفيد، فالشماتة والكراهية للضحايا باعتبار أنهم نصارى أمر يحتاج الى مراجعة واستنكار، بل الواجب اثبات الحرمة لكل دماء المصريين ما لم يثبت عليها جريمة استهداف ثورتنا ومحاربة ديننا بدليل دامغ وشهود إقرار.

وفي ذات الوقت أؤكد البُغْض والمفاصلة واللعنة والحرابة حداً وقصاصاً لكل من شارك في إهدار ثورتنا واستدعى أو دعم أو أيد الانقلاب كائناً من كان وأياً كان انتماؤه أو دينه أو عقيدته.

لست أرى فرقاً كبيراً بين تاوضروس وأحمد الطيب، وليس ثمة اختلاف يُذكر بين فساد وبَغَي نبيل صليب كأحد مجرمي قضاء الزور الحالي وبين محمد شرين فهمي أو محمد ناجي شحاته.

لا فارق كبير عندي بين نجيب ساويرس من ناحية وأبو هشيمة وكمال الهلباوي أو حتى عمرو خالد وعلي جمعة من ناحية أخرى!!.

إن التترس بالعقيدة واجب الوقت وكل وقت، لكن يظل الوعي الكافي بالصراع وحقيقته وأطرافه أحد ألزم واجبات العقيدة الصحيحة, هذا الواجب يستدعي في حقيقته تحرير الصراع وتحديد رموزه وقاعدته.

وتبقى كلمة أخيرة أن التوسع والإسراف في صناعة عدوات بحق وبغير حق يضر ولا ينفع ويؤخر النصر ويمنح الفرص للأعداء الحقيقيين ويطيل أمد المعركة.

وأعتقد أننا لسنا في رفاهية ذلك الآن!!.