الشامخ في مهب الريح.. أحكام جائرة تعصف بالعدالة وقوانين تهدر استقلاله

شدد النظام العسكري الحاكم قبضته على مصر منذ ستة عقود، وبات يراهن على القبضة الأمنية في تكريس حكمه الشمولي السلطوي، معتمدا على مؤسسات الدولة، وأهمها المؤسسة العسكرية، ثم المؤسسة الأمنية، ثم مؤسسة القضاء والإعلام.

ويحاول إعلام السلطة منذ انقلاب 03 يوليو 2013م، الترويج بكثافة لنزاهة المؤسسة العسكرية وعدم التعرض لها بالنقد أو كشف مساوئها وفسادها، بالإلحاح على أنهم “خير  أجناد الأرض”، كما يسعى الإعلام لتحصين مؤسسة القضاء بالترويج الكاذب أن قضاء مصر شامخ، ولا يجوز التعليق على أحكامه باعتبارها عنوانا للعدالة.

لكن ما جرى بعد ثورة 25 يناير 2011، و03 يوليو 2013، أدى إلى اختراقات واسعة في هذه الحملات الإعلامية المضللة، فلا الجيش هو خير أجناد الأرض، ولا القضاء شامخ، بل جلهم وصلوا إلى مناصبهم بالرشاوى والمحسوبية والتوريث على حساب من هم أعلى منهم في المؤهلات والقدرات، وأجدر منهم في اعتلاء منصة القضاء، وأصلح منهم في إقرار العدالة بنزاهة وإقامة الوزن بالقسط فلا يخسرون الميزان.

بالأحكام السياسية الجائرة، ومنها أحكام الإعدام بالجملة، والأحكام الانتقامية من الإسلاميين ونشطاء ليبراليين ويساريين لمجرد مشاركتهم في ثورة يناير، وآخرها حكم اليوم من جنايات القاهرة بالمؤبد على مستشار وزير المالية في عهد الثورة الدكتور عبد الله شحاتة في قضية ملفقة استند فيها القاضي على تحريات الأمن الوطني باعتبارها دليلا على الإدانة، ما يخالف أبجديات أي منطق قانوني يؤكد أن العدالة في مصر ماتت على وقع استبداد العسكر والقضاء.

معركة استقلال القضاء

قبل ثورة يناير 2011، انقسمت المؤسسة القضائية بين “قضاة الاستقلال” الذين دعموا الثورة وطالبوا بتطهير القضاء، و”قضاة السلطة” الذين تواروا خلف الأسوار بسبب انتشار المد الثوري والغضب من مجاملتهم السلطة بأحكام قضائية فاسدة تنتهك العدالة.

وأثناء الثورة أخطأ المستشار أحمد مكي، وزير العدل السابق، حين نقل تبعية التفتيش القضائي من بين يديه إلى مجلس القضاء الأعلى، وتوقع الجميع أن يبادر مجلس القضاء الأعلى بعملية تطهير للقضاء بعد أن صار مطلبا شعبيا وثوريا ملحا، فإذا بالمجلس الذي ضم قضاة مبارك يكافئ النائب العام السابق بتعيينه رئيس محكمة استئناف بدلا من أن يحيله للصلاحية، ويرفض محاسبة أحمد الزند على تجاوزاته واشتغاله بالسياسة هو وتهاني الجبالي، ما دعا بعض شباب الثورة للتساؤل علي مواقع التواصل الاجتماعي: هل مجلس القضاء الأعلى هو أيضا أحد أركان الدولة العميقة وأحد رموز النظام القديم؟!.

وضمن خطة ما قبل الانقلاب، سعى قضاة السلطة لممارسة البلطجة، بقيام 12 من وكلاء النيابة بإشهار السلاح ضد “النائب العام” طلعت عبد الله، ولم يعاقبهم أحد، كما أطلقوا النار من مسدساتهم على متظاهرين اعترضوا على ما يفعله قضاة الدولة العميقة ووكلاء النيابة الذين عينهم النظام السابق.

وعقب انقلاب 3 يوليه 2013، عمد السيسي وجنرالات الانقلاب إلى اتباع خطة عاجلة للتخلص من “قضاة الاستقلال”، وإحلال قضاة آخرين أغلبهم من وكلاء النيابة والنيابة الإدارية وأمن الدولة وضباط الشرطة السابقين، غالبيتهم من أبناء القضاة الفاسدين أو المسئولين في الجيش والشرطة، ليتعاظم الفساد ويختفي شعار “تطهير القضاء”.

كما أصدر مجلس إدارة نادى القضاة، برئاسة الزند، قرارًا في يوليه 2013، بشطب 75 قاضيا ينتمون إلى «قضاة تيار الاستقلال» من عضوية الجمعية العمومية لنادى قضاة مصر، وفي 14 مارس 2016 أحال مجلس تأديب وصلاحية القضاة 31 مستشارا من المتهمين بالتوقيع على بيان يرفض عزل الرئيس محمد مرسى إلى “الصلاحية”، أي المعاش المبكر، ثم أصدر مجلس التأديب الأعلى للقضاة حكما نهائيا بعزل 15 قاضيا بتهمة الانضمام لحركة قضاة من أجل مصر، المعروفين إعلاميا بقضاة “بيان رابعة”، وفي مايو 2016 صادق السيسي على قرار بعزل 44 قاضيا من مناصبهم وإحالتهم إلى التقاعد، على خلفية اتهامات؛ بينها الاشتغال بالسياسة وإصدار بيان يدعم اعتصام “رابعة العدوية”.

وتمت إحالة المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي قضاة مصر الأسبق إلى المعاش، في واقعة اتهامه بالتورط في اقتحام مقرات جهاز أمن الدولة المنحل إبان ثورة 25 يناير، وعلّق عبد العزيز معتبرا أنه “تصفية حسابات مع ثورة 25 يناير”.

وأفضى هذا الفساد في القضاء واعتماد تعيينات دفعات النيابات على التوريث والمحسوبية، إلى إبعاد وفصل قضاة الاستقلال بعد إحالتهم إلى لجان الصلاحية (التأديب)، وبالمقابل تعيين المئات من أبناء القضاة الفاسدين.

وانهالت المكافآت والرشاوى الحكومية من النظام العسكري على القضاة، ضمن مخططات السيطرة على “الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، لضمان ولائهم بصورة أكبر، وحصلوا على عشرات المكافآت نظير تغييبهم الآلاف وراء قضبان السجون، أو إرسالهم لحبل المشنقة إرضاءً للانقلاب.

قانون السلطة القضائية المشبوه

ولمزيد من السيطرة على القضاء وتطويعه لسلطة الانقلاب، أصدر السيسي قانونا مشبوها  باسم “تنظيم تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية” في 27 أبريل 2017، يلغي الأقدمية في رئاسة الهيئات القضائية، ويجعل تعيين كبار القضاة بيد السيسي.

وفي سياق تعليقه على هذا القانون المشبوه، يقول المستشار طارق البشري: إن “الأقدمية منعت تغول السلطة التنفيذية على القضائية”، وأن قانون السيسي “يعتدى على ما نص عليه الدستور من ضمانات لاستقلال القضاء، ويهدر استقلاله”.

وكان الهدف من قانون السيسي هو إبعاد القاضيين يحيى الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة، وأنس عمارة نائب رئيس محكمة النقض، ومنعهما من رئاسة المحكمة، والتخلص منهما لأن الدكروري هو صاحب حكم بطلان اتفاقية تسليم تيران وصنافير للسعودية، و”أنس عمارة”، ألغى العديد من أحكام إعدام الإخوان في محكمة النقض وأعاد المحاكمات؛ لأنه لم يعترف بتحريات أمن الدولة كدليل وحيد على الإدانة.