كتب حاتم مدني
تلقي تيران وصنافير بظلالها القاتمة ليست على العلاقات بين الشعبين الشقيقيين المصري والسعودي فحسب ، ولكن تضع علامات استفهام كبيرة حول علاقة ذلك بالكيان الصهيونى ، وتحذر من مخاطر كبيرة تحدق بقناة السويس .
وبتجرد وموضوعية يجب علينا أن نقيم الموقف طبقا لحسابات المكسب والخسارة في تلك العملية وهى التى تبدو من اللحظة الأولى أنها تصب لصالح الكيان الصهيوني ، وأنها تأتي في إطار عملية تقسيم جديدة في الوطن العربي على غرار ما جرى له فيما يعرف باتفاقية سايكس بيكو مطلع القرن الماضي .
المكاسب الإسرائيلية
وفيما يبدو أن الكيان الصهيوني وضع “قناة السويس” المصرية نصب عينيه وراح يخطط بكل السبل لإجهاض هذا المنفذ العالمي ومنافسته عبر مشروعين عملاقين للنقل البحري والبري منتهزا في ذلك فرصة وجود حاكم عسكري يدين بالولاء له ومواقفه الدولية تشهد .
ولا يمكن أن يتحقق نجاح أيا من هاتين المشروعين دون التخلص من النفوذ المصري المتمثل في سيطرتها على جزيرتى تيران وصنافير في مطلع خليج العقبة وهو النفوذ الذى يجعل كل السفن المارة من دول الداخل مثل إسرائيل والأردن والسعودية ” وإن كانت الأخيرة ليست بحاجة ماسة نظرا لاتساع سواحلها ” تحت رحمة القرار المصري في العبور إلى البحر الأحمر .
وبالتالي فإن تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة السعودية سيعطي الحق لسفن الكيان الصهيوني القادمة من ميناء إيلات في العبور بسلام في مضيقي تيران وصنافير المعروف باسم ممر ” انتر برايز ” بوصفها مياها ” دولية ” وخاضعة للاتفاقات الدولية ولايكون بحاجة آنذاك لموافقة السلطات السعودية ولا السلطات المصرية على العبور .
تدمير مشروع ” مرسي “
ومنذ عدة سنوات تدرس الحكومة الصهيونية إقامة ما يعرف باسم ” خط حديد إيلات – أشدود ” وهو الخط البري الرابط بين المينائين الإسرائيلين على البحر الأحمر والمتوسط .
ويعرف الخط أيضا باسم ” ريد – ميد ” وهو مشروع خط سكة حديد بطول 300 كيلومترات يربط بين أشدود على البحر الأبيض وإيلات على البحر الأحمر بتكلفة ملياري دولار ودعم صينى في رحلة لا تتجاوز الساعتين وتجري إسرائيل عمليات إنشاء الخط فعليا وينتظر الانتهاء منه منتصف العام الجاري .
ويتم خلاله نقل البضائع بريا لتوصيلها على الجانب الآخر كما ستقوم إسرائيل بعمل خدمات ” لوجستية ” على البضائع الواردة لها من الاتجاهين أثناء تفريغها مثل تحويل المواد النصف مصنعة إلى مصنعة كليا وتحويل المواد الخام إلى مواد مصنعة أو نصف مصنعة وهو المشروع اللوجيستي الذى كان يعتزم الرئيس محمد مرسي إنشاؤه في قناة السويس قبل الإطاحة به من الحكم ولكنه كان بذلك سيدمر خدمات مركز ” جبل علي ” للدعم اللوجيستي في الإمارات ما دفعها لتمويل السيسي للإطاحة به .
ويمتاز خط سكك الحديد الذى تزمع تل أبيب إنشاءه بتمويل صيني بأنه يمكن من نقل بضائع ذات أوصاف لا يمكن لقناة السويس أن تحملها من ناحية الأطوال والأحجام والأوزان .
أما المشروع الصهيونى الثانى فهو ما يعرف باسم ” قناة البحار ” أو ” تعالات هاياميم ” أي ” التخطيط والاستراتيجية بالعبرية ” يشير إلى القناة التى تربط البحر الميت بالبحر الأحمر ، بعد رفع منسوب المياه فى البحر الميت ، حيث تقوم إسرائيل بربط البحر الميت بالبحر المتوسط ، وبالتالى تتحقق الخطة التى حلم بها ، وسجلها تيودورهيرتزل الأب الروحى للصهيوينة في قناة تنافس قناة السويس .
وفي مايو الماضى قال موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية أن وزارة التعاون الإقليمي بالكيان الصهيونى قامت في إطار مؤتمر دولي عقد في العقبة، بعرض الجدول الزمني لمشروع ” قناة البحار ” والمرحلة الثانية المخطط لها قبيل البدء بتنفيذها .
وشاركت في المؤتمر الدول الشريكة في المشروع ، وكذلك مندوبون عن حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي الذى أقرض موخرا نظام السيسي 12مليار دولار من أجل مساعدته لتلافي الآثار الاقتصادية السيئة التى يعيشها المصريون وتجنب ردات الفعل الشعبية ولو مؤقتا لحين تثبيت وضع تنازل مصر عن الجزيرتين وبالتالى نجاح هذا المشروع.
يذكر أن التوقيع على مذكرة التفاهمات كان قد تم في واشنطن خلال 2013 . وستقوم الحكومة الأمريكية بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتمويل المشروع، وذلك تعبيرا عن الأهمية الكبرى التي توليها له.
هذا، وقد تم مؤخرا نشر مناقصة للتصنيف الأولي بشأن التنفيذ، وقد قامت 94 شركة من الشركات الرائدة في العالم باقتناء مستندات المناقصة .
المكاسب السعودية
في الواقع أن المملكة السعودية التى تتمتع بسواحل عملاقة على البحر الأحمر والخليج العربي ليست في حاجة لملكية الجزيرتين من الأساس لكن فيما يبدو أنها تتعرض لضغوط قوية للإصرار على ملكية الجزيرتين ولا هدف من ذلك سوي تخفيف الضغط الأمريكي والغربي عليها خاصة بعد فشلها في مستنقع اليمن وعدم تمكنها من تحيق انتصار يحفظ ماء الوجه أو حتى يضمن بقاء الحلفاء الغربيين معها .
واشتدت الحاجة لتقديم السعودية هدية ثمينة لإسرائيل والغرب عامة إلحاحا بعد صدور قانون ” جاستا ” في أمريكا الذى يفرض عقوبات مالية باهظة على الدول التى اتهم مواطنون ينتمون إليها بالمشاركة في تفجيرات 11سبتمبر 2001 خاصة أن الاستثمارات المالية في السعودية تصل إلى ما يزيد عن 150 مليار دولار وأنه قد يتم مصادرتها بتلك العقوبات .
كما يأتى ذلك كله وسط مخاوف سعودية من أن تنحاز الولايات المتحدة للطرف الايرانى في صراع النفوذ على دول الخليج العربي التى تحتفظ عدد كبير منها بنسب كبيرة من السكان الشيعة الذين يعتقد البعض أنهم يميلون بشكل أو بآخر للولى الفقيه في طهران .
ويزداد الخوف حينما وقعت إيران الاتفاق النووى مع أمريكا غير عابئة بمخاوف دول الخليج ومن قبل بالصمت الأمريكى على مدد النفوذ الإيرانى في العراق وسوريا وأخيرا اليمن .
لكل ذلك انغمست السعودية في الإصرار على ملكيتها لتيران وصنافير لأن ذلك وحده كفيل برفع كل تلك الضغوط من على كاهلها وبخسائر مادية شبه ضحلة تتمثل في عشرات المليارات من الدولارات التى قدمتها بالفعل لنظام السيسي وكادت أن تضيع سدى .
المؤامرة أكبر من الجزيرتين
المواقع الإخبارية الإسرائيلية لا تخفي أبدا علاقة إسرائيل بأغلب دول الخليج لاسيما السعودية سرا ، وتؤكد أن هناك تبادل استخباري تام وغير مسبوق بين المخابرات السعودية والإسرائيلية هذه الأيام ووجود عدة موضوعات مشتركة مثل التهديد من إيران والحركات التابعة لها مثل حزب الله والحوثيين وتعد الاتصالات الأولية المعلنة بين بندر بن سلطان ومئير داجان، ورئيس الموساد السابق تامير باردو تؤكد مدى قوة العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وعلى الرغم من أبو ظبي لطالما ارتبطت مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عبر القيادي المفصول من فتح محمد دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي، إلا أن ولي العهد محمد بن زايد يسعى الآن لتصبح العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب أكثر رسمية.
ووفقا للتقرير، فإن العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية على ما يبدو تجري أيضا فيما يخص الحرب الاليكترونية .
وتم توقيع العديد من الاتفاقيات بين إسرائيل الأردن والسلطة الفلسطينية ، وكذلك السعودية التى أرسلت نحو خمسين ضابطا للتدريب في إسرائيل على إدارة مضيق تيران منذ أكثر من ثلاثة أعوام وقبل التنازل المصري عنهما رسميا وذلك بحضور أمريكى ودعم بريطانى،وهو ما ذكره موقع البنتاجون الامريكى على الانترنت بالتفاصيل المملة وبأسماء الضباط السعوديين المشاركين في التدريبات ، وهو ما اعتبره وزير التعاون الإقليمى الإسرائيلى سيلفان شالوم هدية لروح هرتسل، حيث سيقضى هذا المشروع على قناة السويس تمامًا، وهى الفكرة التى اقترحها أميرال البحار البريطانى “وليم آلان” فى منتصف القرن الـ19 لمنافسة فرنسا، وضرب تنفيذها لمشروع قناة السويس .
لكن موقع ” Veterans Today ” العسكري الأمريكي راح ينشر تفاصيل الفضيحة التى لم تقتصر فقط عند تيران وصنافير بل امتدت إلى إدارة جزر قبالة قناة السويس نفسها .
الموقع كشف النقاب عن معلومات تفيد إبرام مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري المشترك بين الكيان الاسرائيلي والسعودية في البحر الأحمر منذ العام 2014.
وقد استند الموقع المذكور إلى وثيقة كشف عنها أحد المسؤولين في حزب “ميرتس” الإسرائيلي، المحسوب على ما يُسمى باليسار الصهيوني الإسرائيلي، حيث خلص الاتفاق، بحسب تقرير الموقع الأمريكي، إلى أن السعودية و”إسرائيل” ستديران مضيق باب المندب وخليج عدن وقناة السويس، بالإضافة إلى الدول المطلة أيضا على البحر الأحمر.
وأشار الموقع الأمريكي، المختص بالشؤون العسكرية، إلى أن المعلومات المنشورة من هذا المصدر ذكرت أن “إسرائيل” استضافت عدداً من الضباط السعوديين للمشاركة في دورات تدريبية عسكرية في قاعدة البولونيوم من ميناء حيفا في عام 2015. وعلى ما يبدو، وبهدف إرباك صناع القرار في الرياض، كشف الموقع عن أسماء الضباط السعوديين المشاركين في الدورات، ونشر الأسماء والرتب باللغة العربية.
ولفت الموقع، نقلاً عن المصادر ذاتها، أنّ الدورات شملت العديد من المجالات، ولكنّها بالأساس ركزت على تدريب الضباط السعوديين على الحرب في البحر، إضافة إلى دورات في القتال ضمن الوحدات الخاصة.
http://www.veteranstoday.com/…/formation-of-joint-militia-…/
المكاسب المصرية
في الواقع لا توجد مكاسب مصرية على الإطلاق فيما جرى ، فمصر التى لم تجنى سوى الخسائر هى من فقدت ورقة ضغط سياسية واستراتيجية ومالية قوية كانت بيدها على إسرائيل متمثلة في التحكم في المضايق ، وهى أيضا من ساهمت في إنجاح مشروعات إسرائيلية تقضى على أهم مصادر دخل النقد الاجنبي لها المتمثل في قناة السويس.
وإن كان ثمة مكاسب فهى تخص فقط إعطاء زخما دوليا ومشروعية لنظام عبد الفتاح السيسي ، فضلا عن ربط وجوده بمصلحة الكيان الصهيوني .
وقد بدا ذلك جليا من التصويت المصري لإسرائيل تارة في مجلس الأمن ، وسحب مشروع يدين الاستيطان تارة أخرى ، ودعاوى السيسي التى لا يكل ولا يمل منها بدعم الكيان الصهيونى وحماية حدوده وإقامة سلام دافئ معه ، فضلا عن وصم كل من يعاديه بالإرهاب لا سيما التيارات الإسلامية كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في مصر وحركتى حماس والجهاد في غزة والتيارات الجهادية في سيناء .