بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام سأبدأ في هذا الدرس إن شاء الله وبتوفيقه إن شاء الله تعالى سلسلة من الدروس تكمل دروس تربية الأولاد في الإسلام .
تربية الأولاد ينبغي أن تتضاعف في عصرنا الحالي عن العصور السابقة لكثرة المعوقات :
قبل سنوات عدة سبق أنني ألقيت ثلاثين درساً في تربية الأولاد وهذه الدروس والفضل لله عز وجل لاقت قبولاً حسناً في الأوساط الإسلامية وأذيعت في عدد ليس بالقليل من الإذاعات ولمرات عديدة .
السلسلة السابقة كانت حول مضمون التربية ، فهناك التربية الإيمانية والتربية الخلقية والتربية العقلية والتربية الجسمية والتربية النفسية والتربية الاجتماعية والتربية الجنسية هذه عناوين السلسلة السابقة ، الآن في سلسلة أخرى تكمل السلسلة السابقة وهي وسائل التربية الفعالة وهذه الحقائق يحتاجها كل أب ويحتاجها كل معلم وقبل أن أدلي ببعض التفاصيل لابد من تذكيركم بالحقيقة الخطيرة وهي أن الإنسان مهما بلغ من نجاحات في الحياة الدنيا إن لم يكن ابنه كما يتمنى وكما يطمح فهو أشقى الناس يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)﴾
(سورة طه : الآية 117)
بحسب قواعد اللغة “ولا يخرجنكما من الجنة فتشقيا” في القرآن إيجاز بليغ شقاء الزوج شقاء حكمي للزوجة ، ويقاس على هذه الآية أن شقاء الابن شقاء حكمي للأب ، لن تجد أباً يسعد إذا كان ابنه منحرفاً .
يا أيها الأخوة من أجل أن يكون أبناؤنا استمراراً لنا ، ومن أجل أن نسعد بتربية أولادنا ، من أجل أن تقر أعيننا بهم ، من أجل أن تكون الأسرة الإسلامية متماسكة ، من أجل أن تنام قرير العين إن رأيت ابنك صالحاً ، والله الذي لا إله إلا هو يدخل على قلب الأب من السعادة والطمأنينة ما لا يوصف إن رأى ابنه صالحاً ، شيء دقيق ، والحقيقة إذا كان في العصور السابقة ينبغي أن نربي أولادنا ففي هذا العصر الاهتمام بتربية الأولاد ينبغي أن يتضاعف إلى ألف ضعف لكثرة المعوقات ولكثرة الصوارف ، يعني مئات الأبواب التي تصرف الابن عن طاعة الله ، الفتن كلها يقِظَة ، أينما نظرت ، إذا اشتريت جريدة أو مجلة أو نظرت إلى الشاشة أو سرت في الطريق أو استمعت إلى قصة تجد أن الفتن يقظة ، والشبهات مستعرة ، والشهوات في أوج اتقادها ، وقد ينجو الإنسان لكن نجاة الواحد منا لا تكفي إلا إذا نجا معه أولاده .
مستقبلنا بتربية أولادنا :
أيها الأخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو لا أجد موضوعاً ينبغي أن يهتم به المسلمون كتربية الأولاد ، ذلك أن الأولاد ـ وهذه حقيقة خطيرة جداً ـ الأولاد الآن أولاد المسلمين هم الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا ، يعني بشكل واقعي وبلا مجاملات وبلا مبالغات لم يبقَ في أيدينا إلا أولادنا ، فحينما نعتني بهم معنى ذلك أننا نبني مستقبلنا ، حينما نعتني بهم معنى ذلك أننا ننتبه إلى مستقبلنا ، مستقبلنا بتربية أولادنا ، ومن منا يصدق أنه بالإمكان أن تصل إلى الجنان من خلال تربية أولادك ، طريق إلى الجنة سالك وأنت في البيت هذا الكلام أقوله وسوف آتي بتفاصيل إن شاء الله تعالى .
كنت قبل يومين أو قبل عدة أيام في بيروت ألقيت محاضرة في هذا الموضوع ، هذه المحاضرة هي التي دفعتني إلى أن أتمم هذه السلسلة ، قلت لهم : ـ وهذه عبارة أرددها كثيراً ـ مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمح أن يكون ابنك صالحاً وأنت لست بصالح ، الطفل من خصائصه أنه يتعلم بالفكرة ، يتعلم بالصورة ، لا يستطيع الطفل أن يفرق بين المبدأ وبين الشخص ، الإنسان المتفوق الواعي المثقف عنده إمكانية أن يفرق بين المبدأ وبين معتنقي المبدأ ، لكن الطفل لا يستطيع ، يعني أبوه في أعلى مكان ، أما أن يقول : الإسلام عظيم لكن أبي مقصر ، هذه لا يستطيعها الطفل ، يرى أن أبيه هو الإسلام ، فإذا فعل الأب معصيةً فهذه مشروعة ، لذلك لا يمكن أن تطمح أن يكون ابنك صالحاً إن لم تكن أنت صالحاً ، ومن السخف والغباء والسذاجة أن يحرص الأب أن يكون ابنه مستقيماً وديّناً وصالحاً وهو ليس كذلك ، ومن السخف والغباء والسذاجة أن تحرص الأم على أن تكون ابنتها إنسانةً طيبةً طاهرةً عفيفةً وهي ليست كذلك ، لذلك لا يمكن أن تُقْدِم على وسائل التربية إلا أن تكون أنت قدوة .
كنت أروي قصة وهي أن إنساناً سافر إلى بلاد الغرب ، ورأى فتاةً تعلق بها أشد التعلق ، فاستأذن والده أن يتزوجها ، فكان الجواب قاسياً جداً إن تزوجتها فلست ابني ، ثم خطر في بال هذا الشاب الذي تعلق بهذه الفتاة تعلقاً شديداً أن يغير رأي والده ، يا أبتِ لو أنها أسلمت أتسمح لي بالزواج منها ؟ قال له : أسمح لك ، فأخبرها أن العقبة الوحيدة في الزواج أن تسلمي ، سألته : كيف أسلم ؟ اشترى لها كتباً باللغة الأجنبية عن الإسلام والقرآن ورسول الله والسيرة وما إلى ذلك ، كتب عديدة ، ودفعها إليها ، هي ذكية جداً اشترطت عليه أن تبتعد عنه أربعة أشهر كي تستوعب هذه الكتب ، وكي تقرأها بعيداً عن ضغوطه ، فحصل فراق أربعة أشهر ، هذا الشاب عد هذه المدة لا بالأشهر ولا بالأسابيع ولا بالأيام ولا بالساعات ولا بالدقائق بل بالثواني إلى أن مضت هذه الأشهر الأربعة فالتقى بها ، وكان الخبر الذي أفقده توازنه أنني أسلمت والإسلام حق لكنني لن أتزوجك لأنك لست مسلماً .
الأب هو السقف والقدوة :
قد تجد أباً ليس مسلماً ، اسمه إسلامي ، وكنيته إسلامية ، وأبوه مسلم ، وأمه مسلمة ، لكن بالتعامل اليومي ليس مسلماً ، كيف يطمح هذا الأب أن يكون ابنه مسلماً تقياً ورعاً نقياً طاهراً عفيفاً وهو ليس كذلك ؟ لذلك الأب هو السقف ، ولا يمكن إلا في حالات نادرة جداً ـ وهذه ليست قاعدة في حالات نادرة ـ يفوق الابن أباه حتى في التدين ، هذه الحالات لا تعد قاعدةً ، القاعدة أن الأب هو السقف .
ما لم تكن أنت قدوةً لابنك ، ما لم تكن أنت صادقاً لن يكون ابنك صادقاً ، ما لم تكن أنت عفيفاً لن يكون ابنك عفيفاً ، ما لم تغض أنت بصرك عن محارم الله لن يغض ابنك بصره عن محارم الله ، ما لم تكن أميناً لن يكون ابنك أميناً ، وفي فكرة هي أن الآباء يتصورون بسذاجة أن أولادهم لا يعلمون ، والله من خلال بعض التجارب الابن ولو رأيته صغيراً لا ينتبه إلى كل شيء ولكنه في الحقيقة غير ذلك .
حدثني أخ مقيم في أمريكا سأل ابنه : هل نظفت أسنانك ؟ فسكت ، سأله ثانيةً فسكت ، سأله ثالثةً قال له : نعم ولا باللغة الإنكليزية ، قال له : كيف ؟ قال له : أنا أنظفها دائماً اليوم لا ، فعنفه الأب لماذا تكذب علي ؟ ـ إجابته لا تصدق ـ قال له : كلينتون يكذب في موضوع مونيكا ، الابن الصغير في المرحلة الابتدائية يتابع الأخبار ، هو كذب حينما أدلى بتصريحات غير صحيحة .
بنت ترى أمها تكذب على أبيها ، ابن يرى من أبيه كذباً في البيع والشراء ، أحياناً يكون ابنك في المحل والبضاعة مثلاً ليست من أصل معين ، من منشأ آخر ، وليس عليها المنشأ ، الشاري يسأل عن منشأ البضاعة ، يقول له : هذه بضاعة إنكليزية أو فرنسية ، وهي ليست كذلك ، الابن ينتبه .
الحقيقة الإنسان أيها الأخوة ماذا أقول ؟ لو كان في الدرجة السفلى من السلم الاجتماعي في حالة خطيرة جداً أن يسقط من عين نفسه ، الإنسان حينما يكذب أو حينما يتناقض أو حينما يخالف منهج الله أو حينما لا يكون كاملاً يسقط من عين نفسه ، في الدرجة الثانية الإنسان حينما يسقط من عين أهله يعني زوجته وأولاده ، قد تجد متاعب خارج البيت ، قد تجد صعوبات ، قد تجد خصومات ، قد تجد أعداء ، قد تجد مناوئين ، أما أن تسقط من عين زوجتك ومن عين أولادك هذه مشكلة كبيرة .
أنا والله كل يوم تقريباً ، أو كل أسبوع ، أو كل عدة أيام تأتيني مشكلة أن أبي فعل كذا ، الأب ساقط من عين ابنه ، قال لي : أبي شهواني ، يعني طلق أمه وتزوج امرأةً بعيدةً عن الدين ، متفلتة ، تلبس ثياباً فاضحة ، وهو بالستين ، واستغنى عن كل أولاده ، واستغنى عن زوجته ، واستغنى عن مكانته ، وهذه المرأة تأخذ منه كل أمواله ، وتبقي أهله بلا طعام ، والله ما رأيت مصيبة أكبر من أن يسقط الإنسان من عين أولاده ، وجدت الابن ناقماً نقمةً شديدة لا توصف على أبيه .
أثر القدوة في البيت :
إذاً أول وسيلة فعالة من وسائل تربية الأولاد أن تبقى ساكتاً أن تبقى صامتاً وأن تكون قدوةً حينما سئلت السيدة عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :
(( كان خلقه القرآن .))
[ مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
يقولون الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، قرآن متحرك ، إذا أردت أن تربي أولادك كن أنت قدوةً لهم ، كن أنت صادقاً ، كن أنت عفيفاً ، كن أنت أميناً ، والابن يدرك ويعلم .
والله بعض الأطفال الذين تربوا في أسر إسلامية متمسكة بالدين هو في سن قبل التكليف بكثير تراه يغض بصره عن امرأة لا يحل للكبير أن يراها ، سلوك رائع جداً ، في عفة وهو صغير لأنه يرى أباه يغض بصره ، وقد تجد فتاة عمرها سنوات تحب أن تضع الحجاب وأن تصلي ولو صلاةً شكلية ، هذا أثر القدوة في البيت .
أيها الآباء ، أيها المتزوجون ، أيها الناس الذين تطمحون إلى ابن صالح كن أنت صالحاً ، لذلك كنت أقول سابقاً يمكن أن تكون أكبر داعية إلى الله وأنت صامت ، هذه الدعوة الصامتة بليغة جداً ، دعوة بالمواقف ، بل ـ وأنا لا أبالغ ـ كل مؤمن شاء أم أبى ، علم أو لم يعلم ، انتبه أو لم ينتبه ، داعية مؤمن صادق ، هذا لا يكذب ، هذا لا يغش ، هذا لا يأكل مالاً حراماً ، هذا عفيف ، هذا أمين ، فالمؤمن مظنة ، صلاح المؤمن ينبغي أن يكون قبلة الأنظار ، طبعاً الأبيات المشهورة :
يا أيها الرجل الـــمعلم غيره هــــلا لنفسك كان ذا التعليـم
تصف الدواء لذي السقام ولذي الضنى كي ما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غـيها فإذا انتـــهت عنه فأنت حكيـم
***
النبي قدوة لنا في العبادة :
هذا أول درس ، أكبر وسيلة فعالة ، أكبر وسيلة مؤثرة لتربية أولادك أن تكون أنت قدوةً لهم ، ليس هناك من موقف يدعو إلى الاشمئزاز ، إذا كان الأب يدخن ثم علم خفيةً أن ابنه يدخن فأقام عليه النكير ، الدخان سيئ أم جيد ؟ سيئ ، لماذا أنت تدخن أيها الأب ؟ مادمت تدخن فهو من صفات الرجولة عند ابنك ، أراد أن يشعر بنفسه أنه رجل فدخن تقليداً لك ، هذه المشكلة ، فلذلك لن يكون الابن في الأعم الأغلب أو في الوضع الطبيعي فوق أبيه ، بل دونه ، فالأب هو السقف ، فكلما رفعت سقفك أنت رفعت مستوى تربية أولادك .
لذلك السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
(( كان خلقه القرآن .))
[ مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
ثم أن النبي عليه الصلاة والسلام تحدث عن نفسه فقال :
((أدبني ربي فأحسن تأديبي .))
[رواه العسكري عن علي رضي الله عنه]
ما هذا الأدب يا رسول الله ؟ أخ كريم كان له محل جانب المسجد قال لي : دخل عدة أطفال ، ودخل طفلان من سمتهما الحسن ومن أدبهما ومن وقوفهما المؤدب ومن غض بصرهما عن امرأة كانت في المحل بدا أن هذين الطفلين من طلاب المسجد ، والفرق واضح جداً بين طلاب متفلتين ، عيون زائغة ، تعليقات لاذعة ، مزاح رخيص ، وقاحة ، وبين طالب تأدب بأدب الإسلام . صدقوا أيها الأخوة أن الأدب الإسلامي يجعل للإنسان قيمة عند الله وعند الناس .
أيها الأخوة ، النبي قدوة لنا ، قدوة في العبادة ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه ، ولما قيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً .
السيدة عائشة حينما سئلت عن عمله قالت :
(( كان عمله ديمةً .))
[متفق عليه عن علقمة]
لا يوجد نوبات ، نوبة طاعة ثم تفلت ، معظم الناس تأتيه نوبات ، يحضر مجلس علم ، يُسَرُّ يومين ثلاثة أو أسبوعين ثلاثة ثم يغط ، تأتيه نوبة بعد شهرين ثلاثة ، كان عمله ديمةً مستمراً :
(( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ .))
[مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
وكان يقول :
(( أرحنا بالصلاة يا بلال .))
[رواه أبو داود وأحمد عن سالم بن أبي الجعد]
وقد جعلت قرة عينه صلى الله عليه و سلم في الصلاة .
بعض الآيات القرآنية عن تعبد النبي الكريم :
كان في العبادة في أعلى مستوى ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2)نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً (4)إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)﴾
( سورة طه )
وقال :
﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾
( سورة الإسراء : الآية 79 )
وقال :
﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)﴾
( سورة الإنسان : الآية 25-26)
كان قدوة في عبادته وأنا أقول لكم أيها الأخوة : حينما يرى الابن أباه يصلي صلاة متقنة ، وصلاة في وقتها ، يتوضأ ويحسن الوضوء ، يجهر بالصلاة الجهرية ، يصلي مع أولاده ، هذا البيت فيه صلاة ، قال تعالى :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾
( سورة طه : الآية 132)
كأن الله يطمئن أهل البيت التي تقام فيه الصلوات الخمس لا نسألك رزقاً نحن نرزقكم .
أحد أسباب زيادة الرزق الصلاة في البيت :
أحد أسباب زيادة الرزق الصلاة في البيت ، لكن النبي علمنا ، أحياناً أنا أصلي الفرض وركعتي السنة ولا أصلي الوتر ، الوتر يصلى في البيت ، اجعل الفرائض في المسجد والسنن الروافد في البيت ، صار البيت ليس قبراً ، ليس فندقاً ، ليس مكاناً للنوم والأكل ، صار مكاناً للعبادة .
إذاً كان قدوةً في العبادة ، يعني أب يغض بصره ، أب يصلي وقته ، أب لا يكذب ولا يغتاب ، هذا الأب قدوة ، لو لم ينصح ابنه وصل إلى الهدف .
النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً في الكرم :
((ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنماً بين جبَلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلِمُوا ، فإن محمداً يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر.. ))
[مسلم عن أنس بن مالك]
كان قدوةً في الزهد :
(( دخل عليه سيدنا عمر فرآه مضطجعاً على حصير أثر في خده الشريف فبكى ، قال : لِمَ تبكي يا عمر ؟ قال : رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ، قال : يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً ، يا عمر أفي شك أنت يا عمر ألا ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا .))
[أحمد وأبو يعلى عن أنس بن مالك ]
كان مثلاً أعلى في الزهد ، لذلك المبالغة في الترف تبعد عن الله عز وجل ولو كانت مباحة ، همه الأول الطعام ، همه الأول ينام ، همه الأول أن يكون في مكان جميل ، همه الأول أن يتمتع في الحياة :
(( إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .))
[أحمد عن معاذ]
يتنعم لكن لا يقصد التنعم ، الله لا يحرمك شيئاً ، لا تحرم هذه الدنيا لكن لا تجعلها قبلةً لك ، اجعلها وسيلة ولا تجعلها غاية ، لذلك العلماء فرقوا بين أن تكون الدنيا بيديك وأن تكون في قلبك ، في القلب مشكلة في اليدين ليست مشكلة .
سئل فقال :
((مالي وللدنيا ، ما أََنا والدنيا إِلا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تحت شجرة ، ثم راحَ وتَركها.))
[الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
مالي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها .
أحد أخواننا توفي قبل أيام ، وقفت على القبر ، أكل طعاماً ظهراً ، ثم جاءته أزمة عند العصر كان في القبر ، ساعتين فقط ، معنى هذا الإنسان بساعتين يكون شخصاً يمشي ، يصبح نعوة ، يصير خبراً .
قال :
((مالي وللدنيا ، ما أََنا والدنيا إِلا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تحت شجرة ، ثم راحَ وتَركها.))
[الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
أشكال الفقر :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً .))
[ابن عساكر عن أبي هريرة]
إذا سألت شخصاً ما : كيف وضعك المالي ؟ وقال لي : مستورة ، أقول له : معنى هذا أصابتك دعوة النبي ، معنى كفاف غير الفقر ، أي حاجاتك مؤمنة ، مغطاة ، والآن ليس سهلاً أن تكون أمورك مؤمنة ، ليس من السهل أن يكون دخلك يغطي حاجاتك ، هذه نعمة كبيرة ، إن صحت هذه نعمة كبيرة ، وكنت في هذا المقام أقول : هناك فقر الكسل وهذا مذموم ، كسول ، إرجائي ، لا يوجد همة ، هذا فقر الكسل ، ويوجد فقر القدر ، ويوجد فقر الإنفاق ، فقر الإنفاق بطولة ، ماذا أبقيت يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله ، أنفق كل ماله فصار فقيراً لكن فقر إنفاق ، ويوجد فقر القدر ، إنسان معه عاهة هذا صاحبه معذور ، وفقر الكسل صاحبه مذموم ، وعلمنا القرآن الكريم :
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)﴾
( سورة طه : الآية 131)
النبي الكريم كان في خدمة أصحابه وكان مثلاً أعلى لهم :
كان قدوة في التواضع ، قال :
(( من حمل سلعته فقد برئ من الكبر ))
[القضاعي والديلمي عن أبي أمامة]
كان يجلس مع الضعيف والفقير ، يصغي إلى المرأة الضعيفة ، يكنس داره ، يخصف نعله ، كان في خدمة أهله ، كان يقف لأي إنسان إذا سأله في الطريق ، جاءه عدي ابن حاتم لا يدري أنبي هو أم ملك ؟ فلما انطلق به إلى البيت قال : استوقفته امرأة فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقلت : والله ما هذا بملك إنما هو نبي يقبل عذر المعتذر ، إذا إنسان صافحه لا يسحب يده منه إلا أن يسحبها من صافحه ، كان يجلس جلسة العبد يقول :
(( إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ))
[ابن ماجة عن أبي مسعود]
كان في خدمة أصحابه ، وكان قدوة في الحلم :
(( شَدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّر في عاتقه ، ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء . ))
[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه]
كان قدوةً في العفو : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
كان شجاعاً :
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا . ))
[البخاري عن أنس رضي الله عنه]
سبقهم إلى استطلاع الخطر ، وكان إذا حمي الوطيس ما كان من أحد أقرب إلى العدو منه من شدة شجاعته ، وكنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله وقال :
(( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ))
[ ابن حبان عن أبي إسحاق ]
أنا أسوق لكم هذه المثل كي تعلموا أن اتباع أصحابه له وأنهم أحبوه وفدوه بأرواحهم لا لأنه ألقى عليهم مواعظ فقط بل لأنه كان معهم ، وكان مثلاً أعلى ، وكان قدوةً لهم ، قال الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ (21)﴾
( سورة الأحزاب : الآية 21)
قصة من السيرة النبوية عن حكمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :
أيها الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام واجه مشكلة ، آخر معركة كانت معركة حنين ، وزع الغنائم :
(( لما أعطي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ـ وزعها على حديثي عهد بالإسلام ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً اعتماداً على إيمانهم ـ وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القَالَةُ ، حتى قال قائلهم : لقي واللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول اللّه ، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ ـ ما موقفك أنت ناقم أم معهم ؟ ـ قال : يا رسول اللّه ، ما أنا إلا من قومي ـ متألم أيضاً ـ قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة . فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ، فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال : لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ـ والله هذه القصة رويتها مئات المرات بل عشرات مئات المرات فيها دقة بالغة ـ فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه ، وأثني عليه ـ هنا الآن تصور إنسان على قمة المجتمع المسلم ، نبي الأمة ، بل هو سيد الأنبياء ورسول هذه الأمة ، بل هو سيد الرسل ، بل هو سيد ولد آدم قاطبةً ، بل إنه الإنسان الأول الذي أقسم الله بعمره ، وبعد أن دانت له الجزيرة العربية من أقصاها لأقصاها ، يعني أقوى إنسان بالمفهوم المادي يأتيه قوم ينتقضونه في توزيع الغنائم ماذا يفعل الأقوياء في مثل هذا الموقف ؟ والله هناك أقوياء يلغون وجودهم ، يوجد في التاريخ البشري أناس وجهوا بعض النقد فألغي وجودهم نهائياً ، كان من الممكن أن يلغي وجودهم لكنه لم يفعل ، وكان من الممكن أن يهملهم ، وكان من الممكن أن يهدر كرامتهم ، لو قال كلمة واحدة عنهم منافقون انتهوا ، هو رسول الله وكان من الممكن أن يعاتبهم لصالحه ، كان من الممكن أن يلغي وجودهم ، وكان من الممكن أن يهدر كرامتهم ، ما الذي فعله وهو في أوج قوته وقد انتقدوه ؟ الذي فعله أنه ذكرهم بفضلهم عليه ـ ثم قال : يا معشر الأنصار ، مقَالَةٌ بلغتني عنكم ، وَجِدَةٌ وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه ؟ ـ ما قال فهديتكم ، رأيتم إلى أدبه الرفيع ـ وعالة فأغناكم اللّه ؟ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى ، اللّه ورسوله أمَنُّ وأفْضَلُ ، ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول اللّه ؟ للّه ورسوله المن والفضل . قال : أما واللّه لو شئتم لقلتم ، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ : أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسَيْنَاك ـ لو قلتم هذا لكنتم صادقين ولصدقكم الناس ـ أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَةٍ من الدنيا تَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا ، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ؟ فو الذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شِعْبًا ، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللّهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى أخْضَلُوا لِحَاهُم وقالوا : رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً ، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .))
[رواه ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري]
هذه القصة توضع أين ؟ مع حكمته أم مع وفائه أم مع تواضعه أم مع حسن سياسته ؟ فعلاً شيء رائع ، فلذلك لأنه كان قدوةً الصحابة انصاعوا له .
النبي الكريم قدوة لنا في الثبات على المبدأ :
أنا لا أنسى هذا الموقف ، حينما جاءت غنائم كسرى يروى أن رجلين لو وقفا حول الغنائم ورفع كل منهما رمحه لما رأى الأول الثاني لكثرتها ، كنوز كسرى كل ما في قصر كسرى من ذهب ، ومن فضة ، ومن ألماس ، جيء به إلى المدينة أكوام ، سيدنا عمر نظر إلى هؤلاء الذين جاءوا بهذه الغنائم شيء ثمين جداً فقال : سبحان الله إنهم أمناء . فأجابه سيدنا علي : يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم لقد عففت فعفوا ولو وقعت لوقعوا .
لا يوجد في هذا الدرس قضية خطيرة إلا القدوة ، كن قدوة لأولادك ، لاحظ أنهم يراقبونك ، يرون حركاتك وسكناتك ونظراتك وكلامك فينبغي أن تكون قدوةً لأولادك .
الثبات على المبدأ ، كان قدوةً في الثبات على المبدأ ، واجه مصاعب كثيرة حتى أنهم عرضوا عليه أن يزوجوه أجمل فتاة ، وأن يجعلوه أميراً عليهم ، وأن يعطوه مالاً حتى يغدو أغناهم ، فقال :
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .))
[السيرة النبوية]
أيها الأخوة ، لما قال أحدهم وهو أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ، يعني بالله عليكم إنسان على مشارف القتل ، أحد الصحابة بعد قليل سيُقتَل ، سأله أبو سفيان قال له : أتحب أن يكون محمّد مكانك ؟ هذا الصحابي الجليل أظنه خبيباً قال : لا والله ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في أهلي مع زوجته وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها ـ البيت مكيف وفيه ورود وكل ما لذ وطاب في المطبخ يعني للتقريب ـ ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة . عندئذ قال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .
نحن فقدنا الحب يا أخوان ، كل شيء يوجد عندنا لكن لا يوجد حب ، خصومات في الأسرة بين أخوين ، بين جماعتين ، بين داعيتين ، بين عالمين ، شيء مؤلم جداً ، بأسنا بيننا ، ممزقون ، لأن البغض له قانون قانونه قوله تعالى :
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (14)﴾
( سورة المائدة : الآية 14)
(( والذي نفس محمد بيده ما توادّ اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما . ))
[أحمد عن ابن عمر]
الرسول قدوة لنا ووجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا :
أيها الأخوة ، موضوع القدوة موضوعان ، الأول : كان عليه الصلاة والسلام قدوة لنا ، الثاني : وجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا ، فالقسم الأول استغرقه هذا الدرس ، القسم الثاني إن شاء الله في درس قادم ، وبعدها ننتقل إلى التربية بالعادة ، والتربية بالتلقين ، والتربية بالعقاب ، والتربية بالموعظة ، موضوعات كبيرة جداً لو تأملناها لكان منهجاً للآباء في تربية أولادهم ، لكن التربية في القدوة تقع على رأس القائمة لذلك بدأت بها يكفي أن تكون قدوةً وانتهى الأمر .
أنت لاحظ بيت تقام به الصلوات ، الأطفال الصغار يقلدون آباءهم دون أن يشعروا ، دخل موجه تربوي إلى مدرسة ابتدائية ـ هذه طرفة ـ في منطقة حدودية فسأل طالباً : أنت حينما تكبر يا بني ماذا تحب أن تكون ؟ الجواب التقليدي : طبيب ، ضابط ، طيار ، قال له : مهرب أستاذ .
هذه المشكلة ، هكذا يرى الطفل ، هذا عمل والده ، فلذلك أنت حينما تكون في مستوى راقٍ جداً تجد أن الابن يطمح إلى أن يكون مثل أبيه ، فلا تطمح في نهاية المطاف ولن تستطيع أن تنال ابناً صالحاً وأنت لست بصالح ، لا تطمح ولن تستطيع أن تنتظر من ابنك أن يكون صادقاً وأنت لست صادقاً ، لا تطمح ولا تنتظر أن يكون ابنك عفيفاً وأنت لست بعفيف ، فإذا كنت صادقاً في تربية أولادك ، حريصاً على تأدبهم بآداب الإسلام ، حريصاً على أداء العبادات كن أنت قدوةً لهم وانتهى الأمر .
الدرس القادم إن شاء الله سوف يكون حول توجيهات النبي في القدوة أذكر توجيهاً واحداً كمثال : كان في بيت أقربائه امرأة قالت لابنها : تعال خذ ، فقال : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : تمرةً ، قال: أما إنك لو لم تفعلي لكتب عليك كذبة .
لا تنسوا عالم الحديث الذي انتقل من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن رجل سمعه من رسول الله ، رآه يوهم فرسه أن في ثوبه طعاماً حتى أقبلت الفرس ، كذب على الفرس فعاد إلى المدينة ولم يسأله سؤالاً واحداً ، الذي يكذب على فرسه ليس أميناً على حديث رسول الله .
جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً ، وفرح به النبي ، قال : يا رسول الله أمسَكوني في الطريق فقلت لهم : إن أطلقتموني والله لن أقاتلكم أبداً فأطلقوه ، الصحابي نسي بعد سنوات في غزوة انخرط بها فقال له النبي : ارجع ألم تعاهدهم . فالنبي قدوة في كل شيء .
والحمد لله رب العالمين