تمهيد
للعمل في الإسلام مكانة رفيعة ومنزلة عظيمة فهو أمر من الله عز وجل ، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُوْلاً فَامْشُوْا فِيْ مَنَاكِبِهَا وُكُلُوْا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُوْرُ﴾ (الملك: آية 15)، وهو كذلك أمر من نبينا صلى الله عليه وسلم، جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) (الطبراني) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1428).
وهو دأب الأنبياء من قبلنا فقد كان لكل نبي حرفة يعمل فيها ويعيش منها مع عظم مسؤولياته، فآدم- عليه السلام- عمل بالزراعة, ونوح عليه السلام عمل بالنجارة ، وداود- عليه السلام- عمل بالحدادة, وإدريس عليه السلام عمل بالخياطة، وموسى عليه السلام كان أجيرًا عند رجل يعمل في رعي الغنم، وعيسى- عليه السلام- عمل بالصباغة, ومحمد- صلى الله عليه وسلم- عمل برعي الغنم والتجارة,والعمل في الإسلام شامل، فهو عمل من أجل الدنيا والآخرة بتوازن واعتدال دون أن يطغى جانب على آخر، يقول الله تعالى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَـٰـكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ سورة القصص: آية77. فلا يجوز للمسلم ترك العمل باسم التفرغ للعبادة أو التوكل على الله, ولايجوز له ترك العبادة من أجل العمل والكسب.
ولأن العمل يكسب المسلم العز والشرف والكرامة، ويحفظه من سؤال الناس والذل والمهانة، ويجعله مستقرا فينطلق بكل همة في خدمة دعوته.
فقد أوجبه الإسلام لكسب الرزق الحلال الذي به يحفظ المسلم دينه ويصون عرضه ويقوم بمسؤوليته تجاه أهله وولده ورحمه، وجعل له أحكاما وآدابا يجب على المسلم أن يلتزم بها وأول وأهم ذلك استحضار النية بأن يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام، والتقوِّي على العبادة، وعمارة الأرض فيصبح العمل بذلك عبادة يؤجر عليها ويثاب.
وكما اهتم الإسلام بالعمل، اهتم أيضا بالعمال وشرع لهم حقوقا وواجبات، فمن أهم واجباتهم إتقان العمل وتحسينه.. امتثالا لأمر الله ورسوله: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وابتغاء للأجر والمثوبة، يقول الله تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيـٰـوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ﴾ (النحل: آية 97)، ومن أهم حقوقهم الإسراع بدفع أجورهم وعدم المماطلة في ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم ” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.
البنا.. فهم لأهمية العمل.. ووعي لدور العمال
فهم الإمام البنا مدى اهتمام الإسلام بأمر العمل المشروع، وضرورة أن يكون المسلم صاحب عمل وحرفة دون تعال أو تكبر على طبيعة العمل ولو أن يحتطب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأن يأخذ أحدكم حبله, ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب, فيبيع فيأكل ويتصدق, خير له من أن يسأل الناس”.
وفهم الإمام أيضًا أن العمل يعطي لصاحبه الثقة بالنفس وتحمل المسئولية والقوة والجلد والصبر والصحة البدنية والنفسية، من أجل هذا كان رحمه الله قد ألزم نفسه هذا الأمر قبل أن يلزمه أحدا من إخوانه ،فكان ينتهز فرصة الإجازة الصيفية حين كان طالبا في كلية دار العلوم للعمل فى دكان أقامه لتصليح الساعات، وهي نفس مهنة والده، ليعول نفسه ويكسب من عمل يده.
وكان دائما يدعو إخوانه لأن يكونوا أصحاب حرف بجانب عملهم الأساسي، بل ويرى ضرورة ذلك فربما يفقد الأخ عمله الوظيفي لسبب أو لآخر، حينها لاتتوقف أموره بل يمضي به الحال ميسورا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
أما العمال فقد اهتم بهم الإمام البنا اهتماما عظيما، فهو يعلم أنهم دائما مستهدفون من قبل مختلف التيارات والأفكار والدعوات والهيئات، وذلك لما يتصفون به من رجولة وشهامة وغيرة وحمية وطيب القلب، فعمد إلى نشر الدعوة في أوساطهم مستفيدا بكل الوسائل المتاحة، فمثلاً كان هناك ناد للعمال في الإسماعيلية.. فاستفاد منه الإمام البنا كمكان لإلقاء المحاضرات الدينية والاجتماعية والتاريخية على مسمع ومرأى من جموع غفيرة من هذه الفئة الطيبة الكادحة.
كما اهتم أيضًا بالعمال الفلاحين بصفة خاصة، فقد كان يقضي معظم إجازاته الصيفية بين العمال الفلاحين يدعوهم إلى مبادئ الإسلام، ويؤلف قلوبهم بتقديم الكثير من الخدمات في قراهم مثل (إنارة تلك القرى، وتوزيع الزكاة على فقرائهم، وانتشال الأطفال من التشرد بتشغيلهم، وإقامة المساجد والمستوصفات والمستشفيات، وغير ذلك الكثير بفضل الله كل هذا الجهد آتى ثماره المباركة، فالتاريخ سيظل يذكر بعزة وفخر أن الستة المؤسسين لجماعة الإخوان المسلمين كانوا عمالا حرفيين، يقول الإمام حسن البنا عن ذلك:
“لست أنسى هذه الساعة الكريمة في مدينة الإسماعيلية الطيبة، ولم يكن قد مضى وقت طويل فقد حللتها ضيفًا جديدًا على أهلها، وعلى مدرستها، ولم تتوثق بعد روابط الإخاء الكامل والحب العميق بيني وبين أهلها الطيبين المباركين، ولست أنسى هذه الساعة التي لقيني فيها ستة من الإخوان العمال بهذا البلد، وجلسوا إلى يتحدثون في إيمان عميق وحماسة دافقة وتأثر بالغ عن وجوب العمل الإسلامي كدعوة منقذة وكنور وضاء يهدي الناس من ظلام الحيرة ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذى له ما في السماوات وما في الأرض.
وقد قلت لهم: وما وسائلكم إلى ذلك، فقالوا فى إيمان ودهشة، وهل من وسيلة لأهل الدعوات إلا الإيمان العميق والحب الوثيق والعمل والأمل، فأعجبنى الفقه، وقلت: على بركة الله إذن نحن الإخوان المسلمين، نؤمن بالإسلام إيمانًا عميقًا، ويحب بعضنا بعضا حبًا وثيقًا، وندأب على العمل مجاهدين، ونأمل الخير والتأييد من رب العالمين {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ]البقرة: 143[. وهكذا, وعلى هذه الصورة المتواضعة .. وضعت أول بذرة في حديقة دعوة الإخوان المسلمين الفينانة بيد هؤلاء الأخوة الأحبة القلة من العمال.
ومنذ تلك اللحظة وللإخوان العمال فى كل مكان منزلة فى النفس وأمل الدعوة، نسأل الله أن يحققه بهم ولهم إن شاء الله.” انتهى ولذلك كانت نسبة كبيرة من أتباع الجماعة في بدايتها من العمال والحرفيين، بل لقد كان العديد منهم يتولون مراكز قيادية، فمثلا كان نائب الإمام المرشد نجارا، وأصبح هذا الأمر من سمات الإخوان.
وهكذا نرى مدى إدراك الإمام ووعيه لأهمية دور هذه الطبقة من العمال والحرفيين في نشر الدعوة، لذا حرص من أول يوم على أن تكون دعوته موجهة لهم في أماكن تجمعاتهم من نواد، ومقاه، وغيرها ، فتوسعت بذلك قاعدة الجماعة الجماهيرية وسط الشعب المصري.
الجهود العملية التي قام بها الإمام البنا من أجل نهضة العمال
لم يكتف الإمام البنا رحمه الله بالحب القلبي للعمال والحرفيين فقط، بل كانت له معهم جهودا عظيمة وخدمات جليلة وأعمالا رائعة كانت نتائجها ارتفاع مستوى العامل الديني والاجتماعي والثقافي بل وحتى السياسي بصورة نموذجية لا زال التاريخ يذكرها جيدا جيلا بعد جيل بكل فخر وعزة وشموخ. ومن هذه الجهود المباركة:
أ- مؤازرتهم لإصلاح أحوالهم و رفع الظلم عنهم
درس الإمام البنا واقع العمال، ووجد الأوضاع المؤسفة التي كانوا يعانون منها ومدى الظلم الواقع عليهم، فنشط للرفع ذلك الظلم والتصدي للإهمال والفساد الحكومي في قضاياهم، وعمل على مؤازرتهم بكل السبل لاسترداد حقوقهم.
فقد كان لصحافة الإخوان منذ نشأتها اهتمام ومتابعة لقضايا العمال ومشاكلهم، كما كان لها دور ريادي في الدفاع عن مطالبهم وتبني قضاياهم، بالإضافة إلى تعايشها مع الأحداث العمالية والنقابية أولا بأول.
ومن أمثلة ذلك جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، التي بدأت في نشر مقالات منذ عام 1935م عن أحوال العمال و أوضاعهم السيئة ، حتى أن إحدى هذه المقالات والتي كانت بعنوان ” في مقابر الأحياء ” كان لها وقع طيب لدى عمال المطابع ، فكان أن أرسلوا كلمة شكر لكاتب المقال الأستاذ الكبير أبي الحسن . وفي عام 1940م صدر قانون النقابات الذي منع تكوين اتحادات عمالية ، و منع العمال من حق الإضراب الذي يعد سلاحهم الوحيد في مواجهة أصحاب الأعمال و الرأسماليين . فشنت صحف الإخوان حينها هجوما حادا ضد هذا القانون الظالم .
كما نشرت مجلة الدعوة مقالا بعنوان ( الدعوة في خدمة العمال ) جاء فيه : “كان للحملة القوية التي حملنا لواءها ضد مصلحة الأشغال العسكرية بسبب قيام هذه المصلحة بفصل آلاف العمال الكادحين دون ذنب أو جريرة أثرها الكبير؛ إذ استجاب معالي عبد الفتاح حسن باشا- وزير الحربية والبحرية بالنيابة- لحملتنا، وأمر .. مشكورًا بإعادة جميع من فُصلوا من العمال إلى أعمالهم فورًا ” وأصبح من المعتاد في صحيفة الإخوان و في مجلة الدعوة أن يقرأ القارئ :
“جاءنا وفد من عمال….. “
“زار دار الدعوة وفدٌ يمثل نقابة شركة سباهي بالإسكندرية”
“جاءنا وفد كبير من عمال مصلحة الأشغال العسكرية”
وغدت دار جريدة الإخوان المسلمون ملجأ لكل العمال المطالبين بحقوقهم ، والشاكين من ظلم أصحاب المصانع و الشركات العاملين بها .
وفي أواخر الثلاثينيات كان الإخوان ضمن القوى التي ساهمت في قيام اتحاد عمال النسيج الميكانيكي بشبرا الخيمة عن طريق طه سعد عثمان، الذي كان عضوًا بالجماعة قبل أن ينضم إلى نقابة عمال النسيج”. وفي 5/10/1946م بدأ إضراب عمال ترام القاهرة ، فساندهم الإخوان بقوة وأيدوا مطالبهم كاملة ، فقد كان للإخوان موقف واضح تجاه قضية تأميم وسائل النقل ، ومن أقوى ما كتب في هذه القضية مقال الأخ الأستاذ سعد الدين الوليلي و الذي كان بعنوان ” تأميم وسائل النقل.. هل يحققه العمال بسواعدهم ” .
وفي 8/2/1948م اهتمت جريدة الإخوان المسلمين بمشكلات عمال شركة سباهي بالإسكندرية ، حتى أنه لما أجريت انتخابات مجلس الإدارة تكلم الأستاذ محمد فؤاد عوض- رئيس النقابة- فشكر للإخوان المسلمين عظيم جهودهم وكريم تأييدهم، و قرر المجتمعون أول ما قرروا وسط مظاهر الحماسة إرسال برقية شكر لفضيلة المرشد العامللإخوان المسلمين اعترافا لجهودهم وتأييدهم لهم .
وفي أغسطس عام 1953م ساندت الجماعة إضراب عمال مصنع نسيج الشوربجي بإمبابة ، فقد كان لهم تواجد قوي في هذه النقابة كما أكد ذلك النقابي الكبير طه سعد عثمان وكان لعمال مصنع السكر بالحوامدية نصيبا من اهتمام الإخوان وتأييدهم ومساندتهم ، فقد وضحوا للرأي العام مدى الظلم الواقع من قبل إدارة الشركة على نقابة العمال وزعيمها المخلص الشيخ محمد عبد السلام.
ولما تفشت أزمة البطالة هاجم الإخوان و بشدة وزارة الشئون الاجتماعية ومكتب التوظيف بها لفشلها في حل هذه الأزمة، فكان أن استجابت الحكومة لمطالب الإخوان الذين قاموا – عن طريق المناطق والشُّعب- بعمل كشوف بأسماء وعناوين العمل والسكن والأجر اليومي للعمَّال الذين يعملون بوِرَش ومصانع الحلفاء لتقديم صورة منها لوزارة الشئون الاجتماعية للعمل على شراء المصانع الحربية وتحويلها للإنتاج المدني واعتبار العمال مساهمين فيها ،ونجحت مساعيهم في ذلك و استجابت الحكومة لمطالبهم .
وهكذا حقق الإمام حسن البنا المؤازرة العملية الكاملة للعمال بعرض قضاياهم و مشكلاتهم وتحليلها ومن ثم اتخاذ اللازم من أجلها و ذلك عن طريق الجريدة و المجلة و المشاركة النقابية فأدى ذلك إلى رفع كثير من الظلم عنهم ، و استعادة لحقوقهم ، وأصبح العمال قوة يحسب لها أصحاب المصانع و الشركات ألف حساب لسبق علمهم أن الإخوان يساندون ظهورهم.
ب- تعليمهم ورفع المستوى الثقافي لديهم
كان الإمام البنا يدرك تماما بأن سر نهضة الأمة ورقيها ونصرتها ومن ثم التمكين لها في الأرض هو العلم ، من أجل ذلك رسم الخطة المحكمة وضمنها الوسائل المعينة للوصول إلى الهدف المهم ألا وهو تعليم العمال و تثقيفهم في كل المجالات الدينية و الدنيوية و محو أميتهم . وقد تم له ما أراد بفضل الله تعالى فأصبح العامل حين يتكلم يكون حديثه بليغا و مؤثرا في نفوس سامعيه ، بل وأصبح العامل على علم بكثير من الأمور الشرعية و الاجتماعية وكأنه حاصل على الشهادات العلمية .
ومن أهم ما قام به الإمام البنا في هذا المجال ما يلي :
– إنشاء مدرسة ليلية في كل شعبة هدفها الأساسي محو الأمية الدينية التعليمية؛ حيث يجتمع العمال والفلاحون فيها وكانت أول مدرسة في هذا هي مدرسة التهذيب التي أقامها الإمام الشهيد في الإسماعيلية، ثم أقيمت بعد ذلك مدارس ليلية لتعليم الكبار في العديد من الشعب؛ نذكر منها المدرسة الليلية في أبو صوير.
كما قرَّر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالقاهرة فتح قسم للتعليم الليلي مجانًا بالمركز العام ودعت راغبي الالتحاق إلى التقدم بطلباتهم.
وافتتح قسم البر والخدمة الاجتماعية معهدًا للدراسات الشعبية في شعبة عابدين، واحتوى هذا المعهد على فرعٍ لمكافحة الأمية, وفصول لتحفيظ القرآن الكريم, ولقد نشط فرع مكافحة الأمية بالشعبة، فأنشأ مدرسةً ليلية بلغ عدد المتقدمين إليها ما يزيد عن 300 دارس.
وفي قنا وأسوان أنشأ الإخوان قسمين لمكافحة الأمية: أحدهما نهاري، والثاني ليلي، كما فتح قسم البر والخدمة الاجتماعية بشعبة الجمالية فصولا لمحو الأمية وكان يقوم بالتدريس فيها نخبةٌ من الإخوان المثقفين.
وافتتح الإخوان المسلمون بالقرين شرقية قسمًا لمحو الأمية، وكان الإقبال عليه شديدًا لحسن نظامه ورغبة الأهالي في القضاء على الأمية.
-إنشاء مدرسةً للتوجيه النقابي والشئون العمالية في قسم العمال تلقى فيها محاضراتٌ فنيةٌ عامة أسبوعيًّا لتعليم الإخوان العمال كيف يُديرون شئونهم النقابية ويحلون مشاكلهم على أسس سليمة من القوانين العمالية؛ وتبصير العمال بحقوقهم وشرح التشريعات العمالية وتبسيطها لهم ومساعدتهم على الاستفادة من هذه التشريعات إلى أقصى حد ممكن.
إنشاء دور للصناعات ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم العلمى .وليس هناك إحصاء عن عدد هذه المدارس المتنوعة ولا عدد طلابها وأساتذتها . ولكن هذه المدارس كانت تقوم إلى جانب الفروع بحيث لا يخلو فرع من مؤسسة علمية . وقد ذكر أن عدد طلاب إحدى مدارس محو الأمية بلغ مائة عامل .والراجح أن الإقبال على هذه المدارس كان كبيرا لا سيما ما كان منها فى بيئات العمال والفلاحين . وحين وضعت الحكومة منهاجا لمكافحة الأمية أثناء تولى العشماوى ( باشا ) وزارة المعارف سنة 1946 طلب من الإخوان أن يساعدوا الوزارة فى تنفيذ خطتها اعترافا منها بنفوذهم .
ج- تأسيس قسم خاص لشئونهم ولائحته
وقد تبلورت كل صور العناية السابقة من الإمام البنا بهذه الفئة المهمة في المجتمع حين قام بتأسيس قسم خاص بهم ولم يكن الهدف منه التدخل فى شئون العمال النقابية، ولا التنافس مع الهيئات العمالية، ولا التعرض لهم فى مصانعهم أو شركاتهم، ولكن المقصود كله من هذا القسم أن تصل دعوة الخير إلى هذه النفوس الكريمة، فتكشف لها عن جمال الإسلام وضرورة التمسك بآدابه وتعاليمه تمسكًا يدفع إلى الاستقامة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقضاء وقت الفراغ فيما يجدى ويفيد من دروس نافعة أو رياضة بدنية صالحة ابتغاء وجه الله من خلال العمل على مافيه خير الإخوان العمال وصلاح أمرهم فى الدنيا والآخرة ومن ثم العمل على توصيل وإبلاغ هذا الخير لجموع العمال في المجتمع.
لقد كان لهذا القسم دور بارز – فكريًا وعمليا – في الوقوف بجانب العمال المصريين وكان من أهدافه : تفهيم العمال حقوقهم والطرق المشروعة التي تكفل لهم تحقيقها وتنظيم النشاط النقابي، والدعوة إلي أن ينضم العمال إلي نقاباتهم ، ومحاربة الأمية، وتبصير العمال بالمعلومات العامة (جتماعية وسياسية و وطنية وصحية .. )
ودراسة الأفكار الصناعية وأساليب الإنتاج الحديثة وتعريفها للعمال حتى لا يقل العامل المسلم عن مثيله – صناعيًا – في أية أمة من الأمم ، بجانب أهدافه التربوية العقدية والروحية والاقتصادية. وقد أنشأ القسم مدرسة للتوجيه النقابي العمالي .
تبني الإخوان مطالب العمال والدعوة إلي حقوقهم ، في مجلاتهم وكتبهم ، مثل ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات الاقتصادية التي يعملون فيها بحيث يكون لهم أسهم مع أصحابها في الأرباح .. وغير ذلك مما توضحه لائحتهم عام 1948 أيام الإمام البنا والتي تم اقتباسها ووضعها كما هي في عام 1951 والتي كانت نصوصها كالتالي :
المادة 63 :
يقوم قسم العمال على الأغراض الآتية :
* أ- تنظيم نشر الدعوة فى محيط العمال وإيجاد جو إسلامى فى المصانع و الشركات و النقابات العمالية .
* ب- توجيه العمال الى الإستفادة من النقابات و النشاط العمالى والى ما يحفظ حقوقهم .
* ج- تنظيم التعاون بين العمال و القيام على حاجاتهم ومطالبهم .
* د- دراسة مشاكل العمال وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها و العمل على التقريب بين العمال وأرباب العمل .
* هـ- دراسة نظم العمل ومحاولة تصحيحها وردها الى أصل إسلامي .
* و- تثقيف العمال ثقافة إسلامية وتوجيههم الى ما يرفع مستواهم التعليمي و الخلقى والاجتماعي و الصحى .
المادة 64 :
يقوم قسم العمال بدراساته الفنية ويضع رسائله ونشراته وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية لتنفيذها .
المادة 65 :
للقسم أن يتصل بمندوبى العمال فى المكاتب الإدارية و المناطق إذا اقتضت دراسته أن يتصل بهم واتصالات القسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقاً للخطة التى يعتمدها المرشد العام .
وقد كان واقع هذا القسم هو الترجمة العملية القوية لما جاء في اللائحة وعمل قسم العمال من جانبه كما أشار الأستاذ محمد شوقى زكى على تقديم خدمات اجتماعية للعمال ، وذلك بمساعدتهم على حل مشاكلهم ففى إدارة القسم بالمركز العام محامون متخصصون فى الشئون العمالية لتوجيه العمال التوجيه السليم ، وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم كما يعمل القسم أيضا على مساعدة العاطلين على إيجاد أعمال لهم فى حدود إمكانياته ، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل ، والمؤسسات التجارية والصناعية التى تربطها بالإخوان صلات طيبة وتوجيه الشركات العمالية وصبغها بالصبغة الإسلامية.
وكان لقسم آخر هو قسم المهن بالمركز العام بعض الخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى أنواع نشاطه الأخرى ، وقد نص على أن من أغراضه : ،( توثيق الصلة بين أرباب المهن فى مصر والبلاد الإسلامية )واضطلع قسم المهن بالمركز العام للإخوان بدور كبير فى النشاط العلمى المحض ، فهو يقدم مساء كل خميس بالمركز العام للإخوان ، محاضرة علمية قيمة يلقيها أحد المحاضرين المتخصصين لتجيء هذه الجهود التي استفاد منها العمال كجزء مكمل لنشاط قسم العمال بالجماعة ..
ومن المهم هنا التأكيد على أن تأثير العمل الإخواني مع العمال كان كبيرا حيث امتد لقطاعات أخرى متخصصة منها قطاع الجيش ووجد لدعوته صداها بين الضباط الجنود والعمال العسكريين فلقد أسس البنا قسما اسمه قسم الوحدات والذي كانت مهمته العمل والتحرك داخل الجيش المصري و يقول عنه الأستاذ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ: “وكان قسم الوحدات يضم عسكريين ومدنيين من كافة الأسلحة فى الجيش . وعرفت من العسكريين الاخوة محمد الشناوى وعلى بدران وكانا فى هذا الوقت يعملان فى سلاح الطيران برتبة صول.. ومن المدنيين محمد الكاشف وحسين البوهى ورفعت النجار وعبد السلام وعمار وإبراهيم بركات وغيرهم .
وكان عامة نشاط القسم يتلخص فى تجميع العسكريين والعمال علي هدف الإسلام ، وتعريف بعضهم ببعض ، ومحاولة إيجاد رباط فى العمل بينهم لإعانة بعضهم بعضا ، فيما يلحقهم من مظالم في داخل الوحدات وتبصيرهم بحقيقة الجهاد فى الإسلام ، وأنه لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله حتى لا يموت الجندي فيهم ميتة جاهلية ، ثم تعريف الضباط بواجباتهم نحو جنودهم ونحو أنفسهم ، وأن شجاعتهم فى دفع الظلم عن جنودهم وعن أنفسهم لا تقل ثوابا عن جهادهم فى المعارك).