الإخوان و حكم العواجيز

دكتور عبدالرحمن صبري يكتب : الإخوان وحكم العواجيز

ترددت فى الآونة الأخيرة فى جماعة الإخوان المسلمين نغمة حكم العواجيز وأن من يقودون الجماعة كلهم كبار السن وبالتالى شاخوا وتحجروا وأصبحوا غير قادرين على إدارة الجماعة والتجاوب مع متطلبات التطوير والتكيف مع لغة العصر واحتياجاته، والأدهى والأمر أن ينعتوا بأنهم من محبي الكراسي والمناصب.

وعجيب أن يصدر هذا الكلام من داخل الإخوان بل ممن تقلدوا فيها مناصب قيادية لعدة سنوات متتالية بل وتخطوا من يكبرهم بعشرات السنين.

والأعجب من ذلك أن يتناول شباب الجماعة تلك الأقاويل بغير تمحيص ولا مراجعة بل وبغير نظرة إلى واقعهم الشخصى الذى يكذب هذا الكلام ابتداء.

على مدار ثلاثين عاما قضيتها فى الجماعة منذ كنت فى الثامنة عشر من عمرى إلى اليوم أستطيع أن أقدم شهادتى التى أدين الله بها وألقاه عليها يوم القيامة كالآتى:

1- منذ التحقت بالجماعة وكل المسئولين فيها كانوا من جيل الوسط ( جيل أبو الفتوح والعريان) أو الجيل الأصغر وكانت أعمارهم يومئذ حول الثلاثين (أبو الفتوح – العريان – سعد الحسينى – أبو العلا ماضى – محمود أبو زيد – مصطفى الغنيمى ……. الخ).

2- كان دور الكبار هو التوريث فقط وتولي المهام التى لا يستطيعها أكثر الشباب مثل البرلمان ( فى1987 دخل الإخوان البرلمان على أسماء الكبار المشهورين: مهدى عاكف – محفوظ حلمى – مأمون الهضيبى – لاشين أبو شنب – صلاح ابواسماعيل – ودخل معهم مشاهير الشباب والذين تجاوزوا الثلاثين بقليل ” عصام العريان – مختار نوح – أبو الفتوح).

3- كبار الإخوان كما رأيناهم كانوا يملكون روحاً وثابة تفوق فى حيويتها روح الشباب، ويكفي الأستاذ عاكف والأستاذ لاشين والأستاذ على نويتو والأستاذ محفوظ حلمى وغيرهم كثير كانوا شبابا فى ثوب الشيوخ وكلنا حفظنا عن الأستاذ مصطفى مشهور بيت الشعر (عمرى إلى السبعين يجرى مسرعا ….ويأبى القلب إلا أن يظل فى العشرين).

4- عضوية مكتب الإرشاد وتولى المناصب القيادية لم تكن يوما ممنوعة على الشباب فها هو أبو الفتوح يصبح عضوا فى مكتب الإرشاد وهو لما يبلغ الأربعين والدكتور عبد الرحمن البر كذلك وكل مسئولى أقسام الجماعة كانوا من هذا الجيل بينما بقى الكبار مجرد مشرفين يورثون الشباب ما تعلموه على يد الإمام البنا والرعيل الأول.

5- جيل العواجيز المتهم والمفترى عليه هو الذى أصر على عودة هياكل الجماعة بكل مسمياتها ولوائحها وتفاصيلها ليسلموا الراية كما تسلموها ولازالوا يحرسون هذه النظم واللوائح التى حفظت الجماعة طوال هذه السنوات وتمسكهم بها هو سبب تطاول المنفلتين عليهم ومحاولة إدارة الجماعة بأهوائهم.

6- جيل العواجيز هذا كان منه أول مرشد سابق للإخوان باختياره بل وبإصرار شديد منه رغم كل محاولات إثنائه عن رأيه.

7- جيل العواجيز -كما يسمونهم- طوال مدة وجوده فى القيادة لم يحدث أى انشقاقات أو معارك فيها وحينما غُيب عن الساحة حدث الانشقاق والخلاف.

8- لو أردت أن أذكر بالأسماء لذكرت عشرات من كبار الإخوان كانوا أفراداَ فى الصف وكان المسؤولون عنهم يصغرونهم بأكثر من 10 وربما 20 عاما ، وكانوا مثالا رائعا للجندية والتواضع والالتزام.

9- لو قلت لكل واحد من الإخوان قضى ما بين 10 : 30 سنة فى الجماعة قم بإحصاء من كانوا مسئولين عنك من المسئول المباشر إلى مسئول المكتب الإدارى من جيل الشيوخ (كان مسئولا عنك وهو فوق الستين) لن يزيد المتوسط عن 10 : 20 % بأى حال.

10- ولو سألته أى مسئوليك أفضل لكان نصيب الكبار أعلى بكثير.

11- وإذا سألنا أنفسنا من هؤلاء العواجيز وما هى قدراتهم وثقافتهم ومستوى تعليمهم لاكتشفنا أن أغلبهم من كبار العلماء فى تخصصاتهم (أغلب أعضاء الإرشاد أساتذة فى الجامعة بل وفى الكليات العليا – طب – هندسة – بيطرى – زراعة – ….) فهم من صفوة الإخوان والمجتمع.

12- هؤلاء العواجيز المتهمون بالتخلف والتحجر هم الذين وضعوا خطة الإخوان فى التسعينات والتى اكتشفت فى قضية سلسبيل وكان حمدى رزق ينشرها فى المصور مبهورا بها ويقول (إنهم يستخدمون أحدث وسائل التكنولوجيا فى التخطيط والإحصاء ) بينما كان من يتطاولون عليهم الآن فى بطون أمهاتهم.

13- هؤلاء العواجيز يا سادة نجحوا فى مراحل التربية والتكوين والانتشار، فأداروا الجماعة حتى أصبحت أكبر الجماعات الإسلامية فى العالم.

14- هؤلاء العواجيز يا سادة من أداروا معركة النضال الدستورى مع النظام العسكرى المجرم لمدة ثلاث وثلاثين سنة وفازوا عليه فى كل الانتخابات ابتداء من اتحاد طلاب المدارس الثانوية وصولا إلى رئاسة الجمهورية.

15- هؤلاء العواجيز يا سادة الذين حافظوا على معركة النضال السلمى وحرب اللاعنف التى حرمت العسكر المجرمين من قوتهم الغاشمة التى استخدمها بشار السفاح فى سوريا فأفسدوا مخططات الأعداء.

16- هؤلاء العواجيز يا ساده من احترموا المؤسسات الشورية (ولو كانت عظم فى قفة – كالمثل العامى) فبقاء القيمة والحفاظ عليها هو العاصم من الزلل وما معركتنا مع الانقلاب وتمسكنا بالشرعية إلا تمسكا بقيمة احترام إرادة الشعب المتمثلة فى الرئيس مرسى.

هؤلاء ليسوا عواجيز، لا والله بل هم الكبار -سنا، ومقاما، وروحا، وإقداما، وتضحية، وبذلا- وهم فخر لنا تربينا على أيديهم وتعلمنا منهم ولنا معهم قصص ومواقف كثيرة نهتدى بها ونعلمها لمن بعدنا، وما رأيناهم يوما يحجرون على رأى ولا يستبدون بأمر، وكانوا يفرحون بنا فرحة الوالد بولده، ويفخرون بالنابهين منا أكثر مما يفخر به والداه، ويقدمون الشباب فى كل وقت وحين ورايناهم حين يؤذى شاب من الشباب يهرعون إليه فى عطف عجيب ولم نشعر يوما بفارق السن.

شيخ وموقف

قابلت أحد الكبار يوما فى مكتبة، ومعى بعض الشباب، فأردنا التعرف عليه، وهو فى السبعين وأكبرنا فى الثلاثين، فبدأ بقوله أخوكم فى الله …. فابتسمت قائلا : أبوكم فى الله …… فأجابنى بحسم لا ليس فى الدعوة آباء … نحن جميعا إخوة فى الله … وأحضرت كرسيا وألححت عليه أن يجلس فرفض وقال أنا لا أتعب من الوقوف فقد كنا فى السجن الحربى نجرى كل يوم 8 ساعات فتعودنا على ذلك.

هؤلاء كبارنا فجئنى بمثلهم
“رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ”