إنني لا ابيع نفسي وفكري بأموال الدنيا ، فأعد أموالك إلى حقيبتك مشكورا

روى الصحفي السعودي أحمد عبد الغفور عطار حادثة رآها من سيد قطب بعينه وعاشها بكيانه ، وهي أغرب من الخيال .
قال : اتصل بي سيد قطب تليفونيا ذات يوم وطلب مني أن آتي إلى منزله سريعا
وطلب مني باستحياء أن أحضر معي بضعة عشر جنيها قرضا ، ليشتري بها دواء ، وهو مريض ولا يملك ثمن الدواء !! .
فذهبت إلى المنزل سريعا ومعي المبلغ المطلوب ..
ولما دخلت غرفة الإستقبال ، رأيت مشهدا عجيبا ،أقسم لقد دهشت مما رأيت !
كان يجلس في الغرفة، موظف دبلوماسي في سفارة دولة عربية بترولية ، وأمامه حقيبة مليئة بالأوراق المالية من مختلف الأرقام والفئات ، تبلغ في مجموعها عدة آلاف من الجنيهات تقريبا !! .
وهو يرجو سيد قطب بإلحاح ورجاء وحرارة أن يأخذ الحقيبة ، بما فيها من أموال ، فهي هدية من دولته له ، لأنها تعرف منزلته ومسؤولياته ، وتريد منه أن يستعين بها على أعباء حياته ، وتمويل مشروعاته الأدبية والفكرية ، وكان سيد وقتها بصدد إصدار مجلة أدبية وفكرية إصلاحية – لعلها العالم العربي أو الفكر الجديد .
فنظرت إلى سيد قطب الذي كان جالسا مريضا ، فإذا به حزين ..
ثم رد هدية الرجل بحزم وأدب ، وبدا عليه الغضب والحدة ، وهو يخاطبه قائلا :
إنني لا ابيع نفسي وفكري بأموال الدنيا ، فأعد أموالك إلى حقيبتك مشكورا !! .
ثم التفت سيد إلي وقال لي : هل أحضرت ما طلبته منك ؟
فقلت له : نعم ، وناولته المبلغ ، وأنا في غاية الدهشة والإستغراب والإنفعال !!!
ولما عرف الدبلوماسي قصة هذا المبلغ ، وان سيد يومها فقير لا يملك ثمن الدواء ، ومع ذلك استعلى على آلاف الجنيهات ورفضها وردها مع حاجته الماسة إلى بعضها … خرج محتارا متعجبا !! .
يقول الاستاذ أحمد : هذه الحادثة أثبتها وأسوقها بدون تعليق .. وأقدمها هدية لمن يتناولون حياة سيد قطب وفكره وآراءه الحركية ومواقفه الجهادية ، بالتخطئة والنقد والاتهام والتجهيل … وهم يعيشون في ترف ظاهر ، ويلهثون وراء المال ، ويرتبطون الارتباطات المشبوهة ، ويتصلون الإتصالات المريبة ، ويمدون أيديهم لهنا وهناك !!
واقول لهم : قليلا يا هؤلاء !
ورحم الله امرء عرف قدر نفسه فوقف عندها !!
واين أنتم من هذا الرجل الزاهد المتجرد الشهيد بإذن الله ؟!!!.

المرجع : كتاب سيد قطب من الميلاد إلى الإستشهاد .