إعدام دون محاكمة.. لماذا تتعمد سجون الانقلاب الإهمال الطبي للمعتقلين؟

أعادت الأزمة الصحية التي تعرض لها الصحفي أحمد عبد العزيز، الملف الصحي للمعتقلين السياسيين في عهد قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي إلى الواجهة مرة أخرى، وتدهورت الحالة الصحية للصحفي أحمد عبد العزيز بشكل بالغ داخل محبسه بسجن ليمان طره، في ظل الإهمال الطبي المتعمد الذي يتعرض له، في ظروف احتجاز تتنافى مع أدنى معايير سلامة وصحة الإنسان.

ويعد الإهمال الطبي الطريق الخفي للانقلاب العسكري للتخلص من معارضي السفيه السيسي، وطبقا للقانون المنظم لأوضاع السجون، فإن الخدمة العلاجية والرعاية الصحية حق أصيل لكل سجين، ويتوجب على مصلحة السجون أن تقدم هذه الرعاية من خلال المؤسسات التابعة لها، أو من خلال المستشفيات الخاصة على نفقة السجين بعد الموافقات اللازمة.

وحمّل المرصد العربي لحرية الإعلام، سلطات الانقلاب مسئولية سلامة حياة “عبد العزيز”، مشيرا إلى امتناع إدارة السجن عن توفير الرعاية الصحية اللازمة له ، وأكد أن استمرار حبسه وعدم تقديم العلاج له أو الاستشارة الطبية، هو حالة قتل بطيء مع سبق الإصرار.

دائرة مفرغة

وطالب المرصد سلطات الانقلاب بإطلاق سراح الصحفي أحمد عبد العزيز فورا ودون قيد أو شرط، خاصة مع تهاوي كل الاتهامات التي وجهت له دون قرائن أو أدلة، كما طالب المرصد بإطلاق سراح جميع الصحفيين السجناء، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمرضى حتى يتم إطلاق سراحهم.

ويعانى الصحفي أحمد عبد العزيز آلامًا في كليتيه، مع وجود حصوات يزداد حجمها يوما بعد الآخر، والتي استدعت نقله لمستشفى السجن، وأكد طبيب السجن أنه بحاجة إلى عدة جراحات عاجلة، وهو ما لم يتم، وفي القضية التي يحاكم فيها أحمد وعشرات الصحفيين، تم إخلاء سبيل كل من حلّ موعد تجديد حبسه، باستثناء أحمد وزميله الصحفي حسام السويفي، اللذين تم القبض عليهما معا من على سلم نقابة الصحفيين أثناء تغطية وقفة احتجاجية ضد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

ويعد مصطلح “الموافقات اللازمة” هو الدائرة المفرغة التي يدور داخلها المعتقل السياسي، ما بين إدارة السجن والإدارة الطبية للمصلحة والعيادة الطبية داخل السجن والأطباء الاستشاريين للمصلحة، وقبل كل هؤلاء جهاز الأمن الوطني، الذي بيده مفتاح العبور للرعاية الصحية.

وشهدت السجون المصرية منذ انقلاب يوليو 2013 العشرات من المعتقلين السياسيين الذين فقدوا أرواحهم نتيجة التعنت في حصولهم على العلاج اللازم، ويأتي في مقدمتهم المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، الذي رفض الأمن الوطني نقله لمستشفى خاصة لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية، وسبقه الشيخ نبيل المغربي، أحد مؤسسي حركة الجهاد، وأقدم سجين سياسي بالعصر الحديث.

دلع عصابة مبارك

وفي مقابل ذلك، كان تعامل سلطات الانقلاب مع رجال الأعمال وقيادات نظام المخلوع مبارك مختلفا، حيث قضى معظمهم فترة سجنه بين مستشفيات السلام الدولي والنيل بدراوي بأجنحة خمس نجوم، وكان آخرهم رجل الأعمال حسام أبو الفتوح الذي حصل على إفراج صحي، في الوقت الذي رفضت فيه الداخلية علاج مهدي عاكف.

كما قام المجلس العسكري، خلال فترة حكمه، بتجهيز مستشفى سجن مزرعة طره بأحدث الأجهزة؛ تحسبا لإجبار حسني مبارك قضاء فترة عقوبته داخل السجن بناء على مطالب الثوار، ورغم كل التجهيزات نقل مبارك من المركز الطبي العالمي لمستشفى المعادي العسكرية، التي ظل فيه حتى تم إطلاق سراحه بأمر من السفيه السيسي.

وفي حديث له مع عدد من المعتقلين، أكد اللواء حسن السوهاجي، مساعد وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون، صراحة أن القانون منحه عدة مواد يستطيع من خلالها تنفيذ القتل البطيء دون أن يحاسبه أحد، وهو ما نفذه بالفعل، حيث قتل نتيجة الإهمال الطبي ما يقرب من 15 معتقلا، من بينهم 7 بسجن العقرب فقط، وقد استمر بنهجه ذاته اللواء محمد خليصي، الذي تولى مسئولية المصلحة من بعده.

القتل البطيء

من جانبه، يؤكد الناشط الحقوقي وعضو هيئة الدفاع عن قضايا المعتقلين، أحمد عبد الباقي، أن الإهمال الطبي واحد من أخطر الملفات المسكوت عنها داخل السجون؛ لأن التنكيل بالمعتقلين يتم من خلاله وبإجراءات قانونية لا تعرض المسئولين للمساءلة القانونية، موضحا أن هناك بندا يعرف بـ”التعذر الأمني”، وهذا البند كفيل بالقضاء على حياة آلاف المعتقلين؛ لأنه يمنح لإدارات السجون وحدها حق تقرير جواز نقل السجين من محبسه أم لا، سواء للمحاكمات أو لتلقي العلاج خارج السجن.

ويضيف الناشط الحقوقي أنهم رصدوا آلاف الحالات من الإهمال الطبي في السجون، ما نتج عنه وفاة العشرات من المعتقلين، وعندما يعترض زملاؤهم يتم التنكيل بهم وسجنهم في عنبر التأديب، وفي بعض الأحيان يتم نقلهم لسجن العقرب؛ لتوقيع التأديب عليهم، كما حدث مع أحد المعتقلين من محافظة البحيرة، الذي تعرض لأزمة قلبية، وقد رفضت إدارة سجن شديد الحراسة 2 علاجه، ما أدى لوفاته، وعندما اعترض زملاؤه تم الاعتداء عليهم ومعاقبتهم.

ويوضح عبد الباقي أن الدعاوى القضائية التي تقدموا بها للنائب العام ضد هذه التجاوزات لا يتم التعامل معها بجدية ويتم حفظها، ما يمنح الضباط دعما إضافيا للقتل تحت رعاية القانون، كما أن كثيرا من الأهالي لا يجدون مسار قانونيا ذا جدوى، وبالتالي يكون دافعهم الأول استلام جثة ذويهم، دون الدخول في مضايقات أو مشاكل مع الداخلية.