كتب الإعلامي المصري، أسامة جاويش، مقالا في صحيفة “الغارديان” البريطانية، تناول فيه استفتاء تعديل الدستور الذي يعتزم نظام عبد الفتاح السيسي إطلاقه، من أجل مد فترة رئاسة الأخير، والسماح له بولاية جديدة.
وتطرق كذلك جاويش في مقاله الذي ترجمته “عربي21“، إلى حملة “باطل” الشهيرة الرافضة للتعديلات الدستورية التي يريدها السيسي، متحدثا عن محاولة السلطات المصرية إبطال الحملة وملاحقتها.
إلا أن جاويش أوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها، تسمح للنشطاء بمساحة للتعبير عن آرائهم بحرية بعيدا عن قمع السلطة للحريات، ما سيجعل من إفشال حملة باطل مهمة صعبة أمام تطور “السوشال ميديا”.
وأكد أن المصريين لن يصمتوا، وسيرفعون صوتهم برفض التعديلات، مؤكدا أنه “لا أحد يصدق أن الاستفتاء سيكون نزيها”.
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته “عربي21”:
يلعب السيسي معنا لعبة القط والفأر، فيغلق مواقعنا الإلكترونية ويحظر وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لن نستسلم..
بينما يراقب العالم بمهابة واندهاش الثورة السلمية التي تأذن بتغير يجري في السودان، من الواضح أن السيسي في مصر، الجارة الشمالية للسودان، يشعر بقلق شديد. ففي اليوم ذاته الذي وصلت فيها الاحتجاجات في الخرطوم ذروتها، قام نفر منا، نحن معشر المعارضين لحكم السيسي الاستبدادي، بإطلاق عريضة عبر الإنترنيت للإعلان بأن أي نتيجة يتمخض عنها استفتاء الثلاثاء حول التعديلات الدستورية المقترحة ستكون “باطلة”.
يوجد من بين التعديلات التي يسعى السيسي لفرضها على الشعب المصري مادة يمكن أن تسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2030.
كما أن من شأن التعديلات أيضا أن تزيد من إحكام قبضة العسكر على مقاليد الأمور، لأنهم سيمنحون بموجبها سلطات تخولهم بالرقابة على المجال السياسي في مصر. كما تمنح التعديلات السيسي صلاحية التحكم بتعيين القضاة والنائب العام.
من المفروض أن يصوت الناس على هذه التعديلات في استفتاء عام، ولكن لا يوجد من يصدق بأن هذه العملية ستكون حرة أو نزيهة. يتوق السيسي للبقاء في السلطة مدة أطول، ولهذا السبب قررنا إطلاق استفتاء “ظل” لنعبر من خلاله عن الإرادة الحقيقية للشعب المصري.
وكما هو معهود من السيسي، تم حظر الموقع الإلكتروني للحملة في مصر بعد أن وصل عدد التوقيعات إلى ستين ألف توقيع خلال الساعات القليلة الأولى من إطلاق الموقع. بعد ذلك تم تحويل التصويت إلى تطبيق تيليغرام للرسائل المشفرة، إلا أن فريق السيسي تمكن من حظر الدخول إليه أيضا، ما قاد إلى فتح صفحة أخرى.
غدا الأمر الآن بمثابة لعبة القط والفار ما بين حظر المواقع وإعادة فتح مواقع بديلة، حتى تجاوز عدد التواقيع الآن ربع المليون توقيع دون أن تفلح الحكومة المصرية بكل ما أوتيت من قوة في إسكات الإرادة الحقيقية للشعب.
وكانت موجة غضب أخرى قد غمرت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية قبل أسابيع قليلة فقط من خلال هاشتاغ “إنت مش لوحدك”، التي بدأها معتز مطر، الإعلامي المصري المعارض الذي يعمل في قناة الشرق الفضائية التي تبث من تركيا، والذي دعا الناس إلى التغريد بهاشتاغ #اطمن_إنت_مش_لوحدك.
ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى فاضت المواقع بها وأصبحت الهاشتاغ الأكثر تغريدا في مصر والجزائر وقطر والأردن.
انضم الناس من مختلف التوجهات إلى الحملة، من زعماء المعارضة وإعلامييها إلى السياسيين الأجانب، إلى عامة الناس، مما دفع نظام السيسي إلى الرد بعنف شديد مستهدفا المشاركين في الحملة.
ما كان من البرلمان إلا أن أصدر تعديلا جديدا يضاف إلى القوانين الجائرة الخاصة بمحاربة الإرهاب، حيث أعلن بأن العقوبة على نشر أي فكرة “متطرفة” عبر الإنترنيت، أو التحريض على القيام بأعمال معادية للدولة، سوف تزيد من خمس سنين إلى عشر.
لكن تجدر الإشارة إلى أن حرب السيسي على الإنترنيت بدأت قبل زمن طويل من إطلاق حملة “باطل” وحملة “إنت مش لوحدك”.
فمنذ ما قبل الثورة، وتحديدا في عام 2010، عندما كان السيسي مديرا للمخابرات الحربية، قال في ندوة نظمها الجيش المصري إن “مواقع التواصل الاجتماعي سيكون لها تأثير خطير على مصر وعلى المنطقة”.
ولما سنحت له الفرصة لم يتأخر في القيام بما يلزم من وجهة نظره. وفي عام 2014، قبل الانتخابات الرئاسية التي نظمت بعد الانقلاب العسكري، دفعت الإمارات العربية المتحدة عشرة ملايين يورو لشراء برنامج تجسس من شركة فرنسية اسمها “نيكسا” للتقنيات. منحت الإمارات العربية ذلك البرنامج لمصر حتى تتمكن من خلاله من مراقبة ورصد واختراق حسابات خصومها في السوشال ميديا.
بعد ذلك بوقت قصير ألقي القبض على عدد ضخم من نشطاء المعارضة المصرية.
وفي شهر أيار/ مايو من السنة الماضية، أعلن السيسي بغضب أن “جميع أولئك الذين يعارضون مصر عبر القنوات التلفزيونية التي تبث من الخارج، أقسم أنهم سوف يعاقبون”. كان بذلك يصدر تهديدا صريحا إلى جميع الصحفيين والنشطاء العاملين في القنوات التلفزيونية التي تبث من الخارج، بما فيهم أنا شخصيا.
بدأ بعد تهديده ذلك يفرض قيودا أشد صرامة على كل ما ينشر عبر الإنترنت، وباتت حسابات السوشال ميديا المملوكة للنشطاء عرضة للرصد والمراقبة والمتابعة، وألقي القبض على الكثيرين منهم، مثل وائل عباس – المدون الشهير، ووجهت لهم تهم بنشر “الشائعات” وإهانة الرئيس أو نشر ما يؤدي إلى خلق مناخ من التشاؤم في مصر.
نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا في السادس من آذار/ مارس ورد فيه أن مصر استهدفت العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان بهجمات عبر الإنترنيت، ووجدوا أن هذه الهجمات وقعت في الفترة ما بين الثالث عشر والثامن عشر من كانون الثاني/ يناير ثم ازدادت وتيرتها بشكل كبير في التاسع والعشرين من نفس الشهر، والذي صادف انعقاد اجتماع بين نشطاء في المعارضة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في هذه الأثناء يتنامى الغضب تجاه ما تمارسه السلطات المصرية من قمع وتنكيل، بل لقد أحال تزايد عدد المعتقلين من النشطاء السياسيين وسائل التواصل الاجتماعي إلى ملاذ مفضل، أكثر من أي وقت مضى، لدى المصريين، وخاصة في أوساط المعارضين منهم.
أيا كان ما يسعى لتحقيقه السيسي ونظامه من خلال تقييد اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن من الواضح أن استهداف النشطاء وحتى تغيير الدستور يؤديان إلى عكس ما هو مرجو منهما. فقد غدت السوشال ميديا أكثر نشاطا من أي وقت مضى، وحظر المواقع يجعل الناس أكثر شغفا بالوصول إليها، واستهداف مواقع شبكات التواصل الاجتماعي يشجع مستخدميها على إبداع وسائل أكثر عبقرية وأكثر فعالية لخدمة قضاياهم، واعتقال النشطاء يحفز أصدقاءهم لا محالة على التغريد والتدوين عنهم وعن أوضاعهم.
أتساءل في بعض الأحيان ما إذا كان السيسي ونظامه يدركان أننا نعيش في العام 2019. فمهما حاولوا، لسوف نبحث باستمرار عن وسائل جديدة للتعبير عن سخطنا سواء كان ذلك في الشارع أو عبر الإنترنيت. في المحصلة، لن يتسنى له إخراسنا.
(عن صحيفة الغارديان البريطانية، مترجم خصيصا لـ”عربي21)