رسالة من أ. د. محمود عزت- القائم بأعمال فضيلة المرشد العام
اعتادت بعض المؤسسات الوطنية والهيئات العالمية والشركات الاقتصادية أن تجعل من مطالع ونهايات عقود القرن الميلادي فرصة للإعلان عن إنجازاتها لعقد مضى والإفصاح عن أهدافها في المرحلة المقبلة؛ رجاء أن تجد استجابة لرسالتها أو رواجًا لتجارتها.
و”الإخوان المسلمون”هيئة إسلامية جامعة ترجو من الله تجارة لن تبور.. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” (الصف:10 و11).
ولمن يسأل عن الإخوان المسلمين وعلاقتهم بأجيال الأمة في مطلع 2020م، فإن الإخوان جماعة من المسلمين تدعو إلى الإسلام الشامل الذي تُمثل الحكومة جزءًا منه، والحرية فريضة من فرائضه، وتسعى إلى تكوين أجيال من المؤمنين، تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتنهض بالأمة؛ حتى تقوم بدورها الحضاري لتسعد البشرية جميعًا بتعاليم الإسلام العظيم.
والجماعة جزء من الأمة، تشترك مع جميع مكوناتها للحفاظ على أوطانها وصيانة مقدراتها وتحقيق الحرية والعدالة لشعوبها، من خلال منهجها الإصلاحي الشامل الذي يجد فيه كلُّ مصلح غيور أمنيته, فهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.
وفي المقابل، فإن الجماعة تطلب من كل ناصح أمين نصحه فيما تعرض من منهجها وغايتها وخطواتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا؛ لننزل على الحق من مشورته، فإن الدين النصيحة.. لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
ويوضح الإمام الشهيد حسن البنا – في رسالة المؤتمر الخامس – رؤية الجماعة لكيفية تحقيق النهضة، فيقول: إن القائمين بكل نهضة موفقة نجحت وأثمرت كان لهم منهاج محدود عليه يعملون، وهدف محدود إليه يقصدون، وضعه الداعون إلى النهوض، وعملوا على تحقيقه ما امتد بهم الأجل وأمكنهم العمل, حتى إذا حيل بينهم وبينه وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة، فترة الحياة الدنيا، خلفهم من قومهم غيرُهم، يعملون على منهاجهم، يبدءون من حيث انتهوا، لا يقطعون ما وصلوا، ولا يهدمون ما بنوا، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخربون ما عمروا، فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينًا، أو مكنوا نتائجهم تمكينًا، وإما تبعوهم على آثارهم فزادوا البناء طبقًا وصاروا بالأمة شوطًا إلى الغاية؛ حيث يصلون بها إلى ما تبتغي أو ينصرفون راشدين يخلفهم غيرهم، وهكذا دواليك حتى تتحقق الآمال وتصدق الأحلام ويتم النهوض وتصل الأمة إلى ما قصدت إليه وله عملت.. “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ” (الزلزلة: 7).
وإذا ما نظرنا اليوم إلى ما تحقق من مشروع النهضة المتمثل في تحرير أوطان الأمة الاسلامية من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، وقيام نظم وطنية إسلامية تسعى لوحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة المشروعات الاستعمارية المعادية، وعلى رأسها المشروع الصهيوني الذي احتلّ الأرض ودنّس المقدسات وسلب الثروات ثم المشروعات الاستبدادية، سواء العرقي منها أو الطائفي، التي مزّقت الأمة وأهدرت مقدراتها، سنجد أن ما حققته شعوب الأمة من نجاح في مشروع نهضتها، أو نكصت على عقبيها فيه، توقف على ما حازته هذه الشعوب من قوة الإيمان والعقيدة ثم قوة الأخوّة والوحدة، ثم قوة الساعد والسلاح التي لا يجدي مع المحتل غيرها.
وبقيت بؤرة الصراع مركّزة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فأصبحت المقاومة الفلسطينية وأسراها المحررون هم الأمل، وأصبح المرابطون هم القدوة لكل شعوب الأمة في صراعها مع أعدائها الخارجيين، كما أصبح الثابتون على الحق والداعون إلى الخير والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر في داخل سجون الاستبداد وخارجها قدوةً لصراع الأمة مع أعدائها الداخليين، فـ”أفضل الجهاد كلمة عدل (وفي رواية: حق) عند سلطان جائر” (أخرجه أبو داود والترمذي).
وفي المقابل، فالذين خسروا أنفسهم وسارعوا في الذلة لأعدائهم والاستكبار على أمتهم، وفرّطوا في مقدّراتها ومقدّساتها، قد استحقُّوا الغضب من ربهم والبغض من أمتهم والسخرية والمهانة من أصدقائهم قبل أعدائهم، ونحذرهم بقول الله عز وجل: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة: 52).
فلتُعِد أجيال النهضة نفسها لعقود مقبلة من التضحيات العزيزة والصبر الجميل والعمل المتواصل، والدفع بالتي هي أحسن؛ لاستعادة وحدتها وإزاحة المستبدين المفسدين عن قيادتها، والاستعداد للمعركة الفاصلة مع أعدائها الغاصبين المحتلين.. (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء: 7).. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55), (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: 111).