في ذكراها الخامسة.. هل تُخرج رابعة المتعاطفين من الرثاء إلى العمل الثوري؟

لم تكن شمس يوم الرابع عشر من أغسطس 2013 مثل ما سبقها، كان الرصاص المنهمر وجرافات العسكر وقنابل الغاز تملأ الأفق في ميدان رابعة، وحين مالت الشمس إلى مغيبها كانت رائحة الموت تملأ المكان، وكانت دماء الشهداء تمتزج بدموع الجرحى والمصابين، كل ذلك يتذكره المصريون جيداً ويتعمق في الذاكرة عاما بعد آخر، إلا أن مراقبين ونشطاء تمنوا أن تتحول الذكرى الخامسة إلى عمل ثوري يخرج الناس من ظلمات البكاء والرثاء، إلى الفعل والعمل الثوري وابتكار أكثر من طريقة لإسقاط الانقلاب.

وبانتهاء أطول يوم دموي مر في تاريخ مصر، طويت صفحة رابعة من الميدان، لكنها ظلت تقرع كل أبواب التاريخ بحثا عن حرية اختار لها قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي أن تكون حمراء قانية. يقول الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية بوزارة هشام قنديل السابق: “رحم الله شهداء رابعة.. وما سبقها وما لحقها.. دماء المصريين غالية.. وكل دماء غالية.. الخزي والعار لمن أهدرها أو برر لمن استحلها أو غفل عن حقها أو ميز بين أصحابها.. قد يتأخر العدل لكنه حتما يأتي”.

تعلموا من الانقلاب!

لم يقف العسكر طويلا عند البكاء على عرشهم الذي دهسته ثورة 25 يناير، ويجب أن يتعلم الثوار من تجربة الانقلاب العسكري، الذي عمل في ست خطوات على إسقاط الثورة، فمنذ دعوة السفيه السيسي للقوى السياسية للعشاء في ديسمبر 2012 تتم عملية تلميع له كقائد، بالإضافة إلى الأذرع الإعلامية التي تحدث هو عن صناعتها، وتأجيج الغضب الشعبي بأزمات الكهرباء والبنزين والأمن والمياه، وشراء الحلفاء كالبرادعي والببلاوي وصباحي وغيره، ثم “تمرد” والدعوة لمظاهرات 30 يونيو، فـ”الحسم بالقوة” في مشهد 3 يوليو وحتى 16 أغسطس.

تقول الناشطة أنمار خالد: “المجرمون الفسدة العملاء الذين قتلوا المصريين بكل قسوة لإفشال ثورة يناير.. ليس لديهم انتماء لمصر كدولة وشعب. هؤلاء اللصوص الذين يريدون إبقاء شعب مصر فقيرا متخلفا إلى الأبد ليستمروا في سرقته لصالحهم فقط، يجب أن ينالوا العقاب المناسب على جرائمهم لكي يكونوا درسا للمستقبل”.

ويقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر: “حلّت لعنة الدماء التي سُفكت في جمعة الكرامة في اليمن على علي عبد الله صالح، كما حلت لعنة المذبحة في سجن بوسليم في ليبيا على القذافي. وستحل لعنة رابعة على مقترفيها ومموِّليها، وستحل لعائن مذابح لا نهاية لها على السفاح الأسد: “ولا تحسبنَّ الله غافلا عما يعمل الظالمون”.

من جانبه يقول محمد شريف كامل، الأمين العام للمجلس الثوري المصري، إن أى شيء يعجل بسقوط الانقلاب، فالمجلس يرحب به وإسقاط الانقلاب ليس معناه سقوط السيسي بل معناه الرجوع لما كانت عليه الاستحقاقات قبل يونيو 2013، وأضاف أن عدم سقوط الانقلاب وعدم كسره ضياع للثورة، ويجب أن نعمل على إخراج الجيش من أي معادلة سياسية في مصر.

وأضاف أن تشتيت الجهود في صالح السيسي، ولكن من لديه برنامج واضح مختلف عن البرامج الموجودة عليه تقديمه والعمل عليه، ويجب الاستمرار في التوعية بأهمية العصيان المدني، وهو أمر تراكمي سيستغرق وقتا، كما يجب التصدي لمشاكل الناس في مصر.

رصاصة الغضب

ويقول الباحث الصحفي مصطفى خطاب: “كم من حقوق ضاعت بسبب ضعف الألسنة التي تدافع عنها، فلا أمل في انتصار فكرة أو قضية أو ثورة ما لم تكن هناك أذرع إعلامية قوية تدافع عنها وتذبح أعداءها.. كل الخطوات السابقة “صناعة رمز” واللاحقة لإسقاط الانقلاب، سيكون الإعلام فيها سلاحا رئيسيا، صحيح أننا بدأنا في ذلك، لكن لا يزال إعلامنا هو إعلام الأزمة أو إعلام الحرب كما يصفونه، نحتاج إلى صناعة إعلامية شاملة، قادرة على مخاطبة المجتمع بكل شرائحه”.

مضيفا: “أظهر الفساد، واكشف الحقيقة، ودع الغضب يفعل فعلته بالعمال والفلاحين والصيادين والموظفين والطلبة والمعلمين والأطباء والطبقات الكادحة والفقراء، سيساعدك كثيرا شخص كـ”السيسي” يسكب البنزين من حين لآخر على الأحداث، بفشله وكذبه. كلمات القائد الجديد الذي تمت صناعته، ستكون أمل هؤلاء، والإعلام صوتهم، والغضب سيتحوله بعد وقت قصير إلى أفعال”.

وشهد قلب القاهرة، في شهر مارس الماضي، ظاهرة قلب وإسقاط لافتات الدعاية الانتخابية للسفيه السيسي، ولا تخفى دلالات هذا الفعل اللافت على متابعين يرون أن وراء “قلب السيسي” معارضين للانقلاب العسكري الذي نفّذه قبل خمسة أعوام على الرئيس المنتخب محمد مرسي، أو معارضين لاستمراره في الحكم دهسهم الخراب الاقتصادي العنيف، أو ممن يرفضون تفريطه في الأراضي والسيادة المصرية.

ولا تعد ظاهرة إسقاط لافتات السفيه السيسي وتمزيقها احتجاجا صامتا فقط، برأي الناشط عبد الرحمن عز، بل هي كشف عن “غضب شعبي مكتوم، يحاول التعبير عن نفسه بأمان وبسرعة قبل أن تطاله رصاصات النظام الوحشي”، وقال إن المصريين أمسوا يدركون تماما أن أي محاولة للتعبير عن الرأي لن تقل تكلفتها عن التعذيب في السجون أو الإخفاء القسري.

وألمح عبد الرحمن عز إلى أن الفئات المهمشة غير المسيسة أمست هي الأخرى تعاني الإحباط بعدما أخلف العسكر وعودهم الوردية معها، وهاهم يلمسون اليوم “من كان يعدهم بالحنان، لا يرفق حتى بأقرب أنصاره لمجرد إظهار اعتراضات على سياساته ببيع الأرض والغاز والمياه وسحق الفقراء”.