مشهور

وفي اتباع السنة النبوية.. زاد

يقدمه لإخوانه المرشد الراحل الأستاذ مصطفى مشهور

السنة المطهرة لها في القلوب المسلمين منزلتها العظيمة فهى التطبيق الأول و الصحيح للإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهى المنهج السليم للحياة كما أراد الله لعباده ، وهى الشارحة المبينة لكتاب الله العزيز ، وهى المصدر الثانى للتشريع ، ولا يقبل إسلام من أنكرها وجحدها ، وكما أن القرآن الكريم مصدر زاخر للزاد فكذلك السنة مصدر وافر بالزاد .

وتلزمنا وقفة حول أهمية السنة ومنزلتها قبل الحديث عن الزاد الذى نحصل عليه باتباعنا لها كى يتولد الدافع القوى لهذا الاتباع دون تفريط أو تراخ ، خاصة أننا نسمع ونقرأ لأصوات ناشزة تحاول أن تقلل من أهمية السنة أو تشكك فى صحتها .

إن موقفنا من السنة هو الذى يحدد موقفنا من الإسلام نفسه ، فإذا قبلنا تعاليم الإسلام كما بسطها القرآن الكريم وكما أوردها الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب علينا أنم نقبلها تامة غير منقوصة .

وهل لنا أن نتردد فى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه وسنته بعد أمر الله لنا فى قرآنه الكريم :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقوله تعالى :{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } ، وقوله تعالى :{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } وقوله تعالى :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله و الرسول فإن تولوا فإن الله لايحب الكافرين } .

وبعد هذا الوضوح فى الآية الكريمة التى تربط حبنا لله وحب الله لنا باتباعنا لسنة رسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم ، هل يجوز أن يتردد مسلم صادق فى المسارعة الى اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يجد نفسه مدفوعاً الى تحرى هذه السن فى كل أموره وأحواله لكى يحظى بحب الله وحب رسوله و الفوز بسعادة الدنيا والآخرة .

إذا كنا نعتقد أن القرآن الكريم كلام الله ، وأم محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله …. نصبح ملزَمين بأن نتبع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تردد أو تراخٍ .

إن مافى القرآن و السنة المطهرة من تعاليم من ألزم الأشياء للإنسان ولا يتحقق صلاح أو فلاح إلا بالتزامهما فالله تعالى يقول  :{ فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى } وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى حديثه الشريف 🙁 تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتى ) .

إن الذين عاشوا فى صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم رأوا جميعهم فى أقواله وأفعاله أعظم الأهمية لا لأن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أثرت فيهم فخلبت ألبابهم فقط بل لأنهم كانوا أيضاً على اعتقاد جازم بأن ذلك كان أمراً من الله تعالى لتنظيم حياتهم حتى فى أدق تفاصيلها ، وكانوا شديدى الحرص على ألا يفوتهم شىء من أقواله وأفعاله .

إن رسالتنا فى هذه الحياة هى عبادة الله تعالى وبها ننال رضوان الله والفوز بالجنة و النجاة من النار ، ومفهوم العبادة ليس مقصوراً على العبادات كالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج فقط ولكنه يشمل حياتنا كلها ، فأكلنا عبادة وشربنا عبادة ونومنا وعملنا وعلمنا وزواجنا وكل أمور حياتنا عبادة ، وكما نتحرى فى صلاتنا وصومنا أحكام صحتها لتكون مقبولة ونلتزم بهدى الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كذلك علينا أن نقتدى برسولنا فى كل أمر من هذه الأمور وغيرها حتى تكون عبادة مقبولة .

ترى أصحاب المصانع يلتزمون بالتعليمات المصاحبة للآلات و التى وضعها مصمموا هذه الآلات كى يضمنوا سلامة سير هذه الآلات وعدم تعطلها ، فما دمنا نوقن أن الله هو خالقتنا ويعلم كل ما يتصل بنا ، ما ينفعنا وما يضرنا ، ما يفسدنا وما يصلحنا ، وقد وضع لنا تعاليم فى كتابه وسنة نبيه فكيف نخالفها ونجرى وراء تشريعات بشرية وعادات وتقاليد فى حياتنا مخالفة لهدى رسول الله وسنته ؟ فالنتيجة الحتمية لهذا أن نتعرض للشقاء و الحيرة و الضلال ونحرم الحياة الطيبة الهانئة و الطمأنينة والأمن و السعادة فى الدنيا والآخرة .

إن السن هى المثال الذى أقامه لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من أقواله وأعماله فكانت حياته صلى الله عليه وسلم تمثيلاً حياً وتفسيراً لما جاء فى القرآن الكريم ، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذى نزل عليه الوحى وبلَّغه .

إن اتباعنا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أمور حياتنا يجعلنا نحيا دائماً فى حال من الوعى الداخلى و اليقظة الشديدة وضبط النفس ، فيصبح كل شىء نفعله أو نقوله مقدوراً بإرادتنا خاضعاً لمراقبتنا الروحية ، نحاسب أنفسنا عليه قبل أن نحاسب يوم القيامة ، وفى هذا زاد كبير .

كما أن لاتباع السنة نفع اجتماعى ، فاختلاف الأمزجة و الميول فى الأفراد يحمل الناس على عادات مختلفة و بالمراس تتحول هذه العادات الى حوافز بين الأفراد وتثير الخلافات و النزاعات ، ولكن الإسلام الحنيف يحمل أفراد البيئة الاجتماعية بطريقة منظمة على أن تكون عاداتهم طباعهم متماثلة مهما كانت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية متنافرة ، فيصير كل مسلم وكأنه لبنة شكلت فى قالب معيَّن يتلاحم ويتلاءم مع إخوانه كأنهم بنيان مرصوص لا اعوجاج ولا نشوز .

إن اتباع المسلمين لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم يغنيهم عن تقليد الغرب فى أمور حياتهم ويشعرهم بتميزهم واستقلال شخصيتهم ، وأنهم يستطيعون التطور نحو مستقبل حى فى ثقة بالنفس وعدم شعور بالتبعية لشرق أو لغرب ولكن اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

إن قضية تقليد التمدن الأجنبى فى حياة المسلمين قضية لها آثارها العميقة و الخطيرة ، هى نتيجة شعور بالنقص ونتيجة تصور خاطىء بأن المسلمين لا يستطيعون أن يسايروا الرقى الموجود فى بعض بلاد الغربية ما لم يقبلوا القواعد الاجتماعية والاقتصادية التى قبلها الغرب … فلا يمكن تقليد مدنية ما فى مظاهرها الخارجية من غير التأثر فى الوقت نفسه بروحها . فالمدنية ليست شكلاً أجوف ولكنها نشاط حى وإذا تقبلنا شكلها سرت مجاريها الأساسية ومؤثراتها الفعالة تعمل فينا ثم تخلع على اتجاهنا شكلاًً معيناً ولكن ببطء من غير أن نلحظ ذلك ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت هذا المعنى 🙁 من تشبَّه بقوم فهو منهم ) مسند ابن حنبل وسنن أبى داود .

يتصور البعض أن عادات وتقاليد الغرب فى حياتهم سامية وقريبة من الكمال ، وأن عاداتنا و تقاليدنا نحن المسلمين هابطة متخلفة و الحقيقة أن المسلمين هم الذين بعدوا فى حياتهم عن سنة نبيهم وتعاليم إسلامهم التى هى أفضل أسلوب للحياة وأرقى مستويات الذوق فى حياة البشر ، لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى ولكنه يستقى من المصدر الإلهى الذى يتصف بالكمال سبحانه ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

يعترض بعض النقاد من غير الموالين للإسلام عادة ويقولون أليس الإجبار على تقليد حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل حياته افتئاتاً على الحرية الفردية فى الشخصية الإنسانية ، وهذا اعتراض باطل ، فالحرية الحقة فى التزام منهج الحياة الذى رسمه لنا الله الذى خلقنا وقد طبقه رسول الله على نفسه ,امرنا الله أن نقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :{ لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيراً } .

إن أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم تتصل بأمور تعبدية روحية خالصة وأخرى تتصل بقضايا المجتمع وقضايا حياتنا اليومية ، والقول بأننا مجبرون على اتباع الأوامر المتعلقة بالنوع الأول ، ولكن لسنا مجبرين على أن نتبع الأوامر المتعلقة بالنوع الثانى ، إنما هو نظر سطحى وبخس شديد لقدر النور النبوى ، فهل هناك أفضل من هذا النموذج الربانى لكى نتبعه فى كل أمور الحياة .

وهؤلاء الذين يشككون فى السنة وفى صحة مصادرها تافهون وواهمون ، فإن وعد الله بحفظ كتابه العزيز يمتد ويشمل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهى الشارحة و المبينة له :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فقد قيض الله من الأئمة الفضلاء لجمع الأحاديث وتمحيصها وتصنيفها أمثال الإمامين البخارى ومسلم وغيرهما ، وقد قاموا بكل ما فى طاقة البشر عند عرض كل حديث على قواعد التحديث عرضاً أشد كثيراً من ذلك الذى يلجأ إليه المؤرخون الأوروبيون عادة عند النظر فى مصادر التاريخ القديم … وقد وضعوا للرواة رجالاً كانوا أم نساءً تراجم خضعت لبحث دقيق يقوم على قواعد غاية فى الدقة ، فإذا لم تقم حجة معقولة أى علمية على الشك فى المصدر نفسه أو فى أحد رواته المتأخرين ، وإذا لم يكن ثمة خبر آخر يناقضه كان حتماً علينا حينئذٍ أن نقبل الحديث على أنه صحيح ، وليس ثمة مبرر مطلقاً من الناحية العلمية أن يجرح أحد صحة مصدر تاريخى ما ما لم يكن باستطاعته أن يبرهن على أن هذا المصدر منقوص .

بعد كل ما تقدم على كل مسلم أن يعتز بدينه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يقف موقف الذى يدفع التهم عن دينه وسنة نبيه ولكن موقف الواثق من أنه على الدين الحق وأن سنة رسولنا هى أفضل منهج للحياة.

———-

من رسالة (زاد على الطريق)