ممدوح الولي يكتب: حقوق مفقودة للإنسان المصري

في ذكرى الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذى صدر عام 1948 ، يشير الواقع المصري فيما بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 إلى انتهاك غالب تلك الحقوق ، خصوصا الخاصة بحرية الرأي والتعبير دون أي تمييز ، حيث يتم إقصاء كل من لم يؤيد سلطات الانقلاب ، والتشهير به والزج به في المعتقلات وقد يصل الأمر لتصفيته جسديا دون محاكمة عادلة.

والغريب أن تتم تلك الانتهاكات دون موقف جاد من التنظيمات الحقوقية الدولية إلا فيما نذر ولأشخاص قلائل، فحتى الأمم المتحدة تمارس التمييز الذى يمنعه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، حين تصدر بيانات دفاعا عن حرية بعض من يتعرضون للانتهاكات ، بينما لا يحظى آخرون خاصة من ذوى الاتجاهات الاسلامية بنفس الاهتمام .

والغريب أيضا أن تتحرك مؤسسات دولية معينة بحقوق الإنسان وحرية التعبير ، عند احتجاز صحفي في مطار لبضعة ساعات، أو لمنعه من دخول البلاد ، بينما لا تتحرك نفس الجهات عندما يتم مقتل إعلاميين خلال ممارستهم لعملهم ، أو عند سجنهم لفترات طويلة ، والتعسف والبطيء في إجراءات علاجهم.

وتنص المادة 10 على أنه لكل إنسان الحق في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة ، للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه ، ورغم ذلك يحاكم كثير من المدنيين أمام محاكم عسكرية ، كما افتقد آخرون وجود محامين معهم خلال التحقيق معهم ، بل أن الأغرب كان عدم تمكين دفاع مقبوض عليهم من الاطلاع على أوراق القضايا، كما وصل الأمر إلى القبض على محامين خلال أدائهم لعملهم ، لمجرد أنهم يدافعون عن أشخاص لا ترضى السلطات عنهم.

وإذا كانت المادة 15 تؤكد أنه لا يجوز حرمان أحد من جنسيته ، فقد حرك بعض أنصار النظام الحاكم  قضايا لحرمان معارضين – غادروا البلاد خشية القبض عليهم – من الجنسية ، بدعوى انتقادهم السلطات الحاكمة ، رغم اشتغالهم بالإعلام وهو ما يقتضى إبداء رأيهم في الأحداث الجارية.

وعندما تتضمن المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا ، فقد شهدت الساحة المصرية عشرات الحالات من التحفظ على أموال المعارضين وممتلكاتهم الخاصة ،  كما تم حرق بعض محلات ومعارض وعيادات عدد من المعارضين ، ولم يتم تعويضهم أو حتى الاعتذار لهم أو القبض على من قاموا بعمليات الحرق بما يشير إلى وجود تواطؤ معهم .

وحينما تشير المادة 21 الى أنه لكل شخص الحق المكفول لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد ، فقد تم إبعاد كثير من المعارضين عن أعمالهم حتى من القضاة ، والتعسف معهم في إمكان ممارستهم أعمال المحاماة بعد إحالتهم للتقاعد ، وكذلك حرمانهم من المزايا المقررة لأقرانهم في مخصصات المعاش.

المنع من السفر حتى للموالين
ورغم نص المادة 20 على أنه لكل شخص حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية ، فقد تم إغلاق مئات الجمعيات الأهلية السلمية ، والتحفظ على أموالها والمنشآت التابعة لها كالمستشفيات والمدارس ، وتغيير مجالس إداراتها ، لمجرد وشايات حول التوجه الفكري لبعض أعضاء مجالس إدارتها ، رغم أنها تمارس أعمالا خيرية وليست سياسية .

ورغم نص المادة 13 على أنه لكل  فرد حرية التنقل، وحقه في أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه ، فقد تعرض كثيرين للمنع من السفر  دون معرفة أسباب ذلك ، والغريب أن يتم المنع لكوادر إعلامية سواء مؤيدة للنظام ومعارضة له ، وكذلك نشطاء معنيين بالدفاع عن حقوق الإنسان ، كما تم القبض على آخرين خلال سفرهم أو عند عودتهم من السفر وبالمطار ليتجهوا الى أماكن الاحتجاز مباشرة ، ومضى على بعضهم ثلاث سنوات في أماكن الاحتجاز.

وإذا كانت المادة 24 تتحدث عن أنه لكل شخص الحق أن ينشئ وينضم الى نقابات حماية لمصلحته ، فقد تم التدخل في النقابات التي ترى سلطات الانقلاب أن ولاءها ليس لها ، فتم تغيير مجالس ادارات نقابات المعلمين والمهندسين والعلميين والأطباء ، والتشهير بقياداتها وجلب أشخاص موالين للسلطات ، وحتى حين حاول بعض هؤلاء المسؤولين الجدد الدفاع عن مصالح أعضاء نقابتهم ، لم تتم الاستجابة لهم مثلما حدث مع طلب نقابة الأطباء التحقيق مع أمناء الشرطة الذين اعتدوا على طبيبين  خلال ممارستهم لعملهم.

وإذا كانت المادة 25 من الإعلان تؤكد على أنه لكل شخص الحق في تأمين معيشته فى حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة ، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش لظروف خارجة عن إرادته ، فنسبة قليلة من المواطنين يتمتعون بالتأمين الاجتماعي والصحي ، وما زالت المناداة بتأمين البطالة لا تجد استجابة لها من الجهات الرسمية .
والغريب أن نصوص الدستور الذى صدر عام 2014  تشير إلى الكثير من الحريات الموجودة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إلا أنها ما زالت نصوصا معطلة ، بل وصل الأمر إلى منع رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان من تفقد أوضاع المعتقلين ، ثم استبداله بآخر  كان يعمل ضابطا بالشرطة .
وشهدت فترة الانقلاب صدور عدد من القوانين المقيدة للحريات أبرزها قانون منع التظاهر  بما فيه من عقوبات قاسية ، وقانون الكيانات الإرهابية ، وكان آخرها قانون الجمعيات الأهلية الذى أضر كثيرا بالعمل الأهلي ، لتصبح كافة الجهات  تحت الحصار  من جمعيات ونقابات وأحزاب ووسائل إعلام.