مفارقات بين حج التوهين والتمكين

الكاتب: د. صلاح سلطان

 حجُّ الأمس كان نقلة نوعية نحو التمكين، وحج اليوم خطوة على طريق التوهين،
في حج الأمس وقف النبي صلى الله عليه وسلم يهتف على جبل الرحمة: “أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد..”، وحج اليوم ربنا واحد لكن الواقع كأننا لسنا لأب واحد، فالحج الفاخر التطوعي قد يطعم آلاف الفقراء، وحمامات بعض الفنادق الفاخرة تكفي لإقامة عمارات لهؤلاء الغلابة الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ونجد الفوارق الطبقية بين أبناء الأمة كأن كل فئة تنتمي إلى عصر دون آخر، كالفرق بين العصر الحجري والذري، في حج الأمس على جبل الرحمة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، وبعد حج اليوم تنقسم الأمة إلى تيار متحلل يدفع المرأة إلى عصر “الجندر” و”البوي فرند” والخلاعة والمجون، وتيار العودة إلى الجاهلية الأولى في التحجر بمنع المرأة من أبسط حقوقها،
في حج الأمس وعلى جبل الرحمة قال صلى الله عليه وسلم : “ألا إن ربا الجاهلية كله موضوع، وأول ربا أضعه تحت قدمي هاتين ربا العباس بن عبد المطلب”، أما حج اليوم فلا شئ يذكر في إنهاء هذا الربا حتى في أرض الرسالة، في الوقت الذي كان يجب أن نتخذ موقفا صارما أمام الكارثة المالية الكبرى التي أضرت بعمق الأرصدة الخاصة للحكومات والكبراء، لكن أحدا لم يجترئ أن يعلن أننا نأبى أن نظل ترسا في عجلة النظام الربوي العالمي، مما يعني أن حجنا هو إعلان حرب على الله ورسوله،
حج الأمس كان يُعلن: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة:9)، وأثناء حج اليوم يُقتَّل ويُشرَّد إخواننا في غزة هاشم، وفلسطين الأقصى، وعراق الحضارة، وأفغانستان الأصالة، وسودان العراقة، وصومال البساطة، ويؤسر ويسجن خيرة أبنائنا في سجون الكيان الصهيوني، والقهر المصري، والظلم التونسي، و…. وقد قعد الأعداء منا كل مرصد، يتجسسون من خلال الأقمار الصناعية، والهواتف الخلوية، والحسابات البنكية، حتى على المحادثات الزوجية، ولو شاؤوا لعدوا الأنفاس القلبية، وأمة الإسلام ما زلت تُغَنِّي: ” يا امه القمر على الباب، يا امه أناديله ولاَّ أسك الباب”!!
لا أدري لماذا تخيلت يوما يأبى فيه الحجاج أن يرجعوا إلى ديارهم وأوطانهم ويقولون: “لقد آن لنا أن نجمع إلى الحج الجهاد كما أمر رب العباد؛ فيقطعون كل واد ليحرروا ثالث الحرمين وأولى القبلتين من شذاذ البلاد وقتلة الأنبياء صهاينة هذا الزمان، يومئذ فقط يكون قد التحم اليوم مع الأمس العريق.