“كارنيجي”: المصريون يدفعون ثمن “فشخرة” السيسي والانفجار الشعبي متوقع

قال تقرير لـ”معهد كارنيجي”: إن المصريين يدفعون ثمن “فشخرة” السيسي العسكرية في شراء أسلحة باهظة الثمن ولا تفيد في محاربة الاٍرهاب، بينما لا يوجد خطر خارجي لأنه متحالف أمنيًّا مع إسرائيل، في صورة ديون ثقيلة سوف تتوارثها الأجيال بصفة مستمرة.

وقال ماجد مندور، محلل سياسي وكاتب عمود بموقع “أوبن ديمقراسي”: إن “اقتصاد مصر بات يصب في زيادة ثروات النخب العسكرية رغم الديون الباهظة وعلى حساب الطبقة الوسطي والدنيا والتعليم”، وإن المحاولات التي تبذلها مصر لخفض الدين العام من خلال الإجراءات التقشفية تتجاهل جذور المشكلة المتمثلة في الإنفاق العسكري الخارج عن السيطرة.

وأشار التقرير إلى سلسلة إجراءات تقشفية تتبعها سلطة الانقلاب لتقليل زيادة الديون التي تسبب فيها العسكر، تصب كلها في خانة إرهاق المواطن، مثل إعلان الحكومة 7 نوفمبر الجاري 2018 عن رزمة جديدة من الإجراءات التقشفية، ردًّا على تضخم الدين العام، منها تحرير سعر الدقيق المستخدَم في صناعة الخبز اعتبارًا من الأول يناير 2019، وزيادة ثمن تذاكر مترو القاهرة اعتبارًا ديسمبر 2019، بعد زيادة مماثلة في التعرفة مايو الماضي.

ونوّه إلى أن ذلك “يندرج في إطار سلسلة من الإجراءات غير الفعالة الهادفة إلى معالجة أزمة الديون المتضخّمة، فيما تواصل الحكومة تجنُّب الإصلاح البنيوي الضروري من أجل إيجاد حلول لأزمة الديون المتنامية”.

أزمة الديون سببها إدارة الجيش للاقتصاد

ويوضح التقرير أن جذور أزمة الديون تكمن في إدارة الجيش للاقتصاد السياسي المصري؛ حيث حصلت المؤسسات العسكرية على المساعدات من دول الخليج، واستدانت مبالغ طائلة من المؤسسات الخارجية لتوسيع البيزنس التجاري الخاص بها.

وشمل ذلك استثمارات واسعة قام بها قائد الانقلاب في مشاريع ضخمة غير منتجة، أبرزها توسعة تفريعة قناة السويس الجديدة التي بلغت كلفة بنائها 8 مليارات دولار، والعاصمة الإدارية التي يُتوقَّع أن تصل كلفتها إلى 300 مليار دولار.

ويُشكّل ارتفاع مستوى الدين العام فضلاً عن الأداء السيئ للاقتصاد المصري على صعيد الصادرات، مؤشّرَين عن عدم استعداد النظام للاستثمار في قطاعات من شأنها أن تقود إلى تحقيق عائدات أفضل بما يؤدّي فعليا إلى خفض مستوى الديون وبناء قطاع صادرات تنافسي.

كذلك أنفق الجيش مبالغ كبيرة على واردات الأسلحة التي ازدادت بنسبة 215 في المئة في 2013-2017 بالمقارنة مع 2008-2012؛ ما يجعل مصر ثالث أكبر دولة مستورِدة للأسلحة في العالم بعد الهند والسعودية.

وبدلاً من الاستثمار في تطوير قطاع خاص ديناميكي – لا سيما من أجل تعزيز السياحة وتطوير قاعدة تصنيعية راسخة لجعل الصادرات أكثر تنافسية – اختار نظام السيسي “الاستثمار في زيادة ثروات النخب العسكرية”.

وقد ضرب، في شكل أساسي، عرض الحائط بمتطلبات الضرورة الاقتصادية لمصلحة ترسيخ الدعم لعبد الفتاح السيسي في أوساط كبار الضباط العسكريين.

كذلك ألقى التوسع العسكري العدواني نحو القطاع الخاص بضغوط شديدة على مجموعة من الصناعات، بدءًا من التعدين وصولاً إلى الغذاء، فالدعم الناشط الذي تقدّمه الدولة للشركات المملوكة من الجيش من خلال الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية شكّل عائقًا شديدًا أمام قدرة الشركات الأصغر حجمًا على خوض المنافسة على قدم من المساواة.

أيضًا الإنفاق العسكري تسبب باستفحال أزمة الديون المتصاعدة؛ حيث ركّز النظام على تأمين الأموال لهذا الإنفاق من خلال إطلاق حملة تقشّفية واسعة النطاق.

إجراءات خانقة للمواطنين لعلاج البذخ

وقد نقلت هذه السياسة العبء إلى كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا، من دون إيلاء الاعتبار الكافي للاضطرابات الاجتماعية التي قد تنجم عن ذلك.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، اشتملت هذه الإجراءات التقشفية على خفض كبير في دعم الطاقة والكهرباء، وفرض ضريبة على القيمة المضافة، وزيادة أسعار تذاكر مترو القاهرة.

وتستمر هذه النزعة في الموازنة الراهنة؛ حيث 41.5% من العائدات الضريبية مصدرها الضرائب على القيمة المضافة، التي هي شكل رجعي من أشكال الضريبة يُلقي بعبء أكبر على كاهل الطبقتَين الدنيا والوسطى، وذلك بعدما كانت هذه الضريبة تؤمّن 34.5% من العائدات الضريبية في 2014-2015.

وعلى النقيض، تراجعت حصة العائدات الضريبية المستمدة من إيرادات الشركات، من 30.0% في 2014-2015 إلى 21.8% في الموازنة الراهنة.

ديون بلا حدود

وكان رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي اعترف أن ديون البلاد الخارجية سجّلت مستوى مرتفعًا قياسيًا وصل إلى 92.64 مليار دولار أمريكي في يونيو 2018، أي بزيادة 17% في غضون عامٍ واحد، لتبلغ نسبتها 36.8% من إجمالي الناتج المحلي.

يُضاف إلى ذلك ارتفاع الديون الداخلية التي بلغت 3.4 تريليون جنيه مصري (190 مليون دولار) في أواخر العام 2017، أي بزيادة 12% بالمقارنة مع العام السابق.

وهذه الزيادة السريعة في الديون تخطّت النمو في إجمالي الناتج المحلي، فقفز معدل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي من 87.1% في العام 2013 إلى 101.2% بحلول أواخر العام 2017، الأمر الذي ألقى بأعباء شديدة على موازنة الدولة أو ميزانية المواطن بمعني أصح؛ لأن هذه الأعباء تنعكس علي زيادة الدفعات المخصصة لتسديد الفوائد بدل توفير احتياجات المواطن، والتي بلغت نسبتها (أقساط الديون) 31% من الموازنة السنوية في السنة المالية 2016-2017.

وقد صرّح وزير مالية الانقلاب عمرو الجارحي أن الحكومة تهدف إلى خفض الدين العام إلى 80 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول العام 2020 عبر خفض عجز الموازنة وزيادة دخل الفرد، على الرغم من أنه لم يكشف عن تفاصيل الخطة الحكومية لتحقيق هذا الامر، ونظرًا إلى الأداء الراهن للاقتصاد المصري والضعف البنيوي المستمر الذي يعاني منه، يصعب تصوّر كيف يمكن أن يتحقق هذا الهدف الطموح، بحسب “كارنيجي”.

ومنذ تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، أجرى البنك المركزي والخفض الشديدة في سعر الجنيه المصري (أملاً منه بأن يسهم ذلك في تحسين الأداء الاقتصادي المصري)؛ تسبّب ذلك في تفاقم أزمة الديون، كما استمر انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي 4.1% رغم حديث سلطة الانقلاب عن أمل أن يرتفع إلى 5 و6%.

وينعكس هذا الأداء البطيء في انخفاض مجموع الصادرات من 26 مليار دولار في السنة المالية 2013-2014 إلى 21.6 مليار دولار في السنة المالية 2016-2017، والمشهد نفسه يتكرر في القطاع السياحي؛ حيث بلغ إجمالي عدد السياح الذين زاروا مصر في الفترة 2016-2017، 3.3 ملايين شخص فقط، بعدما كان العدد 4.3 ملايين في 2015-2016، و7.7 ملايين في 2013-2014.

احتمالية الانتقام الشعبي

ويقول تقرير “كارنيجي” إن الرزمة التقشفية الجديدة التي أُطلِقت في السابع من نوفمبر الجاري تندرج في الإطار عينه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعلان السيسي قبل يومَين بأن خمسة ملايين موظف حكومي لن يحصلوا على الزيادة السنوية المعهودة هذا العام. على الرغم من أنه لم يكن هناك رد فعل مباشر، إلا أن الضغوط المتراكمة قد تؤدّي إلى نقمة شعبية أوسع نطاقًا بسبب تدهور الظروف المعيشية.

وازدادت تداعيات هذه السياسات حدّةً جراء التضخّم المستفحل الذي يُعتقَد أنه بلغ 20.9% في أكتوبر 2018، ما أثّر في شكل خاص في تكاليف السلع الغذائية الأساسية.

فقد ازداد سعر الفول، الذي يشكّل غذاءً أساسيًا للأسر ذات الدخل المنخفض، من 14 جنيهًا مصريًا (0.78 دولار) للكيلوجرام الواحد في سبتمبر 2018 إلى أكثر من 30 جنيهًا مصريًا (1.68 دولار) في نوفمبر 2018.

تراجع المساعدات الخارجية

وما يزيد الوضع سوءًا تراجُع حظوظ مصر في الحصول على الدعم المالي من حلفائها في الخليج، على الرغم من تلقّيها مساعدات بمليارات الدولارات من هؤلاء الحلفاء خلال الأعوام القليلة الماضية.

ومع أن السيسي وعدَ بالنهوض بدور ناشط في ضمان أمن دول الخليج، إلا أنه لم يفِ بتلك التعهدات، فمصر ليست مستعدة، على وجه الخصوص، لأداء دور أكثر بروزًا في دعم الأهداف الإقليمية السعودية، وفق ما كشفه امتناعها عن المشاركة في حرب اليمن.

وعلى الرغم من مشاركتها في حصار قطر وقيامها بنقل جزيرتي “تيران وصنافير” إلى السيادة السعودية، إلا أن المملكة توقّعت من مصر الاضطلاع بدور أكبر في دعم سياساتها.

ويشير التقرير إلى أن نظام الانقلاب اختار الطريق الأسهل عبر الاستمرار في فرض إجراءات تقشفية جديدة، بدلاً من كسر حلقة الديون من خلال إجراء إصلاحات بنيوية عميقة في القطاع الخاص؛ الأمر الذي يمكن أن يحفّز النمو المستدام للحد من أزمة الديون.

حلول لن ينفذها الانقلاب

ويري معهد كارنيجي أنه يمكن توفير أموال بدل التقشف المفروض على الشعب لو تم خصخصة الشركات المملوكة للجيش، وفرض ضرائب على أرباحها، والاستثمار أكثر في القطاع التربوي لتحسين جودة القوى العاملة، وتطبيق الضرائب التدريجية، وزيادة الحد الأدنى للأجور لتحفيز الطلب المحلي.

ولكنه يشير لأنه “على ضوء تركيز النظام على تعزيز الدعم له في أوساط الجيش، فغالب الظن لن يقوم الانقلاب بتنفيذ هذه الحلول والإجراءات الآنفة الذكر.

وينوه التقرير إلى أنه “على المدى القصير، سوف تتيح السياسة الراهنة للدولة زيادة إيراداتها فيما تسهم في ترسيخ التحالف بين النظام والجيش الذي يشكّل قاعدة الدعم الأساسية للنظام، لكن في المدى الطويل، ستتصاعد الاحتجاجات ضد التقشف وسوف تصبح أكثر تواترًا”.

ويشير لمثال سبق اندلاع احتجاجات عفوية ضد الزيادة الأولى في سعر تذاكر مترو القاهرة في مايو الماضي 2018، وعلى الرغم من أن النظام تمكّن، حتى تاريخه، من استخدام القمع الشديد للتعامل مع الاضطرابات، إلا أن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وثّقت، في العام 2017، 505 احتجاجات اجتماعية وعمّالية، وغالب الظن أن العدد الحقيقي أكبر.

ويمكن أن تنحو هذه التظاهرات بسهولة نحو التصعيد بحيث تتسبب بتقويض اللحمة داخل المؤسسة العسكرية، بين الضباط والمجنّدين الذين ينتمون إلى الطبقتَين الدنيا والوسطى، وعندئذٍ قد يُضطر النظام إلى السماح بهذا الانقسام، وإلا يجازف باستعداء قاعدته.

ويختم التقرير بتأكيد أنه “إذا مضى النظام قدمًا في مساره التقشفي، فقد يحمل ذلك احتمال تفكّك جهازه القمعي تحت وطأة التقشف والتوسع الاقتصادي للجيش بتحفيز من الديون”.