فقر وإهمال وبطالة وإرهاب.. الصعيد تحت حكم العسكر

بالتزامن مع الحادث الإرهابي الذي سقط فيه سبعة من الضحايا المسيحيين، وأصيب 14 أخرون، يعاني الصعيد من الإهمال المستمر، سواء كان على المستوى الأمني أو الاجتماعي أو الاقتصادي، ليقف المسلمون والمسيحيون على مسافة واحدة من جرائم نظام العسكر، الذي تفرغ لنهب ثروات البلاد وإدارة المشروعات الاستثمارية، في الوقت الذي يعاني فيه بقية الشعب من التهميش.

جاء مسلسل إهمال الصعيد مبكرًا في دولة العسكر، حيث بدأ مع انقلاب دولة يوليو عام 1952، حينما ركز الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على سياسة التصنيع السريع بقيادة الدولة، وكان أمامه خياران: إما تنفيذ تلك السياسة في المناطق المتطورة بالفعل كالقاهرة والإسكندرية، أو توزيعها بشكل متوازن بين مختلف الأقاليم.

فلجأ ناصر إلى الخيار الأول، وبالفعل خصصت الدولة أكثر من نصف نشاطها الصناعي لـ4 محافظات هي القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد، في حين حصل الصعيد والذي بلغت نسبة سكانه 30% من إجمالي سكان مصر، على 15% فقط، ما أدى إلى تنامي الفجوة بينه وبين الشمال.

وأظهرت تلك السياسات الناصرية تحيز الدولة ضد الصعيد في حقبة الخمسينات والستينات، إلا أن هذا التحيز لم ينقطع فيما بعد، إذ استمر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات أيضًا، فبلغت نسبة الاستثمارات العامة المخصصة للصعيد 9% فقط من إجمالي استثمارات الدولة.

متوسط دخل الفرد

وانعكس الإهمال المتعمد من قبل نظام العسكر على نواحي الحياة بالصعيد، حيث ظهر التفاوت الكبير بين متوسط دخل الفرد في الصعيد ومتوسط الدخل ببقية المحافظات، فحينما بلغ متوسط الدخل في القاهرة عام 1976 نحو 231.1 جنيه سنويًا، كان في محافظة سوهاج 135.3 جنيه فقط. وبينما بلغت نسبة العائلات المحرومة من الماء النقي في القاهرة نحو 11.3% فقط، وصلت النسبة في بني سويف إلى 88.4%.

وكشف تقرير صحفي، عن أن حالة التمييز ضد الصعيد استمرت في الثمانينات خلال عهد حسني مبارك، ففي عام 1980 على سبيل المثال كان نصيب المواطن في سوهاج من الاستثمارات العامة حوالي 6.6% من نصيب المواطن في القاهرة، كما حصل الصعيد ككل على إجمالي 17.2% من هذه الاستثمارات على الرغم من أن عدد سكان الصعيد كان يتجاوز 32% من إجمالي عدد السكان حينئذ. وتفاقم الأمر في الخطة الخمسية الأولى بعهد مبارك (1982-1986) التي انخفض فيها نصيب الصعيد إلى 16% من الاستثمارات العامة، ثم وصل إلى 15.5% في خطة (1987-1991).

ولم يسفر ذلك عن نتائج حقيقية على مستوى التنمية، وكان بمثابة خطوات رمزية من جانب الدولة، والتي تحتم عليها أن تتدخل سريعًا وبشكل حقيقي لضخ الاستثمارات بهذا الإقليم الذي تزداد به الأوضاع اشتعالا يومًا تلو الآخر نتيجة الصدمات بين النظام والجماعات المسلحة.

قائد الانقلاب العسكري

واستمر مسلسل إهمال الصعيد مع استيلاء قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي على الحكم، حيث دخل في مواجهة مسلحة مع أهالي الصعيد مبكرا، من خلال عمليات الاعتقال الموسعة، التي قام بها ضد كل رافضي الانقلاب العسكري، فضلا عن تحويل أراضي الصعيد لبقعة مماثلة لما يحدث في شمال سيناء.

ولكن بالرغم من ذلك، يحظى الصعيد بنسبة كبيرة من الفقر الذي يتمثل في عدم الحصول على الخدمات الأساسية وانتشار البطالة، وخاصة في القرى التابعة لمحافظات الصعيد.

واكتفى نظام السيسي بالوعود الكاذبة لأهالي الصعيد بإنشاء بعض المشروعات في عدة محافظات من الوجه القبلي، دون الاهتمام بمستوى الرعاية الصحية، وإنشاء وحدات سكنية للغلابة، فضلا عن إهمال دور التعليم والعمل على الحد من البطالة.

بل تعمد نظام السيسي الإساءة لأهالي الصعيد، حينما قال اللواء أبو بكر الجندي: إن سبب الأزمة في مصر هم أهل الصعيد الذي تسببوا في انتشار العشوائيات في مصر.

معدل الفقر

ويشير تقرير حكومي صادر عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”، إلى أن معدل الفقر في ريف الوجه القبلي نحو 56.7%، مقابل 27.4% في حضر الوجه القبلي، بينما بلغت النسبة 19.7% في ريف الوجه البحري مقابل 9.6% في حضر الوجه البحري.

وجاء في التقرير، أن أعلى نسبة للفقراء في مصر تتركز في محافظات الصعيد، وخصوصًا في محافظتي أسيوط وسوهاج بنسبة 66%، تليهما قنا بنسبة 58%، وأن أقل محافظة بها فقراء هي محافظة بورسعيد بنسبة 6.7%، ثم الإسكندرية بنسبة 11.6%.

ويتوافر فقط في 12% من قرى الصعيد صرف صحي، فيما تمثل النسبة الكبرى من الأمية في الوجه القبلي كذلك.

ويصل إجمالي غير الملتحقين والمتسربين من التعليم على مستوى الجمهورية 28.8 مليون مواطن، منهم في الوجه القبلي 12.4 مليون مواطن، فيما تمثل الهجرة الداخلية والخارجية في مصر نسبة 80% ومصدرها الصعيد، وفق تصريحات الوزير.