ضابط بالتجنيد الإجباري: “انت من يهود سيناء!”

ضابط بالتجنيد الإجباري: “انت من يهود سيناء!”

الحقيقة التي لا يرغب في سماعها الكثير من المصريين خصوصاً، ما يحدث في التجنيد الإجباري بالجيش المصري، منذ لحظة دخول المجند وحتى تسلّمه ورقة انتهاء فترة تجنيده في الجيش. القصص بالجيش يختلف بعضها عن بعض لكن ليس كثيراً، إلا أنه لا يوجد أصدق من تجربة مجند “خاضها بنفسه”.

لكل من لا يعرف، إن شبه جزيرة سيناء المصرية، المهمشة عمداً، شارك أهلها بكل ما يملكون من قوة مع الجيش المصري، لتحرير هذه الأرض من الاحتلال الصهيوني، وهناك قصص لا يستطيع أحد محوها من تاريخ تضحيات أهل سيناء من أجل الوطن وجيش مصر.

في تاريخ مصر، هناك مجموعات تعرف بـ”الفدائيين المصريين”؛ كان من بينهم عدد كبير من أبناء سيناء من القبائل والعائلات الموجودة بهذه المنطقة، شاركوا في الهجمات ضد الاحتلال بعد عام 1948. وفي 5 يونيو/ حزيران 1967، نشبت حرب الأيام الستة (حرب نكسة 1967). هنا، ظهر المعدن الأصيل لأهل شبه الجزيرة، حيث شاركوا في نقل الجنود المصريين من جبلٍ لجبلٍ لمدة 6 أشهر بعيداً عن أعين العدو، ثم بعد ذلك نقلوهم إلى القاهرة سالمين غانمين.

الأمر لم يتوقف على دور أهل سيناء العسكري والسري في أرض المعركة لصالح جيش الوطن؛ بل وصل إلى أبعد من ذلك، حيث أعد جيش الاحتلال مؤتمر الحسنة، وهو مؤتمر أقيم في مدينة الحسنة بمحافظة شمال سيناء في 31 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1968، حاول من خلاله الاحتلال تحريض أهالي سيناء على الاستقلال بها وإعلانها دولة مستقلة للقضاء على تبعيتها لمصر وإثبات عدم أحقيتها في استرداد سيناء مرة أخرى، لكن بعد أن اتفقت مشايخ سيناء، قاموا بخداع الاحتلال وقال الشيخ سالم الهرش ممثلاً عن شيوخ سيناء في المؤتمر: “إن سيناء مصرية وقطعة من مصر ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا احتلال ونرفض التدويل، وأمْر سيناء في يد مصر، سيناء مصرية مائة في المائة ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه”.

ظهر أكثرَ دورُ أهالي سيناء، حينما اختار الجيش ما يقرب من 1600 مجاهد للعمل معه داخل هذه الأرض المحتلة، وكان هناك أسماء أُطلقت على عدد منهم، من بينها: “مهندس الألغام – فهيمة حاملة اللاسلكي – الهدهد – ألغام تنكة – النمر الأسمر – فدائي قبيلة الترابين”. وكان الأهم بالنسبة للمخابرات المصرية، هو “أقمار صناعية بشرية”، اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية، قال: “لم تكن لدينا أقمار صناعية، لكن كانت لدينا هذه الأعين الثاقبة والصادقة من أبناء سيناء، لقد جعلوا المواقع الإسرائيلية كتاباً مفتوحاً أمام القوات المسلحة، فلولا أبناء سيناء ما كانت حرب أكتوبر وما تحررت سيناء”.

كل شيء تغير بعد انتصار أكتوبر

بعد هذا الانتصار العظيم في حرب السادس من أكتوبر ومع بداية عهد مبارك، كان هناك أمر قد دُبّر بليل ضد أهالي سيناء، كانت هناك وعود كثيرة بالتنمية لم يتحقق منها شيء حتى كتابة هذه السطور، لكن هناك شيء آخر قد تحقق، وهو التهميش والإهمال والتخوين المتعمَّد من الحكومات المصرية المتعاقبة، ضد أهل سيناء، حيث صوّرهم الإعلام على أنهم تجار ومهربو “سلاح – مخدرات – بانجو – عبيد أفارقة”، وجواسيس إسرائيل وإرهابيون! وغيرها الكثير من الصور التي خطط لها الإعلام المصري منذ انتصار أكتوبر لـتصديرها للشعب المصري عن سيناء وأهلها، ولا يعلم معظم الشعب المصري أن سيناء مسؤول عن تأمين حدودها الجيش المصري نفسه، فكيف دخلت هذه الممنوعات إلى أرض سيناء!

وبالفعل، تبعتها قرارات قمعية بعدم السماح لأكثر من 90% من أهالي سيناء بتقلّد المناصب المهمة في الدولة أو حتى السماح لهم بالالتحاق -مثلهم مثل باقي المصريين- بـ”القضاء – الجيش – الشرطة”، وحتى المناصب الإدارية العليا داخل المؤسسات التنفيذية!

قصتي مع التجنيد الإجباري في الجيش

مقدمة طويلة، لكنها كانت تحمل رسالة أكثر أهمية من قصتي كمواطن من سيناء عشت معظم فصولها، في يونيو من عام 2003 تحركتُ من مدينة العريش إلى منطقة التجنيد في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، انتظرت مثل الجميع ساعات حتى سُمح لنا بالدخول إلى هذه المنطقة العسكرية. طابور طويل جداً بدأ يتكون ومعي الأوراق اللازمة، انتظرت في هذه الطابور أكثر من 3 ساعات حتى جاء دوري، كنت مستعداً لخوض هذه التجربة الأولى من نوعها. دخلت إلى صالة الاستقبال، ومعها بدأت عملية الفحص الطبي بشكل لم أشاهده من قبل! وبعد انتهاء الكشف الطبي، دخلنا إلى صالة أخرى، وعندها خرج علينا ضابط يطلب من كل المتقدمين للتجنيد الإجباري الخروج إلى اليسار في الحالات التالية “المتزوج بأجنبية – من أحد والديه غير مصري الجنسية – من والداه مزدوجا الجنسية – من أبوه أو أمّه من المقيمين بالخارج – من أبوه ينتمي إلى الجماعات الإسلامية – من أبوه أو أحد أقاربه معتقل سياسي”.

خرج من خرج ونحن ننتظر حتى سُمح لنا بالدخول إلى ساحة انتظار أخرى، ثم ظهر ضابط كبير قال: “مين هنا من سيناء”! وكان عددنا 16 تقريباً، طلب منا العودة إلى المقاعد الأخيرة في هذه الساحة، ثم ظهر عدد من ضباط “الشرطة العسكرية – الصاعقة” وآخرون لا أعرف من هم.

مفاجأة صادمة غيّرت مجرى حياتي
بدأ ضباط الشرطة العسكرية والصاعقة وغيرهم يبحثون عن مجندين يمتلكون أجساماً رياضية وأصحاب قامات طويلة وأجسام ضخمة، حتى جاء الدور عليَّ، تم اختياري من هؤلاء، وانتقلت إلى ساحة صغيرة تم بها إجراء كشف بدني آخر.. وبعد ساعتي انتظار في ساحة المكان، كانت الصدمة، وإذا بصوت رخيم من داخل إحدى الغرف يتحدث بألفاظ لا أستطيع قولها ومعها اسمي، ومجند يجري يبحث عن هذا الاسم، فقال لي هذا المجند: “انت عملت إيه؟!”، أنا: “لا أعرف ما الذي حدث!”.

دخلت إلى غرفة الضابط، فقال: “أنت من سيناء؟!”، فقلت له: “نعم”، قال: “لماذا لم تقل هذا يا ابن…؟!”، فقلت له: “أنا أول مرة أقدم هنا ولا أعرف كيف هي الأمور يا فندم”، فقال: “انت مش عارف إنكم (يهود سيناء)! اخرج من هنا ولا تعد مرة أخرى”، وبينها الكثير من الألفاظ النابية.

بنسبة تتجاوز أكثر من 75%، لا يسمح الجيش المصري بدخول أبناء سيناء من عائلة فيها الأب والأم من سيناء إلا في حالات قليلة، وعند دخولهم لا يسمح لهم بالتجنيد في المناطق العسكرية، ويسمح لهم بقضاء فترة التجنيد الإجباري في مزارع الدواجن والأبقار والمواشي والمناطق الزراعية وغيرها.

انتهت الحكاية لكنها تتكرر كل يوم، مع وصول دفعة جديدة من سيناء إلى منطقة التجنيد، وتتغير معها المعاملة أكثر بعد أن روّج الإعلام مقتل جنود مصر على أرض سيناء، ويزداد عمق هذا الجُرْح داخل كل مصري يعيش على أرض الفيروز.