سد النهضة الإثيوبي وتهديد مصر.. سؤال عن جدوى الجيوش


بقلم: حازم عبد الرحمن
في شهر أبريل من عام 2011 وقف رئيس الوزراء الإثيوبي السابق “ميليس زيناوي” على ضفاف النيل الأزرق عند موقع سد النهضة ليضع حجر الأساس لبنائه، مرددًا أن بلاد ستتغلب على جميع العقبات التي تعترض إنشاء أكبر محطة للطاقة الكهربائية في إفريقيا، وأنه «سيستمر منفردًا» في بناء السد لو لم يقف أحد بجانبه, وكانت مصر في ذلك الوقت تعيش فترة استثنائية عقب خلع مبارك يدير فيها المجلس العسكري شئون البلاد, ولأن السد يستمد طاقته المائية من نهر النيل الأزرق الذي يُغذي 85% من مياه النيل، فإنه بات يهدد مصر بالجفاف, وقد زار وفد شعبي إثيوبيا, ليحذر بدبلوماسية من هذه المخاطر, ثم تجاهل المجلس العسكري الأمر بعد ذلك. 
وعندما تولى الرئيس محمد مرسي الحكم قال في كلمته، بمؤتمر فعاليات اللقاء الشعبي حول حقوق مصر المائية، إن النيل هبة الله لمصر، وذلك فيه خير ضمان لكي ننظر لمستقبل أفضل لمصر، وعلينا الحفاظ على مياه النيل، وإذا نقصت قطرة واحدة من ماء النيل فإن دماءنا هي البديل, وأكد ضرورة العمل للوقوف ضد أي تهديد للوطن.
وقبل الانقلاب عليه بشهرين زار الرئيس محمد مرسي إثيوبيا لمناقشة ملف المياه، وتشكلت لجنة من 10 خبراء مصريين، وإثيوبيين، وسودانيين وأربعة خبراء دوليين محايدين، وكانت مهمتها فحص ومراجعة الدراسات الإثيوبية الهندسية ومدى مراعاتها للمواصفات العالمية وتأثير السد على دولتي المصب السودان ومصر، لكن المفاوضات توقفت بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، لتعلن أديس أبابا بعدها بدء العمل رسميًا في بناء سد النهضة، وبدء تحويل مجرى النيل الأزرق.
وبعد الانقلاب العسكري بدا أن عبد الفتاح السيسي يسعى للبحث عن شرعية مفقودة لدى “الاتحاد الإفريقي” الذي علق عضوية مصر بعد الانقلاب؛ فذهب يقدم التنازلات عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل, وظهر وهو يوقع وثيقة خيانته للشعب المصري الذي بات مهددا بكارثة خطيرة من العطش والجوع, بدأت مظاهرها تتجلى في انخفاض مستوى نهر النيل وظهور الجزر والقيعان في كثير من أجزائه, وجفاف قنوات مياه الري, مع شكاوى المزارعين من قلة المياه وعدم كفايتها لري المحاصيل الأساسية, وهو أمر لم يسبق أن شهدته مصر في تاريخها منذ آلاف السنين؛ فلم يحدث أن جرى احتجاز مياه النيل أو تحويلها عن مجراها الطبيعي من قبل؛ بل إن الفراعنة بحثوا عن منابع النيل لتأمينها ووضعوا مقاييس نظامية في كثير من المناطق؛ للرجوع إليها في موازنة المياه وتوزيعها بين الأقاليم توزيعًا ثابتًا يفي بحاجتها الطبيعية، وبنوا هذه المقاييس على نسب في فصول السنة كلها، لتكون ميزانًا صحيحًا؛ فلا يحدث إخلال بالنظام وهو ما استمر عليه الوضع منذ آلاف السنين وحتى الآن, وقد نال البحث في هذا الموضوع تقدير العلماء والباحثين لجهود الفراعنة في هذا المجال, وقد تغنى بالنيل مئات الشعراء العرب قديما وحديثا.
*حروب المياه 
يقول الباحثون أن قضايا المياه وحدها لم تكن السبب الوحيد للحرب في الماضي، إلا أن التوترات بشأن إدارة المياه العذبة واستخدامها، تمثل إحدى القضايا الرئيسية في العلاقات السياسية بين الدول المطلة على الأنهار، وقد تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة، وتزيد من عدم الاستقرار الإقليمي والاضطرابات الاجتماعية, وقد ذكروا أن نهر النيل ودجلة والفرات من بين هذه المناطق.
والحقيقة أن التنبؤ بحروب المياه ـ وخاصة نهر النيل ـ له أساس من التاريخ؛ فمنذ الحروب الصليبية كانت هناك دعوات من المتعصبين في أوربا إلى الحبشة لتحويل مجرى نهر النيل عن مصر التي واجهت الغزاة الصليبيين, وفي عصرنا عندما اعتزمت إثيوبيا إنشاء سد كبير على النيل لتوليد الكهرباء، بعث الرئيس جمال عبد الناصر بخطاب إلى الإمبراطور هيلا سيلاسي، جاء فيه: «نطالبكم بوقف أعمال بناء السد، لأننا نعتبره تهديدًا لحياتنا؛ مما يستدعي تحركًا مصريًا غير مسبوق»، فامتثلت إثيوبيا بعد نصيحة الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وقللت ارتفاعه من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط, وعندما عادت إلى هذه المحاولات في عهد الرئيس السادات أرسلت القاهرة رسالة رسمية عبر وزير خارجيتها: «إذا قامت إثيوبيا بعمل أي شيء يعوق وصول حقنا في الماء كاملًا، فلا سبيل إلا استخدام القوة».
وقد تكرر التهديد بإعلان الحرب على إثيوبيا في عهد المخلوع حسني مبارك عندما تأزمت العلاقات وشرعت إثيوبيا في استئناف خططها التنموية لمواردها من مياه النيل، وإقامة السدود لتوليد الكهرباء, وهو ما قوبل بتهديد مصر بإعلان الحرب، عبر تسريبٍ صوتي منسوب لمبارك, قال فيه إنه مستعد لضرب السد بطائرة «توبوليف» – قاذفة قنابل سوفيتية تسبق سرعة الصوت – في حال أقدمت على تنفيذ تهديدها. وحسب وثيقة سربها موقع «ويكيليكس» عام 2013 جاء فيها أن مبارك طلب في أواخر حكمه من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الخاصة المصرية إذا أصرت إثيوبيا على بناء سد. 
وتقوم إثيوبيا حاليا بإنشاء السدود لتحجز المياه عن ملايين البشر, وقد تسبب ذلك في جفاف نهر شبيلي بالصومال, ويجري الآن مثل ذلك على نهر النيل في مصر والسودان.
*خيانة السيسي
منذ اغتصابه السلطة في يونيو 2014، تعامل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مع السد على أنه واقعٌ يمكن قبوله والتعايش معه ، والبداية كانت عندما أعلن رئيس حكومة الانقلاب الأولى حازم الببلاوي أن السد قد يكون مصدر رخاء لإثيوبيا والدول المُحيطة، ومنها مصر, وهي جريمة خيانة عظمى من أول رئيس لحكومة الانقلاب, ثم أكمل السيسي بعد ذلك طريق الاستسلام بتوقيعه في مارس عام 2015 على وثيقة «إعلان مبادئ سد النهضة»، مع نظيره السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي، وتتلخص الاتفاقية بسماح الدول الثلاث ببناء السدود على نهر النيل لتوليد الكهرباء، وهو ما يعني اعترافًا مصريًا سودانيًا بشرعية بناء سد النهضة, وقد تم ذلك برغم تحذيرات تقارير المخابرات والأمن القومي والخارجية والدفاع, وهي التي لم يكترث لها قائد الانقلاب؛ فقدم بذلك حلا لأزمة تمويل السد المتعطل؛ حيث كانت الشركات الأوروبية ترفض تمويل المشروع قبل موافقة بقية الدول المُتضررة، وهي نقطة القوة وأكبر ورقة ضغط فقدتها مصر بتوقيع السيسي, الذي استمر بعد ذلك في تخدير المصريين بقوله: ” أنا ما ضيعتكمش قبل كده عشان أضيعكم تاني” وإعلانه إنشاء أكبر محطة لتنقية مياه المجاري, وهو ما كان يستوجب عزله ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى .
وبعد ما أنجزت إثيوبيا الجزء الأكبر من السد بدأت تتخلى عن لغتها الهادئة وتتشدد في خطابها, وتزدري طلبات مصر, وتعلن أنها صاحبة المياه, ولها الحق في استخدامها كما تشاء, ولم يكن لها أن تفعل ذلك إلا بعد النصائح والإمدادات الصهيونية بالصواريخ والخطط العسكرية لحماية السد, وقد تم ذلك تحت سمع وبصر عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب, مع تلقي إثيوبيا استثمارات خليجية بالمليارات, أي هناك تجمعا للعدوان على مصر بتعطيشها وتجويعها, وهو أمر لا يجوز معه إلا العودة إلى سياسات رؤساء مصر السابقين, وهو إعلان الحرب.
*وظيفة الجيوش
حال تعرض أي بلد في العالم للأخطار الخارجية؛ فإن المنوط به الدفاع وحماية البلاد هو الجيش, ومصر تتعرض الآن لخطر يهدد وجودها بتعطيشها وتجويعها؛ فأين الجيش المصري؟, إنه يحتل المركز الأول بين جيوش القارة الإفريقية, ويمتلك ترسانة عسكرية هائلة؛ فما جدواها إن لم تستخدم اليوم دفاعا عن حياة الشعب؟, لقد كانت مصر تهدد إثيوبيا بالحرب في كل مرة تحاول فيها بناء السدود على النيل, وكانت إثيوبيا تتراجع فورا, خوفا من غضبة مصر الأقوى عسكريا بفارق كبير؛ بل إن لدى مصر أوراقا أخرى تثير الفزع في قلوب القيادات الإثيوبية الجامحة, والمدعومة من الصهاينة, كما أن لدى مصر ما تستند إليه في القانون الدولي؛ إذ أن إثيوبيا اعتدت عليها, وهددت أمنها وسلامة شعبها, وانتهكت حقوقها التاريخية في نهر النيل المصدر الأساسي للمياه, ولا اعتبار لأي تنازل قدمه عبد الفتاح السيسي عن حقوق مصر في مياه النيل ؛ لأنه ليس حاكما شرعيا, بل انقلب على رئيس منتخب بإرادة الشعب, ولا بد من إقالته ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى, وقد كتب على ” تويتر”: “تابعت عن كثب نتائج الإجتماع الثلاثى لوزراء الرى فى مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الأثيوبى والذى لم ينتج عنه أى تطور إيجابى .. وأؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه النيل، ومستمرة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفى إطار محددات القانون الدولى لحماية هذه الحقوق وسيظل النيل الخالد يجرى بقوة رابطاً الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا”.
وكما هو واضح فإن السيسي يستخدم كلمات الإنشاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع, ويواصل سياسة الخداع والتضليل, وتخدير الشعب عن الكوارث التي جلبها تنازله عن حقوق مصر, ولذلك فإن الجيش المصري مدعو اليوم للدفاع عن الوطن في أشرف المعارك ضد عدوان خارجي غاشم يستهدف وجود الشعب المصري وحياته, وإن تأخر عن ذلك؛ فإن التاريخ لا يرحم, وكذلك الشعب.