تقول تلك القصة المنتشرة لدى أهل الشام أنه في بدايات القرن الماضي كان يوجد مزارع بسيط تزوج من ابنة مزارع مثله ولبث بضع سنين دون أن يرزق بالأولاد حيث كانت الزوجة تفقد طفلها بعد أسبوع من ولادته
كعادة تلك الأزمان المغرقة في الجهل والخرافة لجأ الى الدجالين يستشيرهم وكان من بين مشورتهم أن يسمى المولود إسما مستحقرا يمنع عنه الحسد
رزقه الله بولد فسماه البعرصيص وكانت مشيئة الله أن يعيش ذلك الولد وأن يكون آخر ما حملت به الزوجة
أنفق الرجل وزوجه حياتهم يرعون ذلك الصبي كأحسن ما تكون الرعاية رغم رقة حالهما وكان حلم الرجل أن يكون ابنه قاضيا فأدخله إلى الكتاتيب حتى أتم دراسة ما تتيحه من دروس عندما لامس سن الشباب
أرسل الرجل ابنه إلى العاصمة ليكمل دراسته في معهد القضاء لثلاث سنوات وأقتطع من قوته وقوت زوجه ليرسل بعض النقود للبعرصيص ليعيش في العاصمة التي تبعد عن قريتهم بعدا شاسعا
كان البعرصيص يراسل اباه كل فترة فيدعو الأب مأذون القرية ليقرأ له ولزوجه الرسالة ويغمرهما السرور والحبور كل مرة بأخبار نجاحه وتقدمه في دراسته وكيف أن الحلم قد بات وشيكا وسيعود إليهما قاضيا يشار إليه بالبنان
في نهاية السنة الثالثة وصلت رسالة إلى الأب فسارع يدعو المأذون وأعدت زوجته الشاي وفطائر العسل ليضيفا الرجل
دخل المأذون وجلس إليها وأخذ يقرأ فقال
…. السلام عليك يا أبى والسلام عليك يا أمي، أنا أعلم أنكم تنتظرون عودتي قريبا ولكن لى عندكم أخبار سيئة
إصفر وجه المزارع وشهقت زوجته فزعا
واصل المأذون قائلا
لقد أغواني بعض أصدقاء السوء فشربت المعسل والدخان
صرخ المزارع ….
إبنى القاضي يشرب الدخان والمعسل وافضيحتاه
واصل المأذون
وبعد ذلك أغواني الأصدقاء فشربت الحشيش
صرخ المزارع ولطمت زوجته
….. البعرصيص شرب حشيش!!!
واصل المأذون
…. ثم استغلوا غياب عقلي فسقوني الخمر حتى أدمنته، فلما شربته واقعت صاحبة المنزل فحملت منى ثم ولدت
هنا شارك المزارع زوجته اللطم والبكاء وهما يصرخان
…. إبننا البعرصيص يزنى وينجب من الزنى
واصل المأذون
…. ولكى أنفق على إبنى كنت أسرق البيوت حتى قبض على قبل شهر وحكم على بالسجن عشر سنوات
صرخ الرجل وزوجته صرخة عظيمة وانقلبا على جنبيهما يكاد يغشى عليهما غشية الموت
قال المأذون
يقول ولدكما اقلب الصفحة، قلب المأذون الصفحة وقرأ
…. أبى وأمي كل ما قلته لكما كذب في كذب لم يحدث منه شيء ولكنني فقط سقطت في الإمتحان والحمد لله وسأحتاج عاما آخر لأكمل الدراسة وهذا أهون طبعا من كل ما سبق
نهض الرجل وزوجته من مكانهما وصاحا
…. هل تعنى أن البعرصيص لم يشرب الحشيش ولا الخمر ولم يزنى ولم يسرق ولم يسجن
قال المأذون
نعم لقد سقط فقط
كادت المرأة تفقد عقلها من الفرحة فخرجت إلى الشارع تزغرد وترقص مثل الغانيات وإلى جوارها زوجها الكهل يصفق لها ويتراقص أيضا
ذهل الناس وأخذوا يسألون لماذا ترقصان بهذا الشكل في الشارع وأنتما في هذا السن ألا تستحيان
أخذت المرأة والرجل يتمايلان فرحا ويغنيان
…. البعرصيص سقط … البعرصيص سقط …. البعرصيص سقط
صرخ الناس مذهولين .. ترقصان لسقوط ولدكما
أخذا يصيحان :
أليس أفضل ممن شرب الحشيش
أليس أفضل ممن شرب الخمر
أليس أفضل ممن زنى
أليس أفضل ممن سرق
أليس أفضل ممن سجن
ويرقصان ويغنيان
…. البعرصيص سقط … البعرصيص سقط …. البعرصيص سقط
مات المزارع وزوجته بعد سنين وهما يرقصان مع كل سقوط وهلك البعرصيص أيضا دون أن يكون قاضيا
………….
بعد فترة من الزمن وجدت دولة قادها حاكم سفيه إلى فشل ذريع يضرب به المثل في السفاهة ….
انهارت عملتها وتضاعفت ديونها واشتعلت أسعار سلعها واختفت أدويتها وتبطل شبابها وسيم شعبها صنوف العذاب
وسارت الدولة سير البعرصيص …. فقد كانت كلمات حكامها وأذيالهم من المنتفعين والمجرمين :
*أليس أفضل من أن يتهدم بيتك؟
*أليس أفضل من أن تكون تركت بيتك ووطنك وتجلس في مخيم على حدود أي بلد منتظرا طائرة ترمى لك رغيفا؟
*أليس أفضل من أن تستقل قاربا يغرق بأولادك؟
*أليس أفضل من أن يحتل أحد بلدك؟
*أليس أفضل من ألا تجد مدارس يذهب إليها أولادك؟
………….
أيها الناس إن صدقتموهم فقد حكمتم على وطنكم بالفشل حتى الزوال …… أيها الناس لا تقبلوا الموت راقصين في دولة البعرصيص.!
منقول