حدث في 11 رمضان

استشهاد سعيد بن جبير:

ويكنى أبا عبدالله، مولى لبني والبة بن الحارث من بني أسد بن خزيمة.

قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي وعفان بن مسلم وأبو الوليد الطيالسي قالوا: أخبرنا شعبة قال: وأخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا أبو الربيع السمان.

جميعًا عن أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ قلت: من بني أسد، قال: من عربهم أو من مواليهم؟ قلت: لا، بل من مواليهم.

قال: فقل: أنا ممن أنعم الله عليه من بني أسد.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام بن يحيى عن محمد بن جحادة عن أبي معشر عن سعيد بن جبير قال: رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة، فقال: يا غلام – أو يا غليم – إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام، فصل بعدها ركعتين وأطل القراءة[1].

كان ابن جبير حافظًا مقرئًا ومفسرًا، وفي هذا اليوم من شهر رمضان قتله الحجاج بن يوسف.

قال ابن جرير: وفي هذه السنة قتَل الحجاج بن يوسف سعيدَ بن جبير، وكان سبب ذلك أن الحجاج كان قد جعله على نفقات الجند حين بعثه مع ابن الأشعث إلى قتال رتبيل ملك الترك، فلما خلعه ابن الأشعث خلعه معه سعيد بن جبير، فلما ظفر الحجاج بابن الأشعث وأصحابه، هرب سعيد بن جبير إلى أصبهان، فكتب الحجاج إلى نائبها أن يبعثه إليه، فلما سمع بذلك سعيد هرب منها، ثم كان يعتمر في كل سنة ويحج، ثم إنه لجأ إلى مكة فأقام بها إلى أن وليها خالد بن عبدالله القسري، فأشار من أشار على سعيد بالهرب منها، فقال سعيد: والله لقد استحييت من الله مما أفر ولا مفر من قدره! وتولى على المدينة عثمان بن حيان بدل عمر بن عبدالعزيز، فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب ابن الأشعث من العراق إلى الحجاج في القيود، فتعلم منه خالد بن عبدالله القسري، فعين من عنده من مكة سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار، وطلق بن حبيب، ويقال: إن الحجاج أرسل إلى الوليد يخبره أن بمكة أقوامًا من أهل الشقاق، فبعث خالد بهؤلاء إليه، ثم عفا عن عطاء وعمرو بن دينار؛ لأنهما من أهل مكة، وبعث بأولئك الثلاثة؛ فأما طلق، فمات في الطريق قبل أن يصل، وأما مجاهد، فحبس فما زال في السجن حتى مات الحجاج، وأما سعيد بن جبير، فلما أوقف بين يدي الحجاج قال له: يا سعيد، ألم أشركك في أمانتي؟ ألم أستعملك؟ ألم أفعل؟ ألم أفعل؟ كل ذلك يقول: نعم؛ حتى ظن من عنده أنه سيخلي سبيله، حتى قال له: فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين؟ فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم علي، فغضب عند ذلك الحجاج غضبًا شديدًا، وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه، وقال له: ويحك! ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبدالملك؟ قال: بلى، قال: ثم قدمت الكوفة واليًا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة فأخذت بيعتك له ثانية، قال: بلى! قال: فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين، وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ يا حرسي اضرب عنقه، قال: فضُربت عنقه فبدر رأسه عليه لاطئة صغيرة بيضاء، وقد ذكر الواقدي نحو هذا، وقال له: أما أعطيتك مائة ألف؟ أما فعلت، أما فعلت؟!

قال ابن جرير: فحدثت عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، قال: سمعت خلف بن خليفة، يذكر عن رجل قال: لما قتل الحجاج سعيد بن جبير فندر رأسه، هلل ثلاثًا؛ مرة يفصح بها، وفي الثنتين يقول مثل ذلك لا يفصح بها.

وذكر أبو بكر الباهلي قال: سمعت أنس بن أبي شيخ يقول: لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: لعن ابن النصرانية – يعني خالد القسري، وكان هو الذي أرسل به من مكة – أما كنت أعرف مكانه؟ بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة، ثم أقبل عليه فقال: يا سعيد، ما أخرجك علي؟ فقال: أصلح الله الأمير، أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب أخرى، فطابت نفس الحجاج وانطلق وجهه، ورجا الحجاج أن يتخلص من أمره ثم عاوده في شيء، فقال سعيد: إنما كانت بيعة في عنقي، فغضب عند ذلك الحجاج، فكان ما كان من قتله.

وذكر عتاب بن بشر، عن سالم الأفطس، قال: أتي الحجاج بسعيد بن جبير وهو يريد الركوب وقد وضع إحدى رجليه في الغرز، فقال: والله لا أركب حتى تتبوأ مقعدك من النار، اضربوا عنقه، فضربت عنقه، قال: والتبس الحجاج في عقله مكانه، فجعل يقول: قيودنا قيودنا، فظنوا أنه يريد القيود التي على سعيد، فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود.

وقال محمد بن أبي حاتم: ثنا عبدالملك بن عبدالله، عن هلال بن خباب، قال: جيء بسعيد بن جبير إلى الحجاج فقال: كتبت إلى مصعب بن الزبير؟ فقال: بلى، كتبت إلى مصعب، قال: لا والله لأقتلنك، قال: إني إذًا لسعيد كما سمتني أمي، قال: فقتله، فلم يلبث الحجاج بعده إلا أربعين يومًا، وكان إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: يا عدو الله، فيمَ قتلتني؟ فيقول الحجاج: ما لي ولسعيد بن جبير؟ ما لي ولسعيد بن جبير؟!

قال ابن خلكان: كان سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولى بني والبة كوفيًّا أحد الأعلام، من التابعين، وكان أسود اللون، وكان لا يكتب على الفتيا، فلما عمي ابن عباس كتب، فغضب ابن عباس من ذلك، وذكر مقتله كنحو ما تقدم، وذكر أنه كان في شعبان، وأن الحجاج مات بعده في رمضان، وقيل: قبل بستة أشهر، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال: قُتل سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحدٌ إلا وهو محتاج – أو قال: مفتقر – إلى علمه، ويقال: إن الحجاج لم يسلَّط بعده على أحد، قال ابن جرير: وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء؛ لأنه مات فيها عامة فقهاء المدينة، مات في أولها علي بن الحسين بن زين العابدين، ثم عروة بن الزبير، ثم سعيد بن المسيب وأبو بكر عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن جبير من أهل مكة.

قال ابن جرير: واستقضى الوليد بن عبدالملك في هذه السنة على الشام سليمان بن صرد، وحج بالناس فيها العباس بن الوليد، ويقال: مسلمة بن عبدالملك، وكان على نيابة مكة خالد القسري، وعلى المدينة عثمان بن حيان، وعلى المشرق بكماله الحجاج، وعلى خراسان قتيبة بن مسلم، وعلى الكوفة من جهة الحجاج زياد بن جرير، وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى، وعلى إمرة البصرة من جهة الحجاج الجراح بن عبدالله الحكمي، وعلى قضائها عبدالله بن أذينة، والله سبحانه وتعالى أعلم[2].

معركة شماهي:

كانت الدولة العثمانية على خلاف مستمر مع الدولة الصفوية، بل وصل الأمر إلى صراع شديد بين البلدين؛ فالدولة العثمانية (ذات الطبيعة السُّنية) والدولة الصفوية (ذات الطبيعة الشيعية) على خلاف شديد، سواء كان عقديًّا أو عسكريًّا، ورغم القلة العددية للدولة الصفوية إلا أنها كانت تستعين بأعداء الدولة العثمانية في صراعها مع العثمانيين.

استغلت الدولة العثمانية حالة الصراع على السلطة بين أبناء طهماسب، الذي توفي سنة 984هـ، وخلفه ابنه حيدر، فقتل بعده بساعات ودفن مع أبيه، وتولى أخوه محمد خدابنده، فاختلف الناس عليه وعمت الاضطرابات بلاد فارس، فأرسل السلطان مراد الثالث جيشًا كبيرًا، فاحتل جورجيا ودخل عاصمتها تفليس عام 985هـ، ثم دخل فصل الشتاء فتوقف القتال.

وفي الصيف عاد العثمانيون من أجل فتح شروان “أذربيجان”، فخرج لهم الصفويون بجيش كبير عند مدينة شماهي على حدود القوقاز، وفي يوم 11 رمضان سنة 986هـ، التقى الجيشان في معركة طاحنة، انتهت بنصر كبير للعثمانيين؛ حيث خسر الصفويون في هذه المعركة 15 ألف قتيل، وأسفرت المعركة عن ضم شروان “أذربيجان الشمالية” للدولة العثمانية[3].

إسلام وفد ثقيف:

قال ابن إسحاق: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثقيف، وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم، اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام.

فقال له رسول الله – كما يتحدث قومه -: ((إنهم قاتلوك)).

وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع؛ للذي كان منهم.

فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم، وكان فيهم كذلك محببًا مطاعًا، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام؛ رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له: أوس بن عوف – أخو بني سالم بن مالك – ويزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب يقال له: وهب بن جابر.

فقيل لعروة: ما ترى في دينك؟

قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، فليس فيَّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم.

فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: ((إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه)).

وهكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة، ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق.

وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك، وهذا بعيد.

والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر، كما ذكره ابن إسحاق، والله أعلم.

قال ابن إسحاق: ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرًا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، وقد بايعوا وأسلموا، فائتمروا فيما بينهم، وذلك عن رأي عمرو بن أمية – أخي بني علاج – فائتمروا بينهم، ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلاً منهم، فأرسلوا عبدياليل بن عمرو بن عمير، ومعه اثنان من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، وهم: الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب، وعثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف – أخو بني سالم – ونمير بن خرشة بن ربيعة.

وقال موسى بن عقبة: كانوا بضعة عشر رجلاً، فيهم: كنانة بن عبدياليل – وهو رئيسهم – وفيهم: عثمان بن أبي العاص – وهو أصغر الوفد.

قال ابن إسحاق: فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة، ألفوا المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم رسول الله شروطًا، ويكتبوا كتابًا في قومهم.

فقال أبو بكر للمغيرة: أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم.

ثم خرج المغيرة إلى أصحابه، فروَّح الظَّهْر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية.

ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت عليهم قبة في المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله، فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خالد بن سعيد قبلهم، وهو الذي كتب لهم كتابهم[4].

قال: وكان مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوه شهرًا واحدًا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئًا مسمى، إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة ليهدماها، وسألوه مع ذلك أن لا يصلوا، وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم.

فقال: ((أما كسر أصنامكم بأيديكم، فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه)).

فقالوا: سنؤتيكها وإن كانت دناءة.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا محمد بن مسلمة عن حميد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم المسجد؛ ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا، ولا يعشروا، ولا يجبوا، ولا يستعمل عليهم غيرهم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكم أن لا تحشروا، ولا تجبوا، ولا يستعمل عليكم غيركم، ولا خير في دين لا ركوع فيه)).



[1] الطبقات الكبرى ط العلمية (6 / 267).

[2] البداية والنهاية/ الجزء التاسع/ مقتل سعيد بن جبير رحمه الله.

[3] معركة شماهي (مفكرة الإسلام).

[4] البداية والنهاية/ الجزء الخامس/ قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من سنة تسع.