برلمان الانقلاب يحصن السيسي وجنرالاته من المساءلة عن جرائمهم

في الذكرى الخامسة للانقلاب العسكري، الذي ابتليت به مصر في 3 يوليو 2013، ووسط مؤشرات على العد العكسي للانقلاب وتصاعد الغضب الشعبي، أمر قادة الانقلاب نواب الانقلاب الصوريين بإصدار قانون عاجل اليوم، يحصن به السيسي نفسه هو وكبار قادة الجيش الذين شاركوه جرائمه، من أي مساءلة قانونية عن الجرائم التي ارتكبوها من بداية الانقلاب وحتى يناير 2016.

القانون الجديد الذي اقرن نواب الانقلاب علي عجل اليوم الثلاثاء قبل بدء اجازة البرلمان، هو “قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة” والذي يتضمن 6 مواد تحصن جنرالات الانقلاب من الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب مثل القتل الجماعي للمتظاهرين والمعتصمين، ومن التعذيب والنهب والفساد.

ويحصن القانون الجديد المجرمين بحصانات تحميهم من المساءلة في الخارج، بعد أن بدأت منظمات حقوقية تطالب باحتجازهم ومحاكمتهم وهو ما فعلته بريطانيا وجنوب إفريقيا في أوقات سابقة، كما يعطيهم أفضلية المعاملة كوزراء حتى ولو لم يتولوا منصب الوزير (!)، فضلا عن السماح لهم بالجمع بين الاموال التي حصدوها كعسكريين ومسئولية بالمخالفة للقانون.

ووافق برلمان الانقلاب اليوم الثلاثاء على القانون الذي أعدته لجان “الدفاع والأمن القومي”، و”الشئون الدستورية والتشريعية” و”الخطة والموازنة”، و”العلاقات الخارجية” بحضور اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والتشريعية، ومايسترو ترزيه القوانين في الجيش.

مواد القانون المشبوه

أخطر مواد القانون التي تحصن قادة الانقلاب هي “المادة الخامسة” من القانون التي تنص على أنه “لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهة أي من المخاطبين بأحكام هذا القانون عن أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلاّ بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.

ومعني هذه المادة في القانون أنه لا يجوز محاسبة السيسي ولا جنرالاته على جرائم الانقلاب العسكري ولا قتل المعتصمين والمتظاهرين، ولا أي قرارات اقتصادية أو قضائية خطأ اتخذها السيسي، حتى 22 ديسمبر 2015 تاريخ افتتاح جلسات مجلس النواب الجديد، أو حتى بداية عام 2016.

17 مجزرة

ونفذ جنرالات السيسي في هذه الفترة قرابة 17 مجزرة أشهرها رابعة والنهضة والحرس الجمهوري ورمسيس والمنصورة وغيرها، كما قاموا بسلسلة قتل بالتعاون مع الشرطة لمعتقلين بدعوي تبادل إطلاق النار، ونفذوا عمليات تعذيب في السجون الحربية مثل الشرطة تماما سجلتها تقارير حقوقية دولية ووثقتها هيومان رايتس وواتش ما يجعل الفكاك منها غير ممكن.

وهناك أكثر من 10 جرائم للانقلاب في مصر أبرزها: القتل والحرق – تزوير ارادة شعب – اعتقال الاطفال والنساء – حماية الفاسدين – عسكرة الدولة -رعاية العداء للدين -إجهاض أول تجربة ديمقراطية -تعميق الفقر وهدم الاقتصاد -سجن الكفاءات العلمية – رعاية البلطجية.

وسبق أن قدمت 4 دعاوى دولية ضد قادة الانقلاب وقتلة المصريين بواسطة هيئة قانونية دولية بريطانية داعمة للشرعية في مصر والرئيس المنتخب محمد مرسى، تتهمهم فيها بارتكاب مجازر بحق متظاهرين مصريين، وقتل الاف المصريين المعارضين للانقلاب.

قائمة بأسماء المجرمين

وضمت القائمة الأولية بأسماء مجرمي الانقلاب الملاحقين دوليا، 7 من قادة المجلس العسكري الحالي على راسهم الفريق أول السيسي وزير الدفاع وصدقي صبحي وزير الدفاع السابق، إضافة الي 7 من قادة وزارة الداخلية على رأسهم الوزير السابق محمد ابراهيم، إضافة الي مدير المخابرات المصرية والرئيس المؤقت ورئيس الوزراء ونوابه وعدد من الوزراء الحاليين.

وتتضمن صحيفة الاتهام التي ستقدم للمحاكم الدولية ضد الانقلابين تهم تتعلق باتهامهم بالمسئولية عن مجازر: الحرس الجمهوري والنصب التذكاري (شرقي القاهرة) وفض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر وأحداث سيارة الترحيلات المتجه إلى سجن أبو زعبل، وغيرها.

البداية موقعة الجمل

وبدأت جرائم السيسي والانقلاب منذ 2011 بدعم موقعة الجمل كما جاء في شهادة الدكتور محمد البلتاجي، واستمرت قبل الانقلاب وبعده.

وفي شهادته -الأولي من نوعها أمام المحكمة– أشار الرئيس محمد مرسي إلى أن “لجنة تقصي الحقائق التي شكلها عند توليه الرئاسة، اتهمت “قائد الانقلاب” بقتل الثوار حيث تضمن تقرير اللجنة شهادات مديري بعض الفنادق بميدان التحرير تدين ضباط من جهة أمنية سيادية كانوا يعملون تحت أمر رئيس المخابرات الحربية وقتها (عبد الفتاح السيسي)، وأن هؤلاء مسئولين عن قنص المتظاهرين خلال 25 يناير، وحتى تولي مسؤولية الرئاسة (يونيو 2013)”، وتابع: “أرسلت هذه الشهادات مع باقي التقرير للنائب العام”.

أي جنرال “وزير”!

وتنص المادة الثانية من هذا القانون الغريب على أن “يعامل بالمعاملة المقررة للوزير كل من لم يشغل من كبار قادة القوات المسلحة المشار إليهم في المادة الأولى من هذا القانون منصب الوزير أو منصباً أعلى، ويتمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة”.

وتحدد المادة الثالثة امتيازات مالية عديدة لهم حيث تنص على أن “تحدد بقرار من رئيس الجمهورية المزايا والمخصصات الأخرى التي يتمتع بها المخاطبون بأحكام هذا القانون، ويجوز الجمع بين المزايا والمخصصات المقررة بناء على أحكام هذا القانون وبين أي ميزة مقررة بموجب أي قانون آخر”.

وتنص المادة الأولى على أن “يستدعى الضباط من كبار قادة القوات المسلحة الذين يصدر بأسمائهم قرار من رئيس الجمهورية، لخدمة القوات المسلحة مدى حياتهم، ويكون الاستدعاء لمن يشغل منهم منصباً أو وظيفة خارج القوات المسلحة فور انتهاء شغله لهذا المنصب أو تلك الوظيفة”.

وتنص المادة الرابعة على أن “يتم منح المشار إليهم في المادة الأولى، بقوة هذا القانون، الأوسمة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية”.

وتنص المادة السادسة على أنه “يتمتع المخاطبون بأحكام هذا القانون أثناء سفرهم خارج البلاد بالحصانات الخاصة المقررة لرؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية طوال مدة خدمتهم وكذا مدة استدعائهم، وعلى وزارة الخارجية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك”.

محاولة حماية السيسي وعصابته

ولأنه برلمان عُين علي أعين المخابرات الحربية يبصم نواب الانقلاب على كل قوانين الانقلاب ولم يعترض نائب واحد في الدورة السابقة على أي قانون ما يؤكد أنه برلمان الطراطير.

ومع هذا يأتي صدور القانون في هذا التوقيت وبمواده المريبة التي تحصن جنرالات الانقلاب من المساءلة القانونية عن جرائم الانقلاب، ليطرح تساؤلات حول اسباب هذا التحصين الان، وهل يخشى السيسي وجنرالاته ثورة تحاكمهم لاحقا؟

ويتضمن القانون مزايا غير عادية لجنرالات الجيش الذين يستدعيهم السيسي لتولي وظائف رسمية، مثل معاملتهم معاملة الوزير حتى ولو لم يكونوا وزراء، وجمعهم بين المزايا والمكافأت المالية العسكرية والمدنية بالمخالفة للقوانين، وتمتعهم بالحصانات الدبلوماسية حين سفرهم (بهدف منع محاكم أجنبية من محاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم بالانقلاب)

وكالعادة زعم اللواء ممدوح شاهين، كبير ترزيه قوانين الجيش أن القانون “ليس به أي تميز، مستشهدًا بقانون رقم 35 لسنة 76 لتكريم قادة حرب أكتوبر”، رغم الخلافات بين القانونين، زاعما أن “هذا ليس تمييز إنما تكريم للضباط”.

وحاول الربط بينه وبين قانون تكريم ضباط اكتوبر، بدعوي أن جنرالات السيسي عبروا بمصر إلي الاستقرار المزعوم بالانقلاب كما فعل ضباط حرب أكتوبر في عبور قناة السويس، ما أثار سخرية المصريين.

السيسي وزمرته لن يكونوا قادرين على ضمان الإفلات من سيف العدالة وسلطان القانون الدولي إلى ما لا نهاية لهذا يحصنون أنفسهم، ولكن هذا لن يحصنهم من العقاب لو ثار الشعب وألغي هذه القوانين.

فالفاجعة التي تتجدد مشاهدها الاستئصالية بشكل يومي في مصر علي يد الانقلابيين أحيت همجية وجرائم التتار، وأعادت إلى الذاكرة الجرائم الكبرى التي ارتكبها بعض من ينتسبون – زورا وبهتانا-إلى صف الأمة، وخياناتهم التاريخية للقيم الإسلامية النبيلة التي تميزت بها أمتنا عن سائر الأمم، وخروجهم تماما عن دائرة التصور البشري والسلوك الإنساني، والتاريخ والشعب لن يرحمهم.