الشهيد محمود المبحوح.. عاشق المقاومة ومُرعب الصهاينة

19 يناير 2020

في الذكرى العاشرة على استشهاده

الميلاد والنشأة

إنه رجلٌ من جيلٍ قد مضى، عز فيه النظير، وندر فيه المثيل، إنه يتبع رجالاً كانوا قد عاهدوا الله على النصر أو الشهادة، فانتقاهم الله من بيننا، واختاره سبحانه وتعالى عن قصدٍ من بين جمعنا، قد غاب عنا المبحوح، هو شهيد عند الله نحسبه ، غاب عن الدنيا ولم يلوِ فيها على شيئ، غاب وهو مسكونٌ بالمقاومة، مهمومٌ بإخوانه في الرباط والميدان، يفكر كيف ينصرهم، ويعمل لتحصين مواقعهم، ويجهد نفسه كيف يجعلهم أقوى سلاحاً، وأمضى عزيمةً، وأشد شكيمةً، وأقوى على النزال بما يملكون من عتادٍ وسلاح ، فرحل عن الدنيا وترك بصماته في جهاده ومقارعته للعد الصهيوني .

في الرابع عشر من شهر فبراير لعام ألف وتسعمائة وستين ميلادية، أطل نور الفارس القسامي القائد محمود عبد الرءوف محمد المبحوح “أبو العبد”، وكانت فلسطين بأسرها على موعد مع انطلاق صرخات طفل في المهد سيكبر يوما ويصبح شوكة في حلق الصهاينة ويقض مضاجعهم ويزلزل عروشهم، ويخطف جنودهم ويقتلهم.

ولد شهيدنا المجاهد محمود المبحوح في مخيم جباليا/ بلوك تسعة، بجوار بركة أبو راشد، وفي أسرة ملتزمة ومتدينة تعود جذورها إلى قرية بيت طيما المحتلة عام 1948م ترعرع ونما وعاش حياته في مخيم جباليا مخيم الثورة والصمود والشرارة الأولى للانتفاضة المباركة.

كان شهيدنا منذ صغره يكره الاحتلال ويحب الانتقام منهم بأي طريقة كانت، وكان يحلم بأن يكبر يوما ليقارع جنود الاحتلال الصهاينة وينتقم من مرتكبي المجازر بحق شعبنا.

كان شهيدنا رحمه الله يمارس الرياضة باستمرار، وكان كثيرا ما يتردد على نادي خدمات جباليا وكان يمارس رياضة كمال الأجسام.

وفي إحدى البطولات حاز على المرتبة الأولى في كمال الأجسام على مستوى قطاع غزة.

وفي عام 1982م انتقل شهيدنا رحمه الله إلى مخيم تل الزعتر.

حياته الإجتماعية

كان والد شهيدنا له من الذكور 14، ومن الإناث اثنتان، وكان ترتيب شهيدنا رحمه الله الخامس بين إخوانه.

وكان شهيدنا رحمه الله في العام 1983م على موعد مع حفل زفافه لزوج الدنيا، فتزوج من امرأة صالحة. ولشهيدنا رحمه الله أربعة أولاد: ذكر وثلاث إناث وهم على الترتيب عبد الرؤوف ، 31 سنة، ومنى 30 عاما، مجد 21 عاما، ورنيم 18 عامًا.

رحلة السجون

اعتقل شهيدنا رحمه الله عدة مرات في سجون الصهاينة، وفي السجون المصرية، فاعتقل في عام 1986م في سجن غزة المركزي ( السرايا)، ووجهت له تهمة حيازة الأسلحة وبعد خروجة من سجون الاحتلال الصهيوني استكمل حياته الجهادية فعاش مطاردا للاحتلال الصهيوني.

رحلته التعليمية

درس شهيدنا رحمه الله المرحلة الابتدائية فقط في مدرسة الأيوبية (ج) بمخيم جباليا ثم حصل على دبلوم الميكانيكا وتفوق في هذا المجال، وكان ناجحا جدا في عمله حتى افتتح ورشة عمل في شارع صلاح الدين، وأحبه الجميع، حتى إن الكثير من أهلنا في أراضي ال48 المحتلة كانوا يأتون إليه وقت إجازتهم لإصلاح سياراتهم في يوم السبت، ولحسن أخلاقه ومعاملته الطيبة مع الناس أحبه الجميع وكل من حوله.

وعندما انتقل إلى سوريا حاز على العديد من الدورات الهامة في عدة مجالات أبرزها دورات الحاسوب وتعلم العديد من اللغات الأجنبية.

كانت بدايةُ شهيدنا رحمه الله في العام 1978م، عندما التزم في مسجد أبو خوصة المسجد الشرقي حاليا.

ومنذ التزام شهيدنا رحمه الله كان يحارب الكثير من البدع مثل محلات القمار والمقاهي التي تفسد شباب المسلمين.

وفي العام 1983م، كان هناك حملات شرسة من جماعات يسارية ضد الجامعة الإسلامية وكانت تلك الجماعات تقوم بمحاربة الجامعة الإسلامية وتسعى للسيطرة عليها لمنع قيام جماعات إسلامية مناهضة لها، وفي ذلك الحين وقف شهيدنا وقفة جادة وقوية لمناصرة الجامعة في ذلك الوقت.

كان شهيدنا رحمه الله منذ صغره يعشق المقاومة والجهاد في سبيل الله، وكان يتدرب على السلاح، وفي العام 1986م اعتقل في سجن غزة المركزي بتهمة حيازة سلاح الكلاشينكوف لمدة عام، وبعد خروجه من السجن لم يتوقف عمله الجهادي بل ازداد قوة، وازدادت علاقته بالشيخ أحمد ياسين وبالشيخ المؤسس العام للكتائب صلاح شحادة.

عمل شهيدنا رحمه الله في المجموعة الأولى التي أسسها القائد محمد الشراتحة، وكان محمد عضوا من أعضاء تلك المجموعة العسكرية.

وشهيدنا رحمه الله هو المسئول عن خطف جنديين صهيونيين وقتلهما.

مواقف مميزة ممن حياة الشهيد

كان شهيدنا رحمه الله لا يحب الكلام الكثير، وكان يتغير وجهه عندما يرى الصهاينة ويعشق الانتقام من الصهاينة، وكان صاحب شخصية قوية جدا، وكان شهيدنا رحمه الله صاحب سرية عالية وكتمان.

وهناك قصة مميزة حدثت مع شهيدنا البطل “إبان الانتفاضة الأولى وعند مرور أحد الدوريات العسكرية في منطقة تل الزعتر طاردوا بعض الصبية بحجة منع التجوال ولم يكن هناك منع تجوال فقام الصبية بالاحتماء داخل منزل الشهيد، فتصدى لهم أبو العبد ودار بينه وبين الصهاينة جدل طويل قائلاً لهم: إنه ليس هناك منع تجول ولا يحق لكم ملاحقة الصبية، وتفاقم الوضع، حتى وصل أن يشهروا السلاح عليه فقام برفع قطعة حديديه على الجنود وهددهم بها إن لم ينسحبوا، فما كان إلا انسحبوا وقاموا باستدعاء قوات كبيرة، وتدخل أخو أبو العبد حتى أشغلهم عن شهيدنا ومن ثم انسحب شهيدنا من المكان قبل مجيء قوات الدعم المساندة للجنود الصهاينة، وبعد ذلك قام الصهاينة بتطويق المنطقة وفرض حظر التجوال بحثا عن الشهيد.

أسر الجنديين الصهيونيين وقتلهما

بعدما انكشف أمر شهدينا في 11/5/1989م، قامت قوات خاصة فجرا ذلك اليوم مستقلة سيارات من نوع فورد، بتطويق بيت الشهيد وقاموا بعمليات إنزال على شرفة المنزل وسطح المنزل، وقاموا بإلقاء قنابل صوتية وتكسير أبواب المنزل بدون سابق إنذار واعتقلوا كل من في البيت بما فيهم أطفاله الصغار.

وكانت هناك قوات خاصة في كراج الشهيد تنتظر قدومه لقتله أو اعتقاله، وكان الجنود الصهاينة متخفين بزي عمال زراعة، وعندما توجه أخواه إلى الورشة (الكراج) قام الصهاينة بإطلاق الناري عليهما لحظة دخولهما، وأصيب أخوه فايق وتم اعتقاله من قبل الصهاينة أما نافز فقد أصيب بجرح بالغة الخطورة وتم نقله إلى مستشفى الأهلي.

ورغم الحصار والمطاردة ذهب أبو العبد إلى المستشفى ليطمئن على أخويه ومن ثم غادر المكان وبعد ذلك تمكن من الخروج من قطاع غزة.

وفي عام 1990م ، قررت المحكمة الصهيونية هدم بيت الشهيد ومصادرة الأرض، وكانت التهمة الموجهة إليه خطف جنود صهاينة.

الخروج من غزة

بعد مطاردة في غزة دامت أكثر من شهرين، تمكنوا من اجتياز الحدود هو ورفاقه، إلى مصر، وعندما اكتشف أمرهم من قبل الصهاينة، طالبوا الحكومة المصرية بتسليمهم إلا أنهم تمكنوا من الاختفاء عن أعين قوات الأمن المصرية لمدة 3 شهور حتى تم الاتفاق على تسليمهم وترحليهم إلى ليبيا، ومن هناك غادروا إلى سوريا حيث أكمل مشواره الجهادي هناك.

ليلة الاستشهاد

يا لها من دنيا، تفرق بين الأحباب وتباعد بين الأصحاب وترسم صورة الفراق والغياب، وجاء اليوم الذي يعلن فيه عن موعد غياب القمر الأخير عن سماء الدنيا الفانية والارتحال إلى دنيا الآخرة والبقاء.

ففي ليلة 19/1/2010م، كان شهيدنا القائد الحبيب محمود يمكث في أحد فنادق دبي بالإمارات، لكنه لم يكن يعلم أن الموساد الصهيوني ووكلاءه في المنطقة يترقبونه ويتربصون به ثأرا لجنودهم المقتولين منذ زمن، ولكن ليس مواجهة كالرجال بل غدرًا وخيانة، واستخدموا في جريمتهم الجبانة الصعقات الكهربية ومن ثم الخنق ليرتقي شهيدنا الحبيب إلى جنان الله الباري بعد مشوار جهادي شرف كل فلسطين وكل الأمة.

وبذلك قد نال شهيدنا الشهادة التي تمناها على مدى سنوات طوال، فأراد الله البقاء سنوات طوال يخدم فيها الإسلام والمقاومة، ومن ثم الشهادة في سبيل الله فنال أجر البقاء بخدمة الإسلام وظفر بالشهادة ليختم بها حياته فرحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

تفاصل حياته ومكونات شخصيته

لا شك أن أبا العبد أغاظ الاحتلال على مدى سنوات طوال، وأذاقهم طعم العلقم مرارا وتكرارا، فخطف جنديين صهيونيين وقتلهم وعلى الرغم من تواجد الاحتلال في كل مكان، استطاع أبو العبد مراوغة الاحتلال والخروج من غزة على الرغم من الحصار الأمني الصهيوني، وكثافة البحث عن قاتل الجنديين الصهيونيين.

وعلى الرغم من مرور سنوات طوال على خطف الجنديين الصهيونيين وقتلهم فإن الصهاينة ظلوا على مدى السنوات الطوال يعيشون في حسرة لعدم مقدرتهم على قتل أسد القسام والانتقام لجنودهم المهزومين.

ولم يستطع الصهاينة مواجهة القائد محمود المبحوح وجهًا لوجه، بل أرادوها غدرا وخيانة كما يفعل الجبناء الأنذال، أصحاب الهزيمة والوهن، فهذه شيم المهزومين الصهاينة الذين تربوا على الغدر والخيانة عندما يصعب عليهم المواجهة، كما حدث مع أبي العبد.

وجاءت لحظة الخيانة، وعندما قرر المبحوح السفر إلى الإمارات، قام الموساد الصهيوني بعملية الاغتيال بصعقة كهربية، عندما كان أبو العبد موجودا في أحد مباني الإمارات في 20/1/2010م.

وقال أحد أقارب الشهيد وأحد المقربين منه: توقعنا أن تكون العملية عبارة عن اغتيال من قبل الموساد الصهيوني، فلقد حاول الصهاينة تنفيذ عدة محاولات اغتيال بحق قائد القسام أبو العبد، ففي دمشق قد حاول الموساد الصهيوني زرع عبوة ناسفة في طائرة وتم كشف الأمر وباءت محاولة الصهاينة بالفشل ، ومرة أخرى قد حاول الصهاينة اختطاف محمود في بيروت وباءت أيضا بالفشل.

وعن كيفية استقبالهم الخبر قال: كانت مفاجأة بالنسبة لنا أن ينجح الموساد الصهيوني في اغتياله، فلقد أغاظ الصهاينة على مدى سنوات طوال، ولقد قتل جنديين صهيونيين بعد خطفهما، ولم يستطع الصهاينة مواجهته رجلا لرجل، بل أرادوا الغدر والخيانة في ليلة الثلاثاء الموافق.

وعن مطالبهم قال: لقد كان رد القسام سريعا وتوعدت بالرد على جريمة الاغتيال الجبانة التي نفذها الموساد وعملاؤه في المنطقة، فهو المسئول الأول عن عملية الاغتيال سواء هو أو أعوانه في المنطقة.

وقال أسامة حمدان: لقد طارد الاحتلال الصهيوني على مدى ثلاثة عقود، وجهاز أمنه ولا شكوك أن عملية الاغتيال تمت عن طريق الصهاينة، ولقد أثبتت التحقيقات ذلك.

ويقول فايق المبحوح شقيق الشهيد: لقد أبلغنا بوفاته قبل عشرة أيام وكنا متأكدين أنها عملية اغتيال جبانة من قبل الاحتلال ووكلائه في المنطقة وناشدنا السلطات الإماراتية فتح تحقيق في الحادث من جديد عن طريق الطب الجنائي.

وعن كيفية الاغتيال قال: هناك عدة أنباء من عدة وسائل وهناك عدة روايات، والرواية أن الشهيد محمود تعرض لصعقة كهربية وتم خنقه بعد ذلك .

“حماس” تحقِّق في الاغتيال

وبُعَيْد الإعلان عن استشهاده أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس”، وعلى لسان القيادي فيها عزت الرشق/ أن “جثمان الشهيد وصل في ساعةٍ متأخرةٍ من مساء يوم الخميس (29-1) إلى العاصمة السورية دمشق؛ حيث سيوارى الثرى بعد صلاة الجمعة (29-1)”، كاشفًا عن أن تحقيقات تجريها الحركة بالتعاون مع الجهات المختصة في دولة الإمارات العربية المتحدة لمعرفة ظروف جريمة الاغتيال وملابساتها.

وأوضح الرشق أن القائد الشهيد كان من مؤسِّسي “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، وأنه نفَّذ عملية أسْر جنديَّيْن صهيونيَّيْن؛ هما “إيلان سعدون”، و”آفي سبورتس”؛ لمحاولة مبادلة أسرى فلسطينيين بهما، وكان له دور مهم في دعم المجاهدين.

الإحتلال يتحمَّل مسئولية الجريمة

وكانت “حماس” قد نعت القائد المبحوح، وحمَّلت، في بيانٍ صدر عنها الجمعة 29/1/2010م ؛ العدوَّ الصهيوني مسؤولية جريمة اغتيال القائد المبحوح، وتعهَّدت بمواصلة السير على طريق الجهاد والاستشهاد، طريق المقاومة والتحرير، مؤكدةً أن “كتائب القسام” سوف تردُّ على هذه الجريمة الصهيونية في الزمان والمكان المناسبَيْن، مؤكدة أن العدو الصهيوني لن يفلت من العقاب، وأنها ستنشر بعض تفاصيل ما كشفته التحقيقات في الوقت المناسب.

أكدت عائلة القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الشهيد محمود عبد الرؤوف المبحوح أنها كانت على علم ويقين بأن ابنها تعرض لعملية اغتيال منذ الساعات الأولى لورود نبأ وفاته في دولة الإمارات في العشرين من يناير 2010م.

وقال شقيق الشهيد حسين المبحوح : “علمنا منذ البداية أن الوفاة لم تكن بسبب مرض عضال بل اغتيال، ولم نفصح عن تلك المعلومات ريثما جرى التحقق منها”.

وأضاف المبحوح أن المعلومات التي أُفدنا بها منذ البداية أن هناك ثمة آثار ضرب على الرأس من الخلف وبقع دماء على السرير الذي كان ينام عليه.

وأكد أن من يكمن وراء ذلك الاغتيال هو”اسرائيل” بسبب العمليتين المشهورتين اللتين كان شقيقه المسؤول المباشر عنهما وهما قتل كتائب القسام للجنديين الصهيونيين إيلان سعدون وآفي سبورتاس إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.

وأشار إلى أن الاحتلال الاسرائيلي حاول مرارًا وتكرارًا اغتياله؛ حيث تعرض لمحاولتي اغتيال في الأعوام الأخيرة في كل من سوريا ولبنان.

وأوضح أن شرطة الفندق الذي نزل به شقيقه في تلك الليلة لم تكن تعلم أن هذا الشخص “المقتول” هو أحد قادة حماس وتعاملت مع الحدث أنه كأي مواطن عادي، لكن بعدما علمت أنه ينتمي لحماس ويعد أحد قادتها باشرت بالتحقيقات لمعرفة ملابسات تلك الجريمة.

واستنكر منع السلطات المصرية لذوي الشهيد من الذهاب للمشاركة في تشييع جثمانه ووداعه الأخير، متهمًا إياها بالتخاذل.

وقال: “إن السلطات المصرية تحمل كل الكره والبغض لشقيقي محمود وتسميه إرهابيًا”، مشيرًا إلى أن مصر طالبت من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في أحد السنوات الماضية بعدم اصطحاب شقيقه ضمن وفد كان متوجهًا إلى القاهرة في تلك الفترة.

وحول إذا ما كانت عائلة الشهيد تريد تقديم قضية للمحاكم لمعاقبة مرتكبي تلك الجريمة قال المبحوح: “إذا كان تقرير غولدستون لم يجد نفعاً وهو يحمل في صفحاته وتحقيقاته أكثر من 1500 شهيد قتلتهم اسرائيل فهل سينظر في شكوانا؟”.

ملاحقة واستشهاد

يعد المبحوح هو المسئول المباشر عن عملية أسر وقتل جنديين صهيونيين إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، حيث تم إبعاده إلى جنوب لبنان ضمن 412 قياديًا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وتنقل بين عدد من الدول العربية كانت أولها مصر، ومن ثم السودان وليبيا ولبنان واستقر أخيرًا في سوريا وتعرض لمحاولتي اغتيال خلال الأعوام الأخيرة في كل من سوريا ولبنان بوضع عبوة داخل السيارة التي كان يستقلها.

وكان جيش الاحتلال هدم منزل أسرته كأول منزل فلسطيني يهدم خلال الانتفاضة الأولى، فضلاً عن تعرض أفراد عائلته للسجن أكثر من مرة حيث تم اعتقال والده ووالدته وطفله عبد الرؤوف الذي لم يتجاوز آنذاك بضعة أشهر.

ويقول محمد شقيق الشهيد لوكالة “صفا” إنه في صباح يوم 14/5/1989 اقتحم جيش الاحتلال منزل العائلة بحثًا عن شقيقه محمود فلم يجدوه، فتوجهوا للورشة التي كان يعمل بها وأحاطوها من كل جانب وعندما ذهب شقيقاه نافذ وفائق إلى الورشة قابلهم الجيش بإطلاق النار وأصيب إثر ذلك نافذ في أمعائه.

أما فائق فأصيب في قدمه ظنًا منهم أنه محمود فأخذوه إلى مركز تحقيق الإدارة المدنية شرق جباليا شمال قطاع غزة وعندما تأكدوا أنه ليس المطلوب حققوا معه عن أماكن تخفيه، وفي عام 1992 تم اعتقال فائق مرة أخرى ليحكم 15 عشر عامًا بتهمة انتمائه لكتائب القسام.

واستطاعت كتائب القسام أن تحتفظ بجثمان ايلان سعدون سبع سنوات كاملة، بقي فيها مصير هذا الجندي مجهولاً للأجهزة الأمنية الاسرائيلية بعد أن تم اختطافه عام 1989.

وشنت قوات الاحتلال حينذاك حملة اعتقالات واسعة في صفوف حركة حماس طالت الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعددًا كبيرًا من كوادر الحركة التي كانت حينذاك في طور النشأة.

ورغم المحاولات الحثيثة التي قام بها جهاز “الشاباك” من أجل حل لغز هذه القضية باءت كل محاولاته بالفشل وكانت الصفعة أكبر للاحتلال عندما اكتشف مكان دفن جثة الجندي.

وتبين للاحتلال أن كتائب القسام لم تصطحب الجندي معها إلى قطاع غزة ولم تقم بتهريبه خارج قطاع غزة عبر الأنفاق كما كان يعتقد الاحتلال بل وجدت جثته في كرم للحمضيات في مكان غير بعيد عن مكان اختطافه قرب مدينة “تل أبيب” مدفونًا في حفرة عميقة .

قالوا عن الشهيد

شيَّع الآلاف من الجماهير الفلسطينية وأنصار حركة المقاومة الإسلامية حماس” جثمان الشهيد القسامي محمود عبد الرؤوف المبحوح، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق.

وأدَّت الجماهير صلاة الجنازة على الشهيد في “مسجد الوسيم” وسط شارع اليرموك الرئيس، ثم انطلقت مسيرة التشييع إلى مقبرة الشهداء، وسط هتافاتٍ تطالب “كتائب القسام” والأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية بالرد على هذه الجريمة.

تقدَّم مسيرة التشييع عددٌ من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية؛ على رأسهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة “حماس”، الذي قال بُعَيد دفن الشهيد وأمام ضريحه: “هنيئًا لك يا أبا العبد بالشهادة؛ فأنت الآن مُسجَّى تحت التراب، وروحك تحلق في السماء في حواصل طير خضر.. عشتَ مجاهدًا ولقيت الله شهيدًا إن شاء الله، سعيتَ وراء الشهادة بقدر ما لاحقت عدوَّك الصهيوني، واليوم ظفرتَ بالشهادة، أما أنت أيها العدو الصهيوني فلقد قتلتَ الشهيد القائد محمود المبحوح رحمه الله، آلمتنا بقتله، ولكنها الحرب سجالٌ بيننا وبينك، وتلك الأيام نداولها بين الناس.. لم يكن “سعدون”، و”سبارتوس” آخر من ستقتلهم الأيدي المتوضئة من أحبة الشهيد المبحوح وتلاميذه”.

وتابع مشعل: “تؤلموننا ولكننا نؤلمكم.. هذه حرب مفتوحة؛ لن تتوقف حتى ترحلوا عن أرضنا، نحن واثقون وجازمون أننا سنهزمكم، الحرب طويلة، ولكننا مطمئنون لنتيجتها، والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي قبض روح أخينا أبي العبد.. سنهزمكم شر هزيمة”.

ومضى يقول: “قد تقتلوننا وقد تؤلموننا، ولكننا سنقتل شرعيتكم المزعومة، وسنمزق صورتكم المزيفة التي صنعتموها طوال العقود الماضية، لا مقام لكم في أرض فلسطين ولا في أرض العروبة والإسلام، والله سنهزمكم، وسترحلون عن أرضنا، هذه أرض مباركة لم تصبر على الصليبيين والتتار، ولا على المستعمرين، ولن تصبر عليكم، كما رحلتم عن غزة، سترحلون عن الضفة وحيفا ويافا وعن كل فلسطين”.

وأضاف مشعل: “ما يمرُّ بشعبنا وأمتنا حالة استثنائية، والمستقبل لنا إن شاء الله.. إن ظننتم أن الضغوط علينا وأن الاغتيال والملاحقة سوف تجبرنا على ترك خيار المقاومة فأنتم واهمون.. نحن وأبناؤنا وأحفادنا سنواصل المقاومة، والمقاومة لن يضعفها احتلالٌ ولا اغتيالٌ ولا قتلٌ ولا حصارٌ ولا جدار.. لا تغيير في سياسة “حماس” ولا في سياسة المقاومة الفلسطينية، ولا تغيير في برنامجنا الوطني”.

وأكمل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” قائلاً: “برنامجنا الوطني لم يتغيَّر: فلسطين الأرض والعرض والمقدسات والقدس والعودة والحدود والهواء والسماء والأرض كلها لنا، برنامجنا أن نستعيد حقنا”.

وتابع: “إن سُررتم باغتيال رجل عظيم قاتلكم منذ 30 عامًا واغتال بعض جنودكم بشجاعةٍ لا بغدرٍ كما فعلتم، فإن فرحتم فرحة عابرة استثنائية؛ فالألم قادم لكم إن شاء الله”.

واختتم مشعل بالقول: “أقسم بالله وباسم الله وعلى بركة الله.. سننتقم لدماء محمود المبحوح، والأيام بيننا سجال، واليوم الأخير لنا بإذن الله”.

وأكد الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس: أن استهداف الشهيد القسامي القائد محمود المبحوح لم يكن عبثاً، فالشهيد و هو من المجموعة الأولى التي أسرت جنوداً ثم قتلهم.

وأضاف أبو مرزوق: أن المبحوح كان هو الذي خط طريق الأسر وتبادل الأسرى ومواجهة العدو، كان في المجموعة الأولى التي أطلقت السلاح في الانتفاضة حيث كانت الانتفاضة في مجملها انتفاضة حجارة، مجموعة المبحوح هي التي أطلقت الرصاصة الأولى في الحركة، وأيضاًَ أول بيت هدم في الانتفاضة هو بيت أبو العبد المبحوح ولذلك الموقف المشهود الذي تحدى فيه الحاكم العسكري عندما هدم بيته قال :”لا يقابل ذلك ولو أظفراً من أظافر أبو العبد المبحوح وهو من المجموعة المطاردة الأولى التي خرجت من قطاع غزة وحتى ملاحقتها وبقي منذ ذلك التاريخ حتى اللحظة وهمه كان منذ خرج حتى اللحظة معلقاً في الجهاد والمجاهدين وكيفية دعمهم والوقوف إلى جوارهم، رحمه الله رحمة واسعة”.

وأشار الدكتور موسى أبو مرزوق: أن الشهيد المبحوح لم يكن سياسياً أو إعلامياً فهو يعمل في أطر خاصة وغير معلنة وكل علاقاته هي علاقات غير معلنة.

وحول عملية اغتيال القائد القسامي محمود المبحوح قال أبو مرزوق: ” سيكون هناك تحقيق والحركة أيضاً سترسل ايضاً وفداً للتحقيق والمساهمة في التحقيق، حتى الآن كل ما هو واضح أشياء جزئية عن قتله خنقاً لكن لا نعرف تفصيلات إلاّ من خلال التشريح والملف جميعه عند الإمارات وسنذهب لمتابعة المسألة مع دولة الإمارات إن شاء الله.

وأضاف أبو مرزوق: أن الدلالات وراء اغتيال القائد المبحبوح هو الاحتلال الصهيوني وأن إلعدو الصهيوني لم يتوقف لحظة واحدة عن ملاحقة المجاهدين الدلالات لم يكن هناك دول معتدلة ودول غير معتدلة في سياسة دولة الاحتلال تجاه هذه الدول وبالتالي الملاحقات في كل هذه الدول، الدلالات أن المعركة مفتوحة فالعدو ليس فقط داخل فلسطين بل هو داخل فلسطين وخارج فلسطين.

وأكد أن موضوع القتل والاغتيال بلا شك سيكون له آثار بعيدة حتى على سياسات الحركة.

وأكد عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”: أن العدو الصهيوني نفذ جريمة اغتيال الشهيد القائد محمود المبحوح في دبي بالإمارات العربية المتحدة الأربعاء الماضي ، مشددا على أن دماء الشهيد لن تذهب هدراً وستكون لعنة على المحتل.

وقال الرشق في تصريح صحفي له: ” إن جثمان الشهيد وصل في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس (29-1) إلى العاصمة السورية دمشق، حيث سيوارى الثرى بعد صلاة الجمعة.

وكشف عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”: أن تحقيقات تجريها الحركة بالتعاون مع الجهات المختصة في دولة الإمارات العربية المتحدة لمعرفة ظروف وملابسات جريمة الاغتيال.

وأوضح الرشق: أن القائد الشهيد كان من مؤسسي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، وأنه نفذ عملية أسر جنديين صهيونيين هما “إيلان سعدون” و “آفي سبورتس”، لمحاولة مبادلتهما بالأسرى الفلسطينيين، وكان له دور مهم في دعم المجاهدين.

وأكد محمود الزهار القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس أن الاحتلال الصهيوني يريد أن يغير قواعد اللعبة من خلال اغتياله للقيادي العسكري في كتائب القسام محمود المبحوح، مشيرا إلى الحق الكامل لحركته في الدفاع عن نفسها.

واستدرك الزهار في تصريحات لقناة الجزيرة الفضائية بأن حركة حماس ستدرس الإيجابيات والسلبيات في سبل الرد على جريمة الاغتيال.

وقال: “نحن نستطيع أن نؤلم الاحتلال داخل حدود فلسطين المحتلة وخارجها، وهذا أمر بأيدينا، وسنختار ما هو خير لنا ولشعبنا ولعلاقاتنا العربية والإسلامية”.

وأشار إلى أن حركة حماس حافظت منذ البداية على أن تبقى فلسطين هي ساحة المواجهة، لافتا إلى أن دولة الاحتلال هي التي تهدد الأمن القومي العربي من خلال مثل هذا الاغتيال، وأنها تريد أن تكرر تجربة سابقة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وحول مجريات التحقيق في جريمة اغتيال المبحوح، أكد الزهار أن الاحتلال الصهيوني حول قواعد اللعبة إلى مساحات أوسع وأخطر، مضيفا: “بالتأكيد سيكون هناك تنسيق بين حماس وقوات الأمن في الإمارات، معرفة الظروف التي أدت إلى اغتيال المبحوح”.

وتابع “نحن نريد أن نعرف فيما إذا كان هناك داخل الفندق من ساهم في عملية القتل، والأدوات التي استخدمت في جريمة الاغتيال، ومن أي بلاد جاء المنفذون، وبأي جوازات سفر دخلوا إلى الإمارات”.

وفي رده على سؤال حول سبب عدم إعلان دولة الاحتلال مسؤوليتها عن قتل المبحوح، قال الزهار: “الجانب الصهيوني تعود ألا يعلن عن الجرائم التي يرتكبها، لأنه لا يريد أن يلزم نفسه بالتزامات دبلوماسية أو سياسية أو قضايا حقوقية دولية”

وتطرق القيادي في حركة حماس إلى أهمية المبحوح، حيث قال: “هو من أوائل الذين أسسوا كتائب القسام، وله دور بارز في خطف الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وفي الخارج استمر عمله ليدعم المقاومة بكل الوسائل والسبل”.

وأضاف “المبحوح كان يعمل بصمت وإخلاص حقيقي، وقد استحق الشهادة، وله أعمال متعددة، ولا أعرف لماذا كان في دبي، لكن هذا الأمر يجب أن يبحث مع جهات الاختصاص في الخارج”.

وطالب الزهار الدول العربية وخاصة تلك التي تربطها علاقات مع دولة الاحتلال لكي تتحرك إزاء مثل هذه الاغتيالات، مؤكدا أن الدول العربية لا يرضيها أن تتحول أراضيها إلى ساحات اغتيال واغتيال مضادة”.