متى كان الإحجام حلا؟!

خليك واعي:

متى كان الإحجام حلا؟!
المؤرخ: محمد الهامي
خرج الكل منهكا من الحرب العالمية الأولى.. الكل مصدوم.. الكل مرتاع.. الكل يطلب السلام. وإذا كان المنتصرون منهكون، بما فيهم الكبار “إنجلترا وفرنسا” فكيف بمن سُحِقوا تماما مثل “ألمانيا”؟على أن ردة الفعل كانت مختلفة..

ظهر عند الألمان هتلر، بينما كان الإنجليز والفرنسيين تواقون لاستمرار السلام بعد حرب هي الأكثر دموية في تاريخ أوروبا، وهي أول ثمرات “القومية” حين تدخل كعامل في الصراع.

بغير أي تقليل من المجهود المذهل لهتلر في إعادة صناعة ألمانيا المسحوقة، إلا أن أهم ما أعانه على هذا هي تلك الأصوات التي اشتعلت في أوروبا -بالذات إنجلترا وفرنسا- والتي هي ضد أي حرب تماما.

هذه الأصوات شلت قدرة السياسيين على اتخاذ أي إجراءات تقطع الطريق على هتلر، كان أي تحذير مما يفعله هتلر يقابل بعبارات على نحو “ألم تكفكم الدماء السابقة؟ هل تريدون إشعال الحرب؟ إنكم عشاق الدم… إلخ”

وتأثير هذه الأصوات لم يتوقف فقط على شل السياسيين، بل على تنفير الناس –بما فيهم الجنود- من فكرة الحرب، صارت “الرغبة في السلام” عاملا على الاسترخاء وكراهية القتال، وهذا أحد أسباب انهيار فرنسا المدهش أمام الألمان.

هتلر من جانبه لم يكن يضيع وقتا، بل كان يعمل وينجح.. وكلما ازداد قوة كلما كان التحرك ضده أصعب، وكلما كانت أصوات التأييد له في بلاده أعلى، وأصوات المعارضة للحرب في إنجلترا وفرنسا أعلى.. وتستمر المسيرة في اضطراد.. فكل يوم أفضل لهتلر من سابقه وأصعب على خصومه.

بعض التنازلات التي قدمها الأوروبيون لهتلر لم تشبع تطلعاته بطبيعة الحال، لكنه أخذها مع “وعد” بالسلام وألا يطالب بأراض أخرى.

حتى كان ما هو معروف، واشتعلت حرب عالمية أخرى كانت أشد وأقوى من الأولى، وكان من نتائجها خروج فرنسا وإنجلترا من المعادلة العالمية.

الخلاصة: الخوف من الأزمة ومحاولة تجنبها ليست حلا، ليس المرء دائما بين خيارات ممكنة، الخصوم يفرضون عليك بعض الخيارات ويقطعون عليك طرق خيارات أخرى.

إذا كان العسكر مستعدون لإكمال مسيرتهم في اغتصاب الوطن ولو اضطروا إلى قتل مئات الآلاف وتدمير البلاد، فلن يكون الحل في الإحجام عن مواجهتهم!! بل هذا الإحجام نفسه هو دعم لإجرامهم وإثبات لصحة خيارهم.

التخوف من النموذج السوري هو ذاته التخوف من الحرب العالمية الأولى..

وفي ظل وجود (هتلر/ عسكر) فإن النتيجة المتوقعة من هذا التخوف هو (الحرب العالمية الثانية/ نصف قرن من الإجرام والاستبداد).

كيف تحصل على سلام إن كان العدو لن يعطيك إياه أبدا؟!

الحفاظ على البنت لا يكون بتسليمها لمن يريد اغتصابها ويتمتع بإذلالها.

وصدق القائل: الناس من “خوف الذل” في ذل!

المؤرخ محمد الهامي