اتهام مرسي بالخيانة… متى يتوقف هذا المسلسل الهابط؟!

اتهام مرسي بالخيانة… متى يتوقف هذا المسلسل الهابط؟!

بقلم : سليم عزوز

بلغة المتصوفة، كأن قطبا دعا عليهم بالفضيحة، وبصيغة سيدة سيناء «تطلع على ظهرك يا سيسي»!
وبلغة العوام، كأن ساحراً عمل لهم عملاً سفلياً، لتكون فضيحتهم كفضيحة «المتطاهر» يوم خروجه على المعاش!
فيوم الأربعاء الماضي، أراد أهل الحكم في مصر الخروج من مأزق اتهام الرئيس محمد مرسي بالتخابر مع حركة حماس، فسقطوا في مستنقع اتهامه بالعمالة للمخابرات الأمريكية، بقصة الفيلم الهندي، الذي يحمل عنوان «الكربون الأسود»، وكيف أن محمد مرسي وشى بالعالم المصري عبد القادر حلمي، الذي كان يعمل لصالح مصر، فتم سجنه في الولايات المتحدة الأمريكية!
لقد تم وقف كافة أنواع الدعاية السلبية الخاصة بحركة حماس، وفتحهم للسجون المصرية في أيام الثورة، ومشاركتهم في هذه الثورة في موقعة «المقلاع» الشهيرة، التي قالت جريدة «المصري اليوم»، أنها أمام النائب العام يحقق فيها، لكن بوقوع الانقلاب، فلا حس ولا خبر عن هذه القضية التي تفيد بتعاون اخوان مصر، مع حماس، في الثورة وكلمة سر الليل هى «المقلاع»!
لم يعد منطقياً أن يتم اتهام حماس بالتآمر على مصر، وقيادات الحركة يلتقون بأركان السلطة الآن، التي تدير ملف المصالحة الفلسطينية، ولكن قضية اتهام مرسي بالتخابر مع الحركة لا تزال تنظر قضائياً، لتذكرنا بقضية قديمة، جرت وقائعها بعد حركة ضباط الجيش في سنة 1952، وهي الحركة التي أسقطت الملك، لكن أحد السياسيين كان مقبوضاً عليه، وظل بعد «الحركة المباركة» وبعد خلع الملك، يحاكم بذات الاتهام: «العيب في الذات الملكية»!
ولأنه لم يراد لجلسة التخابر أن تنعقد لتناقش التخابر مع حركة حماس، فتعيد برامج «التوك شو» مناقشة الأمر ليلاً، وتقوم صحف الصباح بنشر عريضة الاتهام، فقد صرفت الأذهان في اتجاه آخر، فإذا بالأحراز تشبه «جراب الحاوي»، وإذا بالقاضي يجد فيها ما يؤدي الغرض، ففض حرز «الكربون الأسود»، المعنون بملف عمالة محمد مرسي للمخابرات الأمريكية.
البث الحصري

«مايك» واحد كان على المنصة، أمام هيئة المحكمة، هو الخاص بقناة «صدى البلد»، فهل حصلت على التسجيل الحصري لوقائع المحاكمة، وهى التي حصلت على البث الحصري أيضاً لمحاكمة رموز نظام مبارك، عندما هتف رئيس المحكمة: «عودوا إلى مقاعدكم»؟!.. وكانت هذه هى المرة الأولى في تاريخ المحاكمات التي تحصل فيها محطة تلفزيونية على البث الحصري، ولا نعرف من أبرم الصفقة، المحكمة أم وزارة العدل، ولا نعرف كيف وزعت الأنصبة، والمدفوع بملايين الجنيهات؟..فما نعرفه أن صاحب قناة «صدى البلد» هو رجل الأعمال الوحيد الذي لا يزال يربح في مصر الآن، ربما لأن الجيش لم يدخل بعد على «خط صناعة السيراميك»، مع أنه نشاط مربح للغاية؟!

«الحرز» في قضية تتعلق بالعمالة والخيانة، لم يكن وثيقة مخابراتية، ولكنه كان خبراً خاصاً بقناة «العربية»، وهو أمر في أجواء عادية كان يمكن أن يتحول إلى نكتة، لكن النظام الحاكم في مصر الآن هو منتج للمادة الخام للفكاهة، وفي كل لحظة يتحفنا بقسط وافر منها، حتى فقدت النكات قيمتها، وأحيل الكتاب الساخرون للتقاعد.
لقد قرأ رئيس المحكمة «الحرز»، وفي «المساء والسهرة» كان «أحمد موسى» يعرض قراءته، وقد سجلتها «صدى البلد» بالصوت والصورة، وتدور حول حصول الدكتور محمد مرسي على البطاقة الأمريكية بالرقم القومي، وأنه أقسم يمين الولاء، وتمت الموافقة له على تصريح أمني من الفئة الأولى، لدخول وكالة ناسا، وهو التصريح الذي يحصل عليه المهمون من العاملين في الوكالة، وأنه وشى بالعالم المصري بطل «الكربون الأسود» عبد القادر حلمي للمخابرات الأمريكية فتم سجنه.
وهتف أحمد موسى: انظروا إلى الجاسوس الذي كان يحكم مصر؟! وفي فورة وطنية عظيمة، لم يتوقف عن اتهام مرسي فقط بالجاسوسية، وإنما اتهم كل من انتخبوه، وهم (13) مليون مصري، ففي أي بلد في الدنيا يوجد فيه كل هذا العدد من الجواسيس؟!
الأحراز المسخرة
لا أعرف ملابسات قراءة القاضي لهذا الحرز؟! لكن من المتابعة أعرف أنه في القضايا السياسية بالذات، فإن كثيرا من الأحراز تحمل صفة المسخرة، لأن الأجهزة الأمنية التي تقدم هذه الأحراز، تفتقد للكفاءة، ولا يوجد من يحاسب مرتكبي المساخر، وفي قضية «صحفيو الجزيرة»، أو «خلية الماريوت»، وبعد طول محاكمة، وجلسات متعددة، كان القرار فض الأحراز، فإذا بأعظم حرز هو أغنية، أما الحرز الذي يليه في الأهمية فكان عبارة عن صورة « زجاجة سفن أب»، والمأساة أن هذه الأحراز وإن كانت تقدم من قبل الشرطة فإن النيابة مخولة بفضها والاطلاع عليها، قبل إحالة القضية للمحكمة!
لا أعرف لماذا تذكرت واقعة قضائية قديمة، وقاضي قضية التخابر مع حماس يسترسل في قراءة ما جاء في الحرز الجبار من اتهام لمرسي بالعمالة للمخابرات الأمريكية ليوظف أحمد موسى ذلك ليلا.
كان المستشار سعيد العشماوي رئيسا لمحكمة أمن الدولة العليا وينظر احدى القضايا السياسية، وكان جهاز مباحث أمن الدولة يوجه الاتهام للمتهمين بأنهم تدربوا على السلاح في الصحراء!
وسأل القاضي العشماوي ضابط أمن الدولة «حازم حمادي»: من قال لكم إنهم كانوا يتدربوا في الصحراء على استخدام السلاح؟.. وأجاب الضابط بثقة بالغة: لقد رصدهم جهاز أمن الدولة. ليسأله القاضي: ولماذا لم تلقوا القبض عليهم في حالة تلبس إذن؟ وكان معظم المتهمين «هاربين»، ومن حضروا كان قد تم القبض عليهم من بيوتهم، وكان الحكم هو البراءة!
ما تلاه القاضي، إن صح فهو لا يدين محمد مرسي وحده، لكنه يدين المجلس العسكري بربطة المعلم، ومن أول المشير محمد حسين طنطاوي إلى اللواء عبد الفتاح السيسي، الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية، وإذا كان مرسي جاسوساً، فإن المجلس العسكري شريك معه بالتواطؤ، بيد أن «موسى» جبل على إحداث ضوضاء بهدف توجيه الأمور في السياق الذي يريد، أو السياق الذي تريده الأجهزة الأمنية؛ فهو مسير لا مخير!
في حلقاته التي خصصها ضد مدير مكتب قناة الجزيرة في القاهرة «عبد الفتاح فايد»، كان يحمل التسجيلات المنسوبة له أكثر مما تحتمل، وبعضها يمثل دليل نزاهة مهنية لـ «فايد»، لكن في الشرح والتوضيح يذهب بها «موسى» في «الاتجاه المعاكس»، فماذا في طلبه من مراسل أن يكون واعيا في تغطيته لمؤتمر، لكن التوجيه الموسوي يذهب في اتجاه آخر، وهي تسجيلات تدين الأجهزة الأمنية التي تركت أمن الوطن بعد الثورة، وانشغلت بهاتف «عبد الفتاح فايد»!

العالم محمد مرسي

ما قاله «موسي»، وأكده القاضي وهو يتلو ما جاء في «الحرز»، يؤكد أن مرسي كان يعمل فعلاً في «ناسا» وهو ما أنكرته الثورة المضادة، فقد عز عليها أن تعترف بأنه عالم، وقدمته على أنه محض «درويش» بحسب الاصطلاح الصوفي، والغريب أن القوم في الاخوان، وحملة الرئيس مرسي الانتخابية، لم تهتم بنفي الدعاية السلبية، وتنشر ما يفيد عمله السابق، فكانوا «دراويش» فعلاً ولم يكونوا يدركون خطورة هذه الدعاية، التي جعلت من الرئيس مادة للسخرية، في الخطوة الأولى لإسقاط هيبته.
وما جاء في «الحرز»، وصنع منه أحمد موسى زفة، أن مرسي حصل على الجنسية الأمريكية بحمله لبطاقة الرقم القومي، وأنه أدى قسم الولاء، وهنا يكون على من صدق هذا الكلام، أن يعلم أن قادة الجيش، والأجهزة الأمنية، بما فيها جهاز المخابرات الحربية برئاسة عبد الفتاح السيسي ضالعين في المؤامرة، وشروط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية دستورياً ألا يكون قد حمل جنسية دولة أجنبية. ومع ذلك لأبأس فإذا كان مرسي أمريكيا، فإن هذا لا يبرر الانقلاب عليه، أو أن يصبح السيسي رئيساً فالحل هو إعادة الانتخابات بين المرشحين بعد استبعاد اسم محمد مرسي، أو إعلان فوز الفريق أحمد شفيق، فهل يوافق أحمد موسى وعبد الفتاح السيسي على ذلك؟!
وهل يعقل في بلد تعد الأجهزة الأمنية على الناس أنفاسهم لا تستطيع أن تحصل على ما يفيد ذلك، ويصبح «الحرز» هو مجرد خبر منسوب لقناة «العربية»، يتلوه القاضي، في البث الحصري لقناة «صدى البلد»؟!
الخطر
ما علينا، فهل لا يزال الرئيس محمد مرسي يمثل خطراً على استمرار عبد الفتاح السيسي في السلطة، فتدور ماكينة التلفيق البائس بهذا الشكل؟!.. أم أنه الخوف من جماعته، التي قالوا إن السيسي نجح في القضاء عليها، فهل هذا سلوك منتصرين؟!
المهم، نعود الي أصل الاتهام بالجاسوسية للمخابرات الأمريكية، لنقف على هذه السلطة المترنحة، التي تفشل في تلفيق أدلة ادانة، فتلجأ إلى المساخر!
أصل الموضوع يعود إلى إتهام الدكتور محمد مرسي بأنه وشى للمخابرات الأمريكية بصديقه العالم المصري عبد القادر حلمي، لأنه عرف اختراقه لسلاح الصواريخ الأمريكي، وأنه كان متعاوناً في مصر مع مشروع انتاج الصواريخ البالستية، بين مصر والأرجنتين والعراق، وأنه خطط لإرسال شحنة من الكربون الأسود من واشنطن إلى القاهرة، وبعد أن وشى به مرسي اعتقل!
هذا الكلام أثير في الحملة الانتخابية، عبر فضائية «الفراعين»، ولم تهتم حملة الدكتور مرسي بالرد، من باب التعالي على هذه القناة وما يثيره صاحبها «توفيق عكاشة»، ثم ترددت بقوة بعد الانقلاب العسكري.
وخصصت حلقات عنها، ومن «صدى البلد» إلى «القاهرة والناس»، في حين أن عبد القادر حلمي حي يرزق وقد زار مصر بعد انتهاء القرار الأمريكي بمنعه من السفر لفترة 25 عاماً، وذلك في يناير/كانون الثاني 2013، وبعيداً عنه فهل يُعقل أن قضية كبيرة كهذه أطاحت بوزير الدفاع المصري عبد الحليم أبو غزالة، ليس لدى الأجهزة الأمنية دراية كافية بتفاصيلها فيتم اللجوء إلى خبر بقناة العربية يتحول إلى «حرز» يتلوه القاضي، ويحوله أحمد موسى زفة بلدي، ويعتبره دليل ادانة لرئيس هزمهم بينما هو في سجنه محروم من أبسط حقوق السجين؟!وما يحدث أكبر دليل على أن الرجل أشرف من أشرفهم.
فمتى يتوقف هذا الفيلم الهابط.