يا سجان السجن طوّل ! ( الجزء الأول )

يا سجان السجن طوّل ! ( الجزء الأول )
بقلم : رائف محمد الويشى

انتشر بمواقع التواصل الاجتماعي منذ يومين شريط مصور لأفراد يرتدون زي الجيش المصري وهم يقتلون بدم بارد مدنيين عزّل في سيناء ، كان الضحايا معصوبي الأعين وكان الجنود يطلقون عليهم النار من المسافة صفر وهم فرادي وفي أماكن تبعد عن بعضها عدة أمتار ، كان أحد هؤلاء المدنيين صبي في الخامسة عشر من عمره ..

ما زاد الطين بلة هو أن نفس صور الضحايا هؤلاء نشرها الموقع الرسمي للجيش في 6 ديسمبر الماضي وهي ملقاة علي الأرض وادعي حينها أن هؤلاء القتلي كانوا ضمن عشرة من الإرهابيين قتلوا أثناء اشتباكات مع الجيش ..

ليس هناك من شك أن قتلي الجيش في ديسمبر الذين أعلن عنهم الموقع الرسمي للجيش بالصوت والصورة هم أنفسهم من تم تصفيتهم بالشريط المسرب ، ففي ديسمبر شاهدنا صورا فقط ملقاة علي الأرض وبجوارها بنادق آلية ، وفي الشريط المسرب شاهدنا الحدث وهم يحضرون الضحايا واحدا بعد الآخر ويطلقون عليهم النيران من مسافة أقل من متر ثم يضعون بجوار الجثة بندقية آلية من بنادق الجنود بغرض التصوير لتثبت أنه الجثة تعود إلي إرهابي ..

ليس هناك من شك أن من قام بتصوير هذا الشريط كان من داخل الأفراد الذين قاموا بعملية القتل هذه ، فقد كان يتجول بحرية بين الوجوه التي ظهرت بوضوح وأظهر عمليات الإعدام بصورة واضحة ، هذا يقودنا إلي استنتاج هام وهو أنه يمكن بسهولة التحقق من صحة الشريط من خلال من ظهرت وجوههم ، شرط أن تكون هناك رغبة صادقة في نشر الحقيقة ..

قد يكون تسريب هذا الشريط قد تم عمدا بواسطة من صور بعد أن صحي ضميره ، وهذا الاحتمال نستبعده ، وقد يكون التسريب من خلال عملية سطو علي جهاز المحمول الذي صور به من خلال طرف ثان قريب منه أو من خلال اختراق إلكتروني منظم ومعقد من جهات محترفة ، وقد شاهدنا أمثلة لذلك عديدة ، لعل أقربها إلي الأذهان شريط التعذيب الخاص بالساعدي القذافي في سجنه حيث ظهر جميع الأشخاص الذين كانوا يعذبونه بوضوح ..

المتحدث الرسمي للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال في 21 أبريل ( اليوم التالي لعرض الشريط ) أن الجهات المعنية في الأمم المتحدة شاهدت الشريط وأن محاربة الإرهاب لا يجب أن تتم علي حساب حقوق الإنسان ، وأضاف أنه ليس لديهم طريقة للتحقق من صحة الشريط ..

الملفت للنظر أن نظام السيسي – وهو المدان في كل مكان يذهب إليه – قد التزم الصمت أمام تلك المصيبة ، فالنفي قد يدفع من سرب الشريط إلي تقديم أدلة أكثر تثبت صحة الشريط ، وفي هذه الحالة ستزيد الفضيحة علي المستويين المحلي والدولي ، وقد تؤدي إلي حالة من الفوران في الشارع الذي يغلي بالأصل ، هذا الشارع الذي قدم الدماء ليستحق زمنا خاليا من النهب والقتل فجاءه زمن أسوأ من سابقه !

الملاحظ هذه المرة أن عصابة عسكر ما بعد الثورة يلعبون فوق الطاولة وعلي المكشوف ، عروضهم التي يقدمونها للشعب المستضعف بكل بجاحة ذات خيارات ثلاثية : الصمت أو الاعتقال أول القتل ! ورب زمان بكيت فيه ، فلما أصبحت في غيره بكيت عليه !

يومان فقط مضيا علي هذا الشريط وهو يؤجج الشارع ، لهذا أوعزت الجهات الأمنية إلي مؤيدي السيسي للاشتباك مع الحدث وعدم ترك الساحة ، وقد انقسم هؤلاء المؤيدون إلي قسمين :
القسم الأول : يحتوي علي العسكر من أصحاب المعاشات ، وهم يحملون وظيفة جديدة الآن تسمي ” الخبير الإستراتيجي ” للتغطية علي جهلهم ! ظهر بعضهم يقر بلسانه أن هؤلاء قتلة ( يقصد الضحايا ) يجب أن يُقتلوا ! ماذا تتوقع من فاشل يحمل سلاحا يقتل الناس ويريد من خلاله إثبات نجاح هو يعجز عن تحقيقه بعقله ؟!

القسم الثاني : يحتوي علي أفراد يعرضون بعضا من الحجج الواهية التي هي في مجملها أوهن من بيت العنكبوت ، فقد زعموا أن الشريط قد تم فبركته وأنه مزيف ، رغم تأكيد العفو الدولية علي صحته !

من المؤلم أن هذا الشريط المسرب تحديدا قد سبب غضبا شديدا في الشارع رغم أن العسكر قد ارتكبوا منذ ثورة 25 يناير بحدود سبعين مذبحة نعلمها ، كان أقلها ما شهدناه في هذا الشريط ! هذا بالإضافة إلي ضعف – أو أضعاف – الرقم من المذابح التي لا نعلمها !
* ألم يقتلوا العشرات في مذبحة الحرس الجمهوري بصورة أشد قسوة مما شاهدناه في الشريط المسرب ؟!
* ألم تشترك الأسلحة الثقيلة في قتل المدنيين المسالمين – وضمنهم النساء والأطفال – في الميادين ؟!
* ألم يجمعوا الجرحي الذي نجوا من مذبحة رابعة وأضرموا فيهم النيران ؟!
* ألم يقتلوا العزل المعتقلين المكدسين المقيدين في سيارة الترحيل ؟!
* ألم يقتحموا مسجد الفتح ويقتلوا العشرات داخله دون حرمة لمكان أو لشيخ أو لامرأة ؟!
* ألا يتعرض الشعب الآن لعمليات تجويع منظمة لتأديبه علي ثورته وخروجه علي العسكر ؟!

ss

df