ومضات: خطورة الظلم ووجوب مقاومة الظالمين

ومضات:

خطورة الظلم ووجوب مقاومة الظالمين

يقول تعالي: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (هود:112- 115).

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “الاستقامة هي الاعتدال والمضي على النهج دون انحراف. وإنه لمما يستحق الانتباه هنا أن النهي الذي أعقب الأمر بالاستقامة, لم يكن نهيا عن القصور والتقصير, إنما كان نهيا عن الطغيان والمجاوزة. وذلك أن الأمر بالاستقامة وما يتبعه في الضمير من يقظة وتحرج قد ينتهي إلى الغلو والمبالغة التي تحول هذا الدين من يسر إلى عسر. والله يريد دينه كما أنزله, ويريد الاستقامة على ما أمر دون إفراط ولا غلو, فالإفراط والغلو يخرجان هذا الدين عن طبيعته كالتفريط والتقصير. وهي التفاتة ذات قيمة كبيرة, لإمساك النفوس على الصراط, بلا انحراف إلى الغلو أو الإهمال على السواء. ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الجبارين الطغاة الظالمين, أصحاب القوة في الأرض فإن الركون إليهم يعني إقرارهم على المنكر الذي يزاولونه, ومشاركتهم إثم ذلك المنكر”.

والاستقامة علي منهج الله، وعدم الطغيان، وعدم الركون إلي الظالمين يحتاج إلي زاد عظيم من العبادة الخاشعة و الصبر الجميل ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “لقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد, والذي يقيم البنية الروحية, ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف. ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود, القريب المجيب, والاستقامة في حاجة إلى الصبر. كما أن انتظار الأجل لتحقيق سنة الله في المكذبين يحتاج إلى الصبر”

الظلم ظلمات يوم القيامة:

الظلم مرتعه وخيم وعاقبته وبيلة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار﴾(إبراهيم: 42)، وقال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227)، و عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” (رواه البخاري و مسلم) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ” (رواه مسلم). وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ” (رواه مسلم).

 
الظلم سبب هلاك الأمم:
ا
لظلم يؤذن بخراب العمران وزوال الممالك و هلاك الأمم قال تعالي: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾ (الكهف: 59) فقد تحدد موعد هلاكهم منذ اقترافهم للمآثم وارتكابهم للمظالم، وقال تعالي: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾(القصص: 59) فالظلم هو الذي جر عليهم الهلاك، واستحقوا به الدمار، و يقول عز وجل ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود:117).فقد حصن الله سبحانه المصلحين من الهلاك. وقال أيضاً: ﴿فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾(الحج: 45) وقد أطلقها سبحانه سنة ماضية وقانوناً عاماً في إهلاك الظالمين جزاء ما اقترفت أيديهم فقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (هود: 102). فالظلم يجلب الخراب ويعجل بالدمار لأنه يبدد طاقات الأمم ويهدر ثرواتها البشرية والطبيعية ويعطل القوي الحية فيها، ويوسد الأمور إلي غير أهلها فتضيع الأمانة، ويسود النفاق والتزلف والخنوع من المحكومين، والقسوة والعسف والفجور من الحاكمين، ويزداد التباغض والتحاسد والتنابذ بين العامة وهكذا تذبل المجتمعات وتسرع إليها الآفات و تكسوها صفرة الموت قبل أن يستبدل الله بها غيرها.
رفض الظلم ومقاومة الظالم من الإيمان:عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقولُ: “مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ”(رواه مسلم) وتغيير المنكر بكل درجاته وأشكاله صورة من صور مقاومة الظلم وهو دليل علي درجة الإيمان في قلب من يقوم بهذا الواجب. و قد حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أن يكون المسلم إمعة يسير مع الركب ويلغي عقله وقلبه وضميره؛ فقد روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: “لا تكن كالإمعة، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا ألا تظلموا” (أخرجه الألباني)

وعن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ” (أخرجه أبو داود وصححه الترمذي). ورفض الظلم ومقاومة الظالمين عبادة لله عز وجل يزداد بها الإيمان قوة ورسوخاً،
يقول الشيخ عبد الفتاح فرج موسي: “إن الله عز وجل تعبدنا بعبادات كثيرة، غير الصلاة والصيام والزكاة والحج، منها عبادة مقاومة الظلم والظالمين، وهذه العبادة ليس لها ركوع أو سجود، وليست لها أوقات مُحددة، ولا طهارة مُلزمة، ويقوم بها المسلم على كل حاله، بنفسه، أو مع أسرته، أو مع إخوانه ومجتمعه، في محل إقامته، أو في جزء من وطنه وأمته، بالقدر الذي يسعه، على هدى من كتاب الله وسنة نبيه، لايدخر في نفسه جهداً، ويبذل من نفسه وماله وطاقته ما يقاوم به الظلم والظالمين، عبادةً لله، وسيراً على هدى رسول الله، نٌصرةً للدعوة، ورفعةً للدولة، وسيادةً للأمة وذلك حتى لا يتكرر الظلمُ بيننا فينتشر، ولا يكثر عدد الظالمين فينا فينزل العذاب” .
#رسائل_تربوية
#ومضات

#نافذة_دمياط