ومضات: المتابعة في العمل التربوي (2)

المتابعة منهج نبوي:
لقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حريصاً على متابعة أصحابه وتفقدهم ومما يدل على ذلك ما يلي:
1 – متابعتهم في الأعمال الصالحة:
من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما اجتمعن في أمرئ إلا دخل الجنة».
2 – متابعتهم في زمن الفتن و الابتلاءات:
ومن ذلك مروره – صلى الله عليه وسلم – بآل ياسر وهم يعذبون وقوله لهم: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة».
3 – متابعتهم في مشكلاتهم الصحية وأمراضهم :
أ – عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال: «أصابني رمد، فعادني النبي – صلى الله عليه وسلم -. قال: فلما برئت خرجت. قال: فقال لي رسول الله: «أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟ » قلت: لو كانت عيناي بما بهما صبرت، واحتسبت.. قال: لو كانت عيناك بما بهما، ثم صبرت واحتسبت للقيت الله – عز وجل – ولا ذنب لك»، وهذا يدل على أن المتربي يفرح بمتابعة المربي له وبالاهتمام به والسؤال عنه.
ب – أخرج البخاري من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: «مرضت مرضاً فأتاني النبي – صلى الله عليه وسلم – يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي عليَّ، فتوضأ النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم صب وضوءه عليَّ، فافقتº فإذا النبي – صلى الله عليه وسلم -».
ت – في يوم خيبر قال – صلى الله عليه وسلم -: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه».. فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلهم يرجو أن يُعطاها فقال: «أين علي بن أبي طالب؟ قيل: يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عينيه ودعا له، فبرئ كأن لم يكن به وجع»
ث – عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى.. »
ج – عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم – يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا، يا رسول الله! فبكى النبي – صلى الله عليه وسلم -. فلما رأى القوم بكاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بكوا.. » رواه البخاري في كتاب الجنائز.
4 – متابعتهم في مشكلاتهم الاجتماعية والأسرية، ومن ذلك:
أ – سعيه – صلى الله عليه وسلم – في أمر جليبيب حتى زوَّجه.. وذلك كما في مسند الإمام أحمد عندما قال – صلى الله عليه وسلم – لرجل من الأنصار: زوِّجني ابنتك! فقال: نَعَم! وكرامة يا رسول الله! ونِعم عين! قال: إني لست أريدها لنفسي. قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: لجليبيب».
ب – قصة جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام – رضي الله عنهما -، وقصته مشهورةº قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلقيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا جابر! تزوجتَ؟ قلت: نعم! قال: بكر أم ثيِّب؟ قلت: ثيب، قال: فهلاَّ بكراً تلاعبها، قلت: يا رسول الله! وإن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن. قال: فذاك إذن! إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالهاº فعليك بذات الدين تَرِبَت يداك» .
ت – قصة عبد الله بن أبي حدرد، فقد حدث عن نفسه أنه تزوج امرأة فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستعينه في صداقها، فقال: كم أصدقت؟ قال: قلت: مائتي درهم! ثم أرسله – صلى الله عليه وسلم – في سرية فأصاب منها».
ث – حديث سهل بن سعد قال: جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِل عندي. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله! هو في المسجد راقد. فجاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقهº وأصابه تراب، فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسحه عنه، ويقول: قم أبا تراب! قم أبا تراب».
ج – عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن زوج بريرة كان عبداً يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعباس: يا عباس! ألا تعجب من حب مغيثٍ, بريرةَ، ومن بغض بريرة مغيثاً؟! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لو راجعتِهِ! قالت: يا رسول الله! أتأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع. قالت: فلا حاجة لي فيه.
5 – متابعته في مشكلاتهم الاقتصادية:

كما في قصة سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ عندما أتى للرسول – صلى الله عليه وسلم – بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال – صلى الله عليه وسلم -: «ما فعل الفارسي المكاتب؟ » قال: فدعيت له، فقال: خذ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سلمان».
6 – متابعتهم في أفراحهم:
وذلك بإجابة دعوتهم في أفراحهم، ومن ذلك أن أبا أسيد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عرسه فكانت امرأته خادمهم يومئذ وهي العروس».
7 – متابعتهم في أحزانهم ومواساتهم:
أخرج النسائي بإسناد حسن من طريق معاوية بن قرة عن أبيهº قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما لي لا أرى فلاناً؟ قالوا: يا رسول الله! بُنيٌّه الذي رأيته هلك، فلقيه – صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن بُنيه فأخبره أنه هلك. فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان! أيما كان أحب إليك: أن تُمتَّعَ به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى الجنة فيفتحها لي لهو أحب إليَّ قال: فذلك لك»
.
8 – متابعتهم في الجهاد في سبيل الله، ومن ذلك:
أ – فقده – صلى الله عليه وسلم – لجليبيب في أحد المعاركº حيث سأل أصحابه: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: لا. قال: لكني أفقد جليبيباً. قال: فاطلبوه. فوجدوه إلى جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله! ها هو ذا جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه. فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: قتل سبعة ثم قتلوه! هذا مني، وأنا منه ـ مرتين أو ثلاثة».
ب – قوله – صلى الله عليه وسلم – يوم مؤتة مخبراً بالوحي قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.
بقلم : سالم أحمد البطاطي
#مجالس_العلم
#ومضات