وصية مسافر .. الأستاذ الدكتور ابراهيم علوان

وصية مسافر ..
حزم الرجل حقائبه؛ ليسافر خارج البلاد، ثم ودَّع أولاده فقال:
** أعلم أنني نصحت لكم، ووعظتكم كثيراً، وربما أكون قد أثقلت عليكم، وأجهدتكم من كثرة توجيهاتي، ولكن ـ علم الله ـ أنني لم أرد يوما بهذه النصائح أن َأشق عليكم، وما نطق لساني لكم بكلمة إلا رغبة في صلاحكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة؛ فالمعذرة على كل كلمة أو حركة ربما كانت سببا في ضيقكم؛ فما أعلم أحدا يحبكم، أو يحرص على سعادتكم مثلي، ولا أعلم أحدا يرغب بصدق في أن تكونوا أفضل منه في كل شيء سواي.
** أوصيكم بأمكم خيراً ورفقاً، وأستحلفكم بالله أن تكونوا لها عونا وسندا، وأن لا تضايقوها أو تشاغبوها، ومتى شعرتم بحاجتها إلى شيء أي شيء فلتتسابقوا لتحقيقه؛ رغبة في رضاها، وطمعا في الفوز بجنة الله؛ فمسئولياتها في إدارة البيت تضاعفت بسفري وغيابي عنكم، والإنصاف أن تتعاونوا معها في الوصول بالبيت إلى بر الأمان.
** إذا كنتم تمتنعون عن فعل بعض المخالفات؛ خوفاً أو حياءً مني، وقد غبت عنكم اليوم؛ فاعلموا أن الله حاضر معكم لا يغيب عنكم أبداً، وهو معكم أينما كنتم؛ فاحذروا أن يراكم على معصيته؛ فإن عقابه شديد وبأسه عظيم .
**الناس يرقبون حركاتكم وتصرفاتكم؛ فإن رأوا استقامة وصلاحا واحتراما وجدية في المذاكرة والدراسة أثنوا عليكم وعلى أبيكم، وقالوا: لقد أحسن التربية، وإن رأوا غير ذلك أطلقوا ألسنتهم في عرضه، واتهموه بالجري وراء الدنيا وإهمال أولاده ومسئولياته، في حين أنني ما سافرت، ولا قبلت تحمل الغربة ومشقتها إلا من أجل إسعادكم، وأن تعيشوا العيشة الكريمة.
** مكان والدكم في المسجد وصلوات الجماعة يفتقده، ويحن إليه، وأملي فيكم أن لا تحرموني شرف التواجد في أماكن الطاعة وفعل الخيرات؛ فاحرصوا بالله عليكم على المداومة على الصلوات، ولا تتخلفوا عن حضور ما يجري بين الناس من مجاملات في كل المناسبات، وإذا كنتم تقصرون في الالتزام بشيء من ذلك، وأنا موجود بينكم؛ فقد اختلف الأمر اليوم؛ لأن بيتكم وعائلتكم تحتاج إلى من يمثلها في هذه التجمعات، ولا يليق أن تكون العوائل ممثلة برجالها وأبنائها، بينما عائلتكم غائبة ولا ذكر لها.
وأخيراً! إن كنت سأبتعد بجسدي عنكم فإني تارك قلبي بينكم؛ وسأحمل محبتكم والشوق إليكم معي أينما توجهت وحيثما حللت .. أقر الله عيني وعين والدتكم وعائلتكم بكم بررة أتقياء صالحين مصلحين ناجحين مفلحين مستقيمين على الطريقة وكتبني وإياكم في خيرة عباده الصالحين.