وجريمة بيوت البصارطة

علاء فهمي :

قد يتعجب بعض إخواني لتأخري وآخرين في التعليق على أحداث البصارطة هذا الأسبوع ، والحقيقة أنه مع ظروفنا تعجز ألسنتنا وتتلعثم أقلامنا عند التعليق على الجرائم التي تحدث لإخوتنا في البصارطة ..

قد يطاوعنا الدمع ولكن تتعثر الكلمات ، قد نشاركهم الحزن ولكن العجز على المساعدة المادية والنصرة الشخصية تلجم اللسان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ،

ونعوذ بالله من الهم والحزن ، ومن العجز والكسل ، ومن غلبة الدين وقهر الرجال ..

عندما أرى هدم منازل اللشهداء والمطاردين تطل أمامي صور الجيش الصهيوني وهو ينفذ هذا الأمر مع إخوتنا المجاهدين في فلسطين المحتلة ،

وتحضرني كلمة الدكتور بشر – فرّج الله عنه – في التعليق على تشابه الأفعال مع اختلاف الجنسيات والبلاد : ” كلُّهم قاريين على فِقِي واحد ” !!

نفس فكر اليهود ، وهو نفس التصرف الذي قاموا به في ميدان رابعة ومسجدها ، كتغطية للجرائم ، وتخيلوا أن تغيير اسم الميدان وتغيير اسم المسجد كفيلان بطمس معالم الجريمة ..

نفس الشيطان الذي يسيطر على عقولهم ويطمس على قلوبهم ، هو الذي يحركهم في كل مكان بنفس التفكير ..

وقد يتعجب البعض من هدم هذه البيوت ، ولكن إذا عرفت أن هذه الجدران ضمّت شجعانًا قالوا للظلم : لا ، وأن هذه البيوت التي اقتحمت عدة مرات كانت مأوى لشجعان حين تغيب أجهزة الأمن عن القرية ، وأن هذه البيوت أظلت شبابًا صلوا وقاموا فيها ودعَوْا على الظالمين ، ستعرف الإجابة ..

وإذا عرفتَ أن أثاث هذه البيوت قد حُطّم أكثر من مرة ، حتى اضطروا من غيظهم أن يحرقوا هذه البيوت في وضح النهار ، ولما أبت جدرانها السقوط ، وبقيت شاهدة على ما حدث ، لم يكن أمامهم إلا إزالتها ، حتى تغيب كشاهد للأجيال على ما قاموا به ، وكأن الله سبحانه وتعالى لا يسمع ويرى ، وكأن الملائكة الكرام لا تسجل ، وكأنه ليس كل ما يلفظ من قول بشر إلا وله هناك رقيب عتيد !!

يتصورون أن ما يفعلونه كفيل بوأد روح المقاومة ، وجذور الكرامة التي تنتشر في هذه البقعة المباركة ، ونسَوْا أنهم عام 1965 فعلوا أفعالا شبيهة بكرداسة في الجيزة ، وكان ما حدث مع الحاج سيد نزيلي – حفظه الله – ساعتها كفيلا بثورة القرية ، وسببًا مباشرًا لقيام أجهزة الأمن والمخابرات بالتنكيل بأهلها ، ومحاولة إذلال رجالها بنسائها ، بأفعال يندى لها الجبين ،

ومَن يرَ كرداسة اليوم يدرك أن شباب اليوم ورثوا شجاعة آبائهم وأجدادهم ، ورضعوا الكرامة من أمهاتهم وجداتهم اللائي نكل بهن ، ومازالوا فخرًا للثورة المصرية ، مع كثرة الاعتقالات والأحكام على أهل القرية رجالا ونساء !!

ومن يحسب التاريخ يدرك أن آباء هؤلاء الشباب ولدوا بعد عام 1965 ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..

قلوبنا مع زوجات الشهداء ، واللائي من المؤكد أنهن يرضعن أولادهن المحنة مع لبن الكرامة ، ولذلك فما زال التربص بهن ،

ونستدعي أبياتًا من قصيدة : “إرملة شهيد تهدهد طفلها” ، لنعيش نفس المشاعر القديمة مع مأساتنا الجديدة :

ستمرُّ أيامٌ طوالٌ من الأنين ، ومن العذاب
وأراك يا ولدي قويَّ الخطوِ ، موفورَ الشباب
تأوي إلى أم محطّمةٍ مغضّنةِ الإهاب
وهناك تسألني كثيرًا عن أبيك ، وكيف غاب
هذا سؤالٌ يا صغيري قد أُعدّ له الجواب
فلئن حييتُ فسوف أسردُه عليك
أو متُّ فانظرْ من يسرُّ به إليك
………………
فإذا عرفت جريمةَ الجاني وما اقترفت يداه
فانثرْ على قبري وقبرِ أبيك شيئًا من دماه
ــــــــــــــــــــــ

اعذرونا يا إخوتنا وأخواتنا ويا آباءنا وأمهاتنا ويا أبناءنا وبناتنا في البصارطة إن عجزنا عن نصرتكم ، ومع أننا في الهم سواء ، إلا أن همكم ومأساتكم قد غطت على ما يعانيه الجميع ؛

“فصبر جميل” ، “والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون” ..

اللهم اجعل أهالينا هناك ممن يشملهم في الدنيا قولك : “وأخرى حبونها نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين”

ويوم القيامة قولك : “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ” ، وممن تجاب دعوتهم وتنصر ولو بعد حين ….

واجعل ظالميهم ممن يشملهم دنيا وآخرة قولك : “وأملي لهم ؛ إن كيدي متين” ..
وقولك : “فخسفنا به وبداره الأرض” ،
وقولك : “ربنا اطمس على أموالهم ، واشدد على قلوبهم ؛ فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم” ..
وقولك : ” الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد ؛ فصب عليهم ربك سوط عذاب ؛ إن ربك لبالمرصاد” ..

 

photo5801143702175983950