نحن نزرع الفوبيا!

لا أعتقد أن عبد الفتاح السيسي، قد لعب طفلا “الخُفيسة”، فكل ما نعرفه من طفولته، أنه كان يُضرب، فيهدد بالرد عندما يكبر، فتكشف الرواية أنه عاش منطويا، ليجد أمانه الشخصي في الانخراط في العسكرية مبكرا بعد انتهاء المرحلة الإعدادية، بما فيها من ضبط وربط، لا يتناسب مع من عاشوا طفولتهم بشكل طبيعي، ويشعرون وهم يغادرونها بالحاجة إلى التمرد، فلم يعش هذه المرحلة؛ لأنه تربى في أنبوب، يفرض عليه أن يكون في حالة انصياع لقياداته ومدرسيه، ولو تربى خارج هذا الأنبوب، لعوض قلة الخبرة في العمل المخابراتي، ولو لعب “الخُفيسة” لتدرب على السرية بدلا من أن يقوم بعملية مخابراتية على الهواء مباشرة!

“الخُفيسة” هى لعبة كان يقوم بها الأطفال في زماننا، وفي زمان السيسي أيضا، حيث يتم حفر حفرة في الطريق العام، وملؤها بالماء، ثم تغطيتها بسقف هش، غير ظاهر، فإذا مر عليها مار سقطت ساقه فيها، عندئذ يجري الأطفال هربا، تنتابهم أحاسيس متضاربة فيشعرون بالخوف من رد الفعل، والزهو بالانتصار. وهى لعبة تقوم على السرية، بين من يقومون بها، فلو “انكشفت” قبل تحقق المراد، فستكون العواقب وخيمة فقد يتم الإمساك بالجناة، لينالوا العقاب الرادع ممن يمثل ضحية محتملة، لهذه “الخُفيسة”، وهي مشتقة من الخسف!

يقول البعض إن عبد الفتاح السيسي هو رجل مخابرات، لكونه كان مديرا للمخابرات الحربية، وهم بذلك يصورونه على أنه “عقلية معملية فذة”، في حين أن مدة خدمته في العمل المخابراتي عندما قامت ثورة يناير هى سنة واحدة، فقد عينه مبارك، بتوصية من المشير محمد حسين طنطاوي، حيث كان يعمل السيسي في مكتب المشير، بعد أن قضى خدمته في سلاح المشاة، ورأى مدير السلاح منحه رتبة اللواء وإحالته للتقاعد، لعدم حاجة العمل إليه، لكن طنطاوي حاول الوساطة له للاستمرار في سلاحه وعندما فشل، ألحقه بمكتبه، ليتآمر عليه السيسي بعد ذلك، فلم يكن مرسي هو أول ضحاياه!

ولانعدام الخبرة المخابراتية، ولأنه لم يلعب ألعاب الأطفال التي تحتاج عند ممارساتها إلى السرية، فقد وقع في شر أعماله، بأن قام بعمل مخابراتي أمام العالم أجمع، وبشكل يفقده الأهلية اللازمة لتولي أي وظيفة عسكرية!

لقد تحدث على الهواء مباشرة، وأمر بضرورة خلق فوبيا إسقاط الدولة، وذلك في مؤتمر الشباب بالإسكندرية، الذي لا نعرف الدروس المستفادة منه!

“الفوبيا” هي مرض نفسي، وهي حالة فزع في درجاتها القصوى من شيء ما، فهناك من عندهم “فوبيا” الأدوار العلوية، وهناك من إذا رأوا ناموسة في الجو يتلبسهم الإحساس بقدرتها على الفتك بهم، وقد يغمى على المريض إذا تصور أن الناموسة حطت عليه!

وعندما يعلن السيسي ضرورة خلق حالة فوبيا، فلابد أن ندرك أننا أمام شخص، ثقافته سمعية، فقد سمع عن “الفوبيا” ولم يقرأ عنها ليعرف معناها، وحسنا أنه لم يعتقد أنها “عصير جوافة” فيطلب من المصريين أن يزرعوا الفوبيا، تماما كما وقف أحد الإخوة الليبيين والقذافي ينتصب خطيبا مطالبا بضرورة أن تعتمد ليبيا على نفسها في غذائها، فهتف المواطن بضرورة أن تزرع ليبيا “المكرونة” حتى لا تستوردها من الخارج. فيأمره القذافي غاضبا: “قعمز”، و”قعمز” الرجل وربما لا يعرف إلى الآن لماذا قال له الأخ القائد “قعمز”!

وإذا كان لا تثريب على أجهزة الاستخبارات، إن فكرت في خلق فوبيا إسقاط الدولة، فإن هذا لابد أن يكون مثار نقاش في سراديبها، وتكلف أذرعها بتنفيذ المهمة، لأن عرض الأمر للنقاش في العلن، يحيل كل حديث عن إسقاط الدولة إلى الاعتقاد بأنه أمر مختلق، تقرر تنفيذا لهذا الأمر الرئاسي الذي أعلن على الهواء مباشرة!

وبعيدا عن الشكل، فلابد من التطرق للموضوع، وهو “إسقاط الدولة”!

لدى السيسي وجماعته، تصور خاطئ عن مفهوم الدولة، لم يقل به أحد من قبل، فقد جرى اختزال الدولة في شخص عبد الفتاح السيسي، وصار كل حديث عن ضرورة إبعاده عن الحكم، إنما هو محاولة لإسقاط الدولة، مع أن الدولة مستقلة عن أشخاص الحكام، وفكرة أن الحاكم مجرد أداة في يد الدولة تمارس عن طريقه وساطته، بدأت مبكرا في أوائل القرن  السادس عشر. والدولة تقوم على أساس وجود مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لتنظيم معين.
(راجع في هذا كتاب النظم السياسية للدكتور ثروت بدوي)

إن الدعوة لإسقاط النظام، هي للحفاظ على الدولة، التي يوردها حكم العسكر مورد التهلكة، وأصبح يمثل خطرا على أمنها القومي، وعلى مواردها!

فالسيسي ليس خطرا حاضرا فقط، ولكنه خطر على المستقبل وعلى الأجيال القادمة، فالسيسي الذي أغرق البلاد في الديون، صار عبئا على هذه الأجيال التي تدفع ضريبة حاكم لم تختره وسياسات ليست لها يد فيها!

والسيسي بفشله في البر والبحر، إنما يمثل أكبر ضرر على الدولة المصرية، وهو بتفريطه في السيادة الوطنية، في الجزر ومن تيران وصنافير إلى الوراق، وإلى الحصة التاريخية في مياه النيل، إنما يرهن الدولة للمجهول.

ومن هنا، فإن الحفاظ على الدولة المصرية، لا يستدعي خلق فوبيا إسقاطها، لأن السيسي بسياسته وانحيازاته وأجندته غير الوطنية، سيؤدي إلى وقوع خطر يتعذر تداركه بإضعاف هذه الدولة أو إسقاطها!
للحفاظ على الدولة المصرية، فعلى السيسي أن يرحل الآن قبل ألا يكون هناك آن!