“مصر السيسي” لم تعد دولة ومشكلتك ليست مع السعودية

 بقلم: وائل قنديل

الخلاصة: مصر السيسي لم تعد دولة.. هي مرعى للبذاءة والانحطاط والهوان.

هي مملكة بلا ملك، هي إمارة بلا أمير، كيان يمتلكه شخص واحد، يديره ويستثمر فيه، ويتربح منه، بعيداً عن القانون، وعن الدستور، وعن الموروث السياسي والاجتماعي.
هي إقطاعية، يقتطع منها مالكها، ويبيع، ويتنازل، كلما استحكمت حلقات فشله، وضاقت به بلادته، وهو مطمئن، تماماً، إلى أن ردود الأفعال لن تصل إلى مستوى تهديد حكمه التعيس.
لم يتنازل عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، حباً في السعودية، وإنما زلفى إلى إسرائيل، وتنفيذاً للائحة المهام المكلف بها، والتي كشف عنها، بكل الوضوح والصراحة، والبجاحة، وهو يقف تحت ألوان العلم الصهيوني، داخل خيمته الزرقاء في محافظة أسيوط، مايو/آيار من العام الكابوسي الذي ودّعنا، منذ دقائق، حين أعلن عن مشروعه الرئيس: توسيع اتفاقية كامب ديفيد، لتشمل دولاً عربية، لم تتزلج على ألواح التطبيع العلني بعد، وتحقيق سلام دافئ مع العدو، لذا لم يكن غريباً أن يطلب السيسي إذاعة كلمته على التلفزيون الإسرائيلي، كي تصل لمن يستهدفهم بخطابه، أولئك المستعمرون الذين رأوا فيها بطلاً قومياً للكيان الصهيوني.
سلامُه الإسرائيلي الدافئ، ومشروعه لتوسعة مظلة كامب ديفيد، دفعاه إلى إلقاء كُرتين من النار في حجر السعودية، بصفقة التنازل عن الجزيرتين، حيث البائع والمشتري خاسران، وتبقى إسرائيل الرابح الوحيد، كالعادة. وارجع إلى الاسترسال الفاضح لواحد من أبواق السيسي، مكرم محمد أحمد، عندما قال لمذيعة التلفزيون إن المهام الأمنية الخاصة بالجزيرتين ستُنقل إلى السعودية، بالتنسيق مع إسرائيل.
تلك هي المسألة، وعلى ذلك لا يتصور أحد أن السعودية خرجت من الصفقة رابحة، بل هي أيضاً ضحية للفخ الصهيوني، الذي يتولى عبد الفتاح السيسي تنفيذه، حسب الكتالوج المعتمد سلفاً.
غير أن الخسارة الأفدح هي استدعاء مخزون الشوفينية، والتخندق الشعوبي، لتشتعل “داحس وغبراء” فوق منصات السوشيال ميديا بين الشعبين، المصري والسعودي، لتتطاير في الأفق كل فيروسات العنجهية والعنصرية، وتنهمر سيول السباب والشتائم، على إثر استفزاز أخرق، من قبل سفهاء السيسي، يضرب بفأس البذاءة في تربة التاريخ الزائف، فتنفجر آبار من البذاءة المضادة، بينما يجلس أفيخاي أدرعي على مكتبه راضياً، مبتسماً، مستمتعاً بصراع ديكة الشوفينية على الجانبين، حتى ظننت أنه سيغرد “استهدوا بالله يا جماعة الخير”.
التنازل عن الأرض، والتفريط في حبة التراب، مؤلم ومهين، ومؤذٍ للشعور الوطني والقومي. والتصدي لهذا السلوك الإجرامي، بامتياز، هو واجب وطني وإنساني. غير أن الغضب ينبغي أن يأخذ طريقه السليم، والمباشر، ليصيب الذي باع وفرّط وتنازل وخان القسم، واحتقر القضاء والدستور والقوانين، وقبل ذلك احتقر البشر، حين تصرّف فيما يملكون، وحدهم، بالبيع.
عزيزي الغاضب والمجروح من بيع الجزيرتين: غضبك مشروع، وقضيتك عادلة، لكن مشكلتك ليست مع السعودية، أو الشعب السعودي، مشكلتك مع حاكم لم يؤد الأمانة، ولم يعرف للوطن، أو للدم، حرمة، ولم يُقِم اعتباراً للتاريخ والجغرافيا والوثائق وحكم القضاء وأبجدية الضمير الوطني.
معركتك ليست ضد السعودية، فقد وجدت من يبيع، فاشترت. قضيتك مع شخصٍ يسلك على طريقة التاجر الذي يبيع أي شيء، بأيّ ثمن، من دون أدنى اعتبار لقيم الحق والواجب، وضارباً بمقتضيات الحلال والحرام عرض الحائط، مفترضاً أن الشعب سيصفق له، كلما أخرج من أكمامه بعض الخبز والأموال.
مشكلتك مع سماسرة وطنية، يخلطون بين القيادة والقوادة، يستطيعون بضغطة زر أن يفترسوا عقلك وأذنيك بخطاب يحاول إقناعك بأن بيع الجزيرتين منتهى الوطنية، ولا يمانعون في بيع “أبو الهول وأم الهول” وبيعك أنت شخصياً، وقد كانوا هم أنفسهم، قبل أيام، يمارسون عليك الشعوذة باسم الوطنية، معلنين أن الجزر عادت مصرية، حتى يعود الأرز للتدفق.
مشكلتك مع الذين ألهبوا أذنيك بالحديث عن القضاء العادل، الشامخ، وحين قال حكم القضاء الإداري، إن ما جرى في موضوع تيران وصنافير، واقعة تفريط في التراب الوطني، لا ترجمة أخلاقية لها، سوى أنها خيانة عظمى، واستهانة بالقسم والدستور، عادوا يحاولون إقناعك بأن القضاء فاسد ويعج بوقائع الرشوة.
معركتك مع الذين صغّروك ورخّصوك، وأهانوا إنسانيتك.