مدينة دمياط للأثاث: منطقة أشغال عسكرية

لا يمل الجنرال السيسي وأعضاء حكومته من الترويج لأهمية المدينة الجديدة للأثاث بدمياط، كان آخرها في مؤتمر الشباب الأخير، بوصفها الحل للقضاء على عشوائية الصناعة وتطويرها، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة للارتقاء بالمنتج الدمياطي في الأثاث، ولا ينسون بالطبع التأكيد على أن الهدف هو صغار الحرفيين في المحافظة.

في أحد أحاديثه عن تلك المدينة يقول السيسي “يعني إيه 400 ألف جنيه مقابل أن يمتلك الشاب مشروع في المدينة”، معتبرا أن هذا المبلغ بسيط ولا يمثل صعوبة في الحصول عليه بالنسبة للشباب من صغار الحرفيين، بينما كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع بجانبه يهزان رأسيهما مؤكدَين على كلامه!

لا يمكن النظر إلى المدينة الجديدة دون المرور على المدينة القديمة. محافظة بكامل مدنها ومراكزها، بل وقراها تكتظ بورش تصنيع الأثاث أو معارضها على اختلافها. معارض مبنية من الرخام، وأخرى مازالت في البداية وفي الغالب يسحقها الكبار. هذه طبيعة السوق والمنافسة، البقاء هنا للأقوى، الأقوى الذي يستطيع شراء المنتَج الأخير للعامل بأقل سعر، و(الأشطر) الذي يؤخر دفع مستحقات العامل حتى يبلغ رأس المال أقصى دوراته ويحقق أكبر ربح ممكن.

الغالبية العظمى من الحرفيين هنا لا تستطيع التملك في المدينة الجديدة، ولا تمتلك حتى 100 ألف جنيه، ولا يوجد تصريح رسمي حتى الآن يجيب بصورة واضحة عن كيفية استفادة صغار الحرفيين من المدينة الجديدة سوى كلام مبهم عن دراسات جارية للاختيار بين طرح الورش للبيع، أو الإيجار التمليكي، أو عرض قروض ميسرة لمساعدة الحرفيين، والتصريح الواضح الوحيد كان لإبراهيم محلب عقب وضعه حجر الأساس لإنشاء المدينة، أثناء رئاسته للحكومة، أن الهدف من إنشاء المدينة هو الاستفادة من العمالة الدمياطية الرخيصة،رغم حصول المدينة على دعم من الجانب الإيطالي قدره 50 مليون يورو حسب مجلة TiM BER المتخصصة في تكنولوجيا الأثاث في عددها الصادر في أغسطس 2016.

هكذا أُعلِنَ في مؤتمرٍ صحفي عُقد في يوليو 2016، أنه تم تأسيس شركة مدينة دمياط للأثاث، برأس مال 5 مليار جنيه مصري، ورأس مال مصدر 521 مليون، بينهم 325 ألف جنيه الحصة العينية نصيب محافظة دمياط بقيمة الأرض التي تصل مساحتها إلى 331 فدان.

حضر هذا المؤتمر وزيرا الصناعة والتخطيط، وتم الإعلان خلاله عن تفاصيل التأسيس، وكذلك انعقاد أولى جلسات مجلس الإدارة بعد صدور قرار التأسيس من الهيئة العامة للاستثمار، وكانت الجهات المساهمة هي محافظة دمياط بنسبة 40٪، والهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية بنسبة 5٪ نقدي، وشركة أيادى للاستثمار والتنمية بنسبة 15٪ نقدي.

وحسب المعلومات القليلة المتاحة عن شركة أيادي، فهي شركة تقوم برعاية مشروع المدينة الجديدة ومساهِمة في المشروع، والشركة تم إطلاقها أثناء فترة رئاسة إبراهيم محلب للوزراء بهدف تنفيذ مشروعات هادفة للاستثمار والتنمية في المحافظات المختلفة. المستشار المالي للشركة هي شركة Ni CaPital، الذراع الاستثماري لبنك الاستثمار القومي. هذا كل ما تسنى لنا معرفته عن أيادى شريكة حرفيي دمياط في المدينة!.

المدينة القديمة تعاني من البطالة المتزايدة، من السهل ملاحظة ازدياد حالات إغلاق الورش وازدياد أعداد المقاهي ومشروعات مثل السوبر ماركت أو بيع الخضار أو فاترينات بيع السجائر، فهل ستنقذنا المدينة الجديدة؟، يقول محافظ دمياط أن المدينة الجديدة ستوفر 100 ألف فرصة عمل مؤقتة خلال عملية إنشائها، ورغم ذلك لم نسمع مطلقا عن إعلانات لطلب عمال في عمليات الإنشاء التي شارفت على الانتهاء حسب التصريحات.

الإجابة تظهر لنا بوضوح في اللافتة التي تعلن أن المدينة منطقة أشغال عسكرية يشرف على بنائها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإدارة الأشغال العسكرية.

والمدينة تظهر بالفعل كمنطقة عسكرية، والمعلومات عما يجري داخلها مبهمة وغير واضحة، وتخضع للزيارات المفاجئة للواءات إدارة الأشغال والهيئة الهندسية، ولم يُسمح بالطبع لحرفيي دمياط بالمشاركة في إدارتها أو اختيار مسؤوليها، وتم اختيار أعضاء مجلس إدارتها بعيدا عن الحرفيين تماما، فأسامة صالح رئيس مجلس إدارة شركة دمياط للأثاث ورئيس الهيئة العامة لشؤون التمويل العقاري بقرار من أحمد نظيف رئيس وزراء المخلوع مبارك، هو نفسه رئيس مجلس إدارة شركة أيادي الشريكة في المدينة. والرئيس التنفيذي لشركة دمياط للأثاث الجديدة معتز بهاء الدين هو العضو المنتدب لشركة أيادي في نفس الوقت.

تبقى ملحوظة أخيرة جديرة بالذكر بخصوص موقع المدينة، فقد تم انشائها على أنقاض مزارع سمكية وبالمخالفة للقانون، ففي ردها على قرار مجلس الوزراء رقم 999 لسنة 2015 بتخصيص مساحة 331 فدان لإنشاء المدينة الجديدة، قالت هيئة الثروة السمكية أن هذا القرار مخالف لأحكام قانون الصيد رقم 24 لسنة 1983 الذي ينص على أنه لا يجوز لأى جهة حكومية أو شركة محلية أو جمعية تعاونية أو للأفراد تجفيف أي مساحة من البحيرات إلا بعد تقرير عدم صلاحيتها. ورغم ذلك قامت المدينة على أنقاض 22 مزرعة سمكية بعقود سارية تقوم بإنتاج الأسماك، ويقول محافظ دمياط أنه تم تعويض أصحابها.

كانت المنطقة تنتج حوالي 600 طن من الأسماك سنويا من الأسماك عالية القيمة يتم تصديرها بإنتاج سنوي 36 مليون جنيه، فضلا عن تشريد العاملين بهذه المزارع والآثارالسلبية على الصيادين الذين تم ردم مزارعهم.

منقول