لماذا لا يظهر «العوز» في رواتب العسكريين والقضاة؟

عندما تغطرس جمال عبد الناصر على الشعب قائلا: “أنا الذي علمتكم الكرامة وأنا الذي علمتكم العزة”، رد عليه الكاتب الكبير عباس محمود العقاد “إن شعبا يسمع مثل هذه العبارات ولا يثور ولا يشنقه في مكانه لشعب يستحق أن يحكمه ويدوسه بالنعال مثل هذا الرجل”، وعندما أعاد السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ذات الغطرسة، قائلاً للشعب: “عايز أخرجكم من العوز وأخليكم أمة ذات شأن تعملوا هاشتاج ارحل يا سيسي؟ أزعل ولا مزعلش؟”، تساءل المصريون: “هو ليه العوز مبيظهرش في رواتب العسكريين والقضاة اللي بتزيد باستمرار؟!”.

وعاد هاشتاج “ارحل يا سيسي” للصدارة بعد غضب السفيه السيسي، وقال السفيه في مؤتمر للشباب بجامعة القاهرة: “إحنا دخلونا في أمة ذات عوز. عارفين أمة العوز؟ أمة الفقر. وأما آجي أخرج بيكم منها يقول لك هاشتاج ارحل يا سيسي”، وعجز السفيه عن تقديم صورة مقنعة لتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال كلمته، واكتفى بتقديم أرقام على ورق لا تتعلق بتحسين مستوى معيشة المواطنين.

وتراجعت مصداقية الانقلاب بين أنصاره؛ بسبب عدم تنفيذه لوعوده بتحسن الأحوال خلال عامين من استيلاء الجنرال على السلطة، ووعوده بعدم زيادة الأسعار مهما زاد سعر الدولار، ونفاد أكثر من مهلة زمنية طلبها الجنرال لتحمل هذه الظروف المعيشية الصعبة، حتى أصبح التوجس من قرارات “الصب” الصعبة المقبلة هو الأمر المسيطر عليهم.

دلع القضاة

وأقرت حكومة الانقلاب، الشهر الماضي، إضافة مكافأة جديدة على رواتب القضاة، بواقع 5 آلاف جنيه شهريا، على أن يبدأ صرفها بأثر رجعي عن شهور عام 2017/ 2018، وتستمر مع العام المالي الجديد 2018/ 2019، ووضعت حكومة الانقلاب المكافأة تحت بند بدل طبيعة العمل الشاقة، وهو ما تزامن مع قرار السفيه السيسي بتشكيل اللجنة القضائية الخاصة بإدارة الأموال التي صادرها العسكر لقيادات الإخوان المسلمين ومعارضي الانقلاب، الذين صدر بحقهم قرارات تحفظ على الأموال.

الزيادة الأخيرة التي تم الكشف عنها الشهر الماضي تمثل ترضية للقضاة، بعد إقرار برلمان الدم قانون امتيازات بعض كبار قادة القوات المسلحة، الذين منحهم القانون- بالإضافة للحصانة القضائية- مميزات مالية لم يسبق لها مثيل، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة لدى القضاة، الذين يقومون بدور كبير في ترسيخ أقدام انقلاب السيسي من خلال أحكامهم ضد رافضي الانقلاب.

ويتمتع القضاة في مصر بامتيازات تأتي في المرتبة الثانية بعد امتيازات العسكريين وليس لها حصر تحت بند حوافز ومكافآت، والتي تختلف بحسب طبيعة العمل، والدرجة الوظيفية للقاضي، فهم يحصلون سنويا على مبلغ 30 ألف جنيه كفرق تسوية عن هيئة قضايا الدولة.

أما الرواتب الشهرية، فتبدأ من 18 ألف جنيه كراتب أساسي، ويضاف إليها خمسة آلاف جنيه تسوية شهور سابقة، و2400 جنيه فرق تسوية عن الشهر، و3 آلاف جنيه بدل مصيف، و3 آلاف جنيه مكافأة رمضان، و4000 جنيه بدل جهود غير عادية، و7400 جنيه حافز إنتاج، و2400 جنيه بدل علاج، بإجمالي شهري يصل لـ45 ألف جنيه، بخلاف بدل الجلسات الذي يصرف شهريا للقضاة، وكذلك بدل المرور الذي يصرف لأعضاء النيابة.

رشاوى الانقلاب

يقول نائب رئيس لجنة الشئون الخارجية ببرلمان 2012، محمد جمال حشمت: إنهم كنواب سبق أن اعترضوا على المميزات غير المنطقية التي يحصل عليها القضاة بخلاف باقي فئات الشعب، وهو ما عرضهم لحملة شرسة وقتها، وكان أحد أسباب حل البرلمان الذي بدأ يفتح الملفات المسكوت عنها.

وأوضح حشمت أنه بسبب هذا الموقف تمت محاكمة المستشار محمود الخضيري، رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق، ورئيس اللجنة التشريعية ببرلمان 2012، ونائب رئيس اللجنة صبحي صالح، وعضو اللجنة عصام سلطان، بعد الانقلاب؛ لأنهم اعترضوا على هذه المميزات داخل قاعة البرلمان، وطالبوا بتطهير القضاء ليعبر عن الشعب المصري بشكل حقيقي.

وأشار إلى أن رئيس الانقلاب يوزع الرشاوى على مناصريه لضمان ولائهم، خاصة أن القضاء لعب دورا مؤثرا في مواجهة رافضي الانقلاب الذين يملئون السجون والمعتقلات بأوامر قضائية مخالفة لكل أشكال العدالة والنزاهة المعمول بها دوليا.

ومن المنتظر أن تشهد الأيام القادمة مزيدا من الرشاوى لكل الفئات الداعمة لترسيخ الانقلاب، نظير السكوت عن إجراءات السفيه السيسي التي تهدم مصر على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة مع الضغوط المتواصلة على الشعب المصري نتيجة ارتفاع الأسعار، وما يمكن أن يمثله ذلك من حالة غليان مجتمعية، وبالتالي يتم تقديم هذه الرشاوى للجيش والشرطة والقضاة، باعتبارهم مثلث الدعم الحقيقي لاستقرار الانقلاب.