في ظلال آيه … من سورة الكهف

” وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا”
الكهف (16)
ولقد تبين الطريقان , واختلف المنهجان . فلا سبيل إلى الالتقاء , ولا للمشاركة في الحياة . ولا بد من الفراربالعقيدة . إنهم ليسوا رسلا إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها , ويتلقوا ما يتلقاه الرسل .إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر , ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها , وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم ويراوردهم , ويعبدوا ما يعب دون من الآله ة على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله . والأرجح أن أمرهم قد كشف . فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى الله , وأن يختاروا
الكهف على زينة الحياة . وقد أجمعوا أمرهم فهم يتناجون بينهم.
وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة . فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم , ويهجرون ديارهم , ويفارقون أهلهم . ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة . هؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم . هؤلاء يستروجون رحمة الله . ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة . ” ينشر لكم ربكم من رحمته”.
ولفظة(ينشر)تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح . فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها , وتشملهم بالرفق واللين والرخاء، إن الحدود الضيقة لتنزاح , وإن الجدران الصلدة لترق , وإن الوحشة الموغلة لتشف , فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق.
وما قيمة الظواهر ؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية ؟ إن هنالك عالما آخر في جنبات القلب المغمور بالإيمان , المأنوس بالرحمن . عالما تظلله الرحمة والرفق والاطمئنان والرضوان .
#في_ظلال_آية
#سيد_قطب
#ومضات